شائعة قتلت فيروز مرتين وابنتها ريما: جريمة عن سابق اصرار وتصميم
يحدث أن يأتيك الموت دفعة واحدة. موت الأمكنة والمدن وموت الحقيقة.
لا ينقصنا في هذا الموت الشاسع سوى صوت يرفعنا بحنجرته الى ينابيع الحياة.
ومن يفعل ذلك افضل من فيروز؟
فيروز العزاء في حضرة الاحتضار . فيروز مذياع الصباح في مشاوير السكون وفيروز صوت الحنين في المقاهي العتيقة، فيروز الخير والارض السخية.
فيروز هذا الرصيد الباق في اعماق العزاء. كيف لهم ان يميتوها زورا بشائعات فقد قتلوها مرات عدة اخرها قبل ايام 10- 8- 2020 وقبلها بشهرين 22-5-2020وقبلها بعامين 30 -11-2018.
من هم هؤلاء الذين يسدون طرق الحياة ؟
من هم هؤلاء الذين يجيدون قتل الرجاء؟
من هم هؤلاء الذين يخافون صوتها وصلاتها؟
من هم هؤلاء الذين يطيب لهم ان يقتلوا الصوت واللحن والشعر والموسيقى؟
من هم هؤلاء الذين يربعون اجراس الحزن الاضافي في جنازة مدينتنا؟
من هم هؤلاء الذين يخافون ان ينقذنا صوتها من عصف الهدم وفراغ المكان؟
اسئلة تخطر في بالنا نحن الذين لم يعد لنا بشارة سوى صوت ووعد. وفيروز وعودها كثيرة وحقيقتها صادقة كالبرق. فهي التي شدتنا نحو النهوض في عز الانكسار وانهضتنا كثيرا في انشودة “بحبك يا لبنان” وجمعتنا اكثر في ” زهرة المدائن ” واعطتنا السلام في قلبي سلام لبيروت وحافظت لنا على الحلم في القدس العتيقة ويا مال الشام وجسر العودة وحكيلي عن بلدي .
هذا الذي يقتل فيروز ولو زورا يروح ابعد من قتلها فهو يريد ان يقتل الاحلام ويريد ان يقضي على الحب فينا ويريد ان يفجر حمم الكره ويقلع اشجارنا ويقفل نوافذنا يريدنا قتلى ليستبيحنا اكثر.
ما هذا التوقيت بين قتل بيروت بمتفجرة نووية وشائعة موت فيروز؟ وكأنهم يريدون ان يقوضوا الجمال كله ،يريدون ان يدفنوا الضوء في حفرة عميقة يريدوننا جنازة بلا تكبير وبلا صليب خلاص.
ما لا يعرفه هؤلاء الذين ينشرون الكذب، اننا نحن الذين نؤمن بمدينتنا وبصاحبة الصوت نكتمل في عز قهرنا ، نتحد في انفجار فرقتنا ، نحب اكثر في إرهابنا ، ونسمع فيروز اكثر لتزداد نضارتنا .
ما هو القاسم المشترك بين الذي قتل بيروت وبين الذي يشيع لموت فيروز؟
الموحد بينهما هو قتل لبنان بثورته وثروته. ففيروز الثروة الحقيقية لوطن اقنعت العالم كله انه وطن الابداع والجمال ثروة لأنها اعطت البلد كل الفن وبتنا نتباهى اننا من وطن فيروز . وهي الثائرة الاولى والشجاعة الاولى التي حملت قضايا العرب ومدنهم جميعا وغنتها من القدس الى الشام الى يافا الى مصر الى الاردن الى العراق فبيروت وبات العالم كله يعرفها ويعرفنا من خلال صوتها .
من يتطاول على فيروز فهو يتطاول على كل هذه البلدان من هنا فيروز ليست للبنان وحده بل هي لكل العالم ومن يقترب منها فهو يقترب من النوافذ التي شرعتها للنقاء والحب والعطاء .
وما لا نعرفه ، نعرفه عندما نستمع اليها. وكأنها رسالة تستلهم أعالي الرسالات، في وطن خسر الكثير تبقى فيروز من أهم ما تبقّى لشعب خسر كل شيء تقريباً، وتواطىء على نفسه وتواطأت عليه الظروف. وعندما ظلّت له فيروز أحسّ بأنه يمتلك “شيئاُ لا يزول” أبداً. إنها أول ما نحتاج اليه: في الحب والحرب والسلم والصباح والوعد وعند قيامنا في الحياة الدنيا ، كي نعود غانمين لمكان ما في النفس والروح. لهذا لا احد يقوى على فيروز ولا احد يقوى على وطن فيه فيروز.
لمطلقي الشائعات كتبت ريما عبر صفحتها الشخصية بموقع «فيسبوك»: «لمُطلقي الشائعات اللي بيضل عندهم رغبة ونفس ووقت بكل الظروف مهما كانت سوداء يفبركوا الخبر ذاته، وكأنه هوي رغبات أكثر ما هوي مجرد شائعات».
وكما انتصرت فيروز فينا فهي تنتصر دوما على الشائعات التي تطالها ليبقى صوتها رمز الحياة وماسح الدمعة ونور الحق .
كمال طنوس