منوعات
أخر الأخبار

أسئلة غامضة لم يجب عنها أحد في قضية انفجار المرفأ

خط السفينة منذ انطلاقها حتى استقرارها في قعر البحر لغز معقّد

هل سيكتب للبنانيين الذين لم يستيقظوا بعد من صدمة انفجار مرفأ بيروت أن يعرفوا خيوط الجريمة كاملة؟ أم سيبقى الانفجار لغزاً غامضاً؟
هل ستجيب التحقيقات عن الأسئلة التي لا تزال عالقة؟ أمّ أن الحقيقة ستبقى ضائعة، كما كتب عليها أن تكون في كل قضايا الوطن ومعاركه الكبرى والصغرى؟
منذ وقوع الانفجار في الرابع من آب، بدأت تتكشّف خيوط الجريمة التي بدأت منذ العام 2013، عندما أبحرت السفينة “روسوس” من جورجيا، ورست كما لم يكن مقرراً لها في بيروت، واحتجزت الشحنة التي كانت تحملها في أحد عنابر المرفأ، ولم يسأل أحد عن الشحنة لا مالكها الأصلي الذي لم تعرف هويته بعد، ولا الجهة التي كانت ستستورد الشحنة، إلى أن غرقت السفينة في بيروت عام 2018، ولم تقم السلطات اللبنانية حتى بانتشال ركامها.
ثمّة أسئلة تدور اليوم وتحتاج إلى إجابات ليست بمتناول اليد، ما يدعم فرضية أن ما جرى في ميناء بيروت لم يكن وليد الساعة السادسة والسبع دقائق من يوم الرابع من آب، بل هو جريمة منظّمة بدأت من وراء البحار وانتهت في قعر البحر، وما بينهما ألغاز تحتاج إلى أكثر من مجرد تحقيق محلّي للإجابة عليها.

-لماذا لم يعلن عن هوية مالك شحنة نيترات الأمونيوم؟
تتشابك الخيوط في جريمة المرفأ، إلا أنّ أكثرها تعقيداً وغموضاً هو أن شحنة نترات الأمونيوم التي كانت تزن 2750 طناً لا أمّاً لها ولا أب.
فلغاية اليوم، لم يتقدّم أحد ويعلن ملكيته لها.
وكالة ” رويترز” كانت قد أعدّت تقريراً من عشر دول، لمعرفة المالك الأصلي لهذه الشحنة، إلا أنّ عملية التحرّي عن المالك أفضت إلى قصّة معقّدة تشمل وثائق مفقودة وأنشطة سرية وشبكة شركات صغيرة مغمورة تنتشر في أرجاء العالم. بحسب الوكالة.
فقد أجرت “رويترز” مقابلات مع أشخاص كانت لهم صلة بالشحنة، نفى جميعهم معرفتهم بالمالك الأصلي للشحنة وامتنع بعضهم عن الرد على السؤال. ومن بين الذين قالوا إنهم لا يعرفون المالك: شركة صناعة الأسمدة الجورجية التي أنتجت الشحنة والشركة الأفريقية التي طلبت شراءها وقالت إنها لم تدفع ثمن الشحنة.
أما قبطان السفينة وأفراد الطاقم فقد صرّحا أنّهما كانا يعتقدان أنّ رجل الأعمال الروسي إيغور غريشوشكين، هو المالك الفعلي للسفينة.

-لماذا توقفت السفينة في ميناء بيروت؟
لو لم تتوقّف السفينة في بيروت، وما كان ينبغي لها أن تفعل، لما وقعت كلّ هذه المأساة. فلماذا توقّفت السّفينة في بيروت؟
بحسب التحقيقات، يقول قبطان السفينة واثنين من أفراد الطاقم إن تعليمات صدرت لهم قبل أن تغادر السفينة البحر المتوسط من رجل الأعمال الروسي إيغور غريشوشكين، بالتوقف على غير ما كان مقرراً في بيروت وتحميل شحنة إضافية.
وصلت السفينة روسوس إلى بيروت لكنها لم تغادر قط، بعد أن علقت في نزاع قانوني بشأن رسوم غير مدفوعة للميناء وعيوب في السفينة.
وتقول روايات رسمية إن دائنين اتهموا المالك القانوني للسفينة، المسجل كشركة مقرها بنما، بالتخلي عن السفينة وتم تفريغ الشحنة لاحقاً ووضعها في مستودع على رصيف الميناء.

-من دفع ثمن الشحنة؟ ولماذا اختفت الشركة المصنّعة من الوجود؟
في العام 2013، حين رست سفينة روسوس في بيروت محملة بشحنة كانت معبأة في شوالات بيضاء كبيرة، كان يبلغ ثمنها حوالي 700 ألف دولار. فمن دفع ثمنها؟
يؤكد أنطونيو كونيا فاز المتحدث باسم الشركة الموزمبيقية التي طلبت شراء شحنة نترات الأمونيوم “شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات”، إن الشركة لم تكن المالك للشحنة في ذلك الوقت لأنها اتفقت على الدفع عند التسليم.
أما الشركة المنتجة روستافي أزوت الجورجية لصناعة الأسمدة، والتي تمت تصفيتها في عام 2016، فتظهر وثائق قضائية في المملكة المتحدة أن أحد الدائنين أجبر الشركة على بيع أصولها في مزاد في ذلك العام.
وتدير شركة أخرى المصنع حالياً، هي جيه.إس.سي روستافي أزوت، وقد صرّح مدير المصنع أنه لا يمكنه الكشف عن مالك الشحنة.

-إرباك في الموزمبيق: شحنة نيترات الأمونيوم لنا… ليست لنا

الرواية الرّسمية اللبنانية نتيجة التحقيقات الأوّلية في الانفجار، تؤكّد أنّ باخرة “روسوس” التي صودرت في مرفأ بيروت كان من المقرّر أن تكون وجهتها النهائية الموزمبيق، لكنّ السلطات الموزمبيقيّة نفت أي علم لها بسفينة كان على متنها حمولة كبيرة من نترات الأمونيوم.
وقالت سلطات ميناء بيرا في بيان لها: “هيئة تشغيل الميناء لم تكن على دراية بأن سفينة ‘إم في روسوس ‘ في طريقها إلى الميناء”.
وأوضح البيان أن وصول أية سفينة للميناء “يتطلب إعلاناً من وكيل هذه السفينة لهيئة تشغيل الميناء قبل موعد الوصول بمدة تتراوح بين سبعة إلى 15 يوما”.
وزارة النقل والاتصالات الموزمبيقية، قالت أيضاً إنها لم تتلق إخطاراً بسفينة بهذه الخصائص في ذلك العام.
وحسمت شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات الجدل بالتأكيد أن “شحنة نترات الأمونيوم التي تسببت في انفجار مرفأ بيروت، كانت تخص الشركة، وهي كانت في طريقها من جورجيا إلى موزمبيق لكنها لم تصل”.
وأوضح المتحدث باسم الشركة، والذي رفض الكشف عن اسمه نظراً لحساسية موقفه، أن “الشحنة التي كانت مخصصة لصناعة متفجرات لشركات التعدين في موزمبيق، تمت مصادرتها واحتجازها في ميناء بيروت منذ حوالي 7 سنوات”.

-التلحيم والصورة التي أثارت الجدل
ثلاثة عمّال يقومون بتلحيم باب العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، التقطت لهم من الخلف، وقام أحدهم بحفظها، من ثم تسريبها بعد وقوع الانفجار، الذي يذهب التحقيق في اتجاه أنّ التلحيم كان أحد أسبابه.
من التقط الصّورة ولماذا؟ وهل كانت محض صدفة أم أنّ من التقطها كان يعلم أنّ بعد تلحيم الباب لن يكون كما قبله في مرفأ بيروت، وفي بيروت لا في لبنان أيضاً؟
فقد أشارت التحقيقات إلى أنه منذ فترة وأثناء الكشف على العنبر تبيّن انه يحتاج الى صيانة وقفل للباب الذي كان مخلوعاً اضافة الى فجوة في الحائط الجنوبي للعنبر، يمكن من خلالها الدخول والخروج بسهولة، وطلب من ادارة مرفأ بيروت تأمين حراسة للعنبر وتعيين رئيس مستودع له وصيانة كامل أبوابه ومعالجة الفجوة الموجودة في حائطه.
وتقول رواية أمنية أن الانفجار وقع اثناء عملية التلحيم للباب وتطايرت شرارة وأدّت الى اشتعال مفرقعات موجودة في العنبر نفسه أدت بدورها الى انفجار نيترات الأمونيوم.

-لماذا تمّ تخزين نيترات الأمونيوم في المرفأ؟
بحسب الخبراء، يتمّ تخزين نترات الأمونيوم في مستودعات مخصّصة لها بشروط تحفظ السلامة العامة، وهذا ما تم تجاهلته إدارة مرفأ بيروت التي قامت بتخزينها إلى جانب مواد قابلة للتفجير.
كما أنّ إصدار أوامر بعمليات تلحيم بوجود مواد قابلة للإنفجار ، يعتبر بحسب الخبراء خرقاً فاضحاً للأمن الصناعي قد يكون هو المسبّب الرئيسي للانفجار، ما لم تظهر التحقيقات وجود عملٍ تخريبي.


-غرق السفينة… لماذا لم يسرّب إلى الإعلام؟
وصلت سفينة “روسوس” إلى بيروت أواخر العام 2013، وبعد الحجر عليها، نقلت سلطات الميناء في العام 2015 السفينة فوق الرصيف بسبب حدوث تسرب بها، وبقيت معلقة لثلاث سنوات، ثم بدأت في الغرق في شباط عام 2018.
وقال خبير الأقمار الصناعية، ستيفن وود إن الأقمار رصدت السفينة وهي مغمورة بالكامل تحت الماء، إذ أنّ السلطات اللبنانية لم تقم بإزالة حطام السّفينة.
ويبقى السؤال، كيف أنّ سفينة غرقت أمام الميناء ولم يتسرّب الخبر إلى الإعلام؟ كيف أنّ الموظّفين في المرفأ وزوّاره لم يتحدّثوا عن غرقها أقلّه عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟ كيف أنّ قضية النيترات كلها لم تصل إلى الإعلام رغم كل المراسلات القانونية، ورغم تقاذف الأجهزة الأمنية منذ سبع سنوات المسؤوليات حول تخزين مواد خطرة في العنبر رقم 12؟

-من منع حسان دياب من زيارة المرفأ؟
في شهر حزيران، كان من المقرّر أن يزور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب مرفأ بيروت، بعد أن وردته معلومات من جهاز أمن الدولة أنّ العنبر رقم 12 يحتوي مواد خطرة قابلة للاشتعال، وكان من المقرر أن يلي الزيارة مؤتمر يفضح فيه الرئيس الإهمال في تخزين المواد الخطرة كل هذه السنوات.
وقبل زيارته المرفأ بيومٍ واحد، قام أحد مستشاريه بإسدائه النّصيحة بإلغاء الزيارة، لأنّ المواد الموجودة في المرفأ ليست سوى سمادٍ زراعي، وأنّ التهويل الحاصل هو جزء من تقاذف الاتهامات بين الأجهزة الأمنية. فقام بإلغاء الزيارة وسط علامات استفهام حول هوية الضابط في المرفأ الذي كان مصدر معلومات مستشار الرئيس. فهل منع هذا الأخير عمداً من زيارة المرفأ، أم كان سوء تقدير من الضابط فحسب؟

-لماذا لم يتم إخلاء مدينة بيروت بعد حريق المرفأ؟
عند وقوع الحريق في المرفأ، واستدعاء الدّفاع المدني، كان كل الرؤساء والوزراء تقريباً على علم بأنّ ثمّة مواد خطرة مخزّنة في المرفأ، وأنّه في حال انفجارها ستتسبّب بكارثة في العاصمة، كما كان لدى إدارة المرفأ والأجهزة الأمنية العاملة فيه المعرفة الكاملة بطبيعة المواد وما قد يتسبّب به حريق واقع بالقرب منها من أذى، إلا أنّ أيّة أوامر بإخلاء المرفأ من الموظّفين، وإخلاء المناطق المجاورة من السّكان لم يصدر.
كل ما تبيّن بعد انفجار المرفأ، أنّ أياً من المسؤولين عنه لم يصب بأذى.

تتعدّد الأسئلة وتكثر علامات الاستفهام، بعضها قد يجيب عنها التحقيق، وبعضها قد يبقى سؤالاً دون إجابة، وسراً من الأسرار التي أحاطت بجرائم كبرى بقيت ألغازاً لم يجب عنها أحدٌ قط.

إيمان إبراهيم

إيمان إبراهيم

صحافية لبنانية، خريجة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. كتبت في شؤون السياسة والمجتمع والفن والثقافة. شاركت في إعداد برامج اجتماعية وفنية في اكثر من محطة تلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى