يا ورد مين يشتريك والباقة فاقت المليونَي ليرة!
في عيد الحب: كورونا تلحق الخسائر بمحال الورود والديليفري بديل
بعد أن قامت الدولة اللّبنانية بتنفيذ الخطة التدريجية لكورونا في مختلف المناطق اللّبنانية، اعتقد أصحاب المحلات أنهم سيبدأون بفتحها ضمن الأسبوع الأول من الخطة، لكنّ فألهم خاب أيضًا هذه المرة… وخلال جولة سريعة على المحلات في مختلف المناطق اللّبنانية، تحقّقنا من أنها ما تزال مقفلة، خصوصًا محلات الورود التي كان من المرجّح أن “تشتغل” هذا الأسبوع بمناسبة عيد العشاق.
معظم محلات الورود لم تفتح أبوابها منذ شهر، وأخذ أصحابها يفتشون عن “شَغلِه تانيه” يَعتاشون منها مع عائلاتهم، فمنهم مَن أصبح يشتغل ببَيع الفاكهة والخضار، وآخرون حَوّلوا محلاتهم إلى دكاكين سْمانة كي يستطيعوا أن يفتحوا أبوابها خلال أسابيع الحجر…
وفي لفتة من وزارة الداخلية، وتحسّسًا منها بخسارات محلات الورود المتتالية، قرّرت أن تسمح لها بأن تفتح أبوابها يومَي السبت والأحد فقط، من الساعة التاسعة صباحًا ولغاية الثانية بعد الظهر، إفساحًا في المجال للمواطنين كي يشتروا ورودًا بمناسبة هذا العيد الذي ينتظرونه كلّ سنة.
وفي جولة ميدانية، يتبيّن أنّ عددًا قليلًا من محلات الورود شرّعت أبوابها للزبائن لا تتخطى أصابع اليدين، أسعار الورود “مْهَاودِة” لجميع الزبائن، تبدأ من ثمن 5000 ليرة للوردة الواحدة، وتنتهي بثمن 30000 ليرة إذا كانت الوردة من إيطاليا… أما الباقة المؤلّف من 20 وردة، فيتراوح ثمنه بين 100000 ليرة و300000 إذا كان من لبنان، أما إذا كان مصدره أجنبيًا فثمنه يبدأ من الـ400000 ليرة وما فوق حتى أنّها بلغت مبالغ خياليةً في بعض المحال الذائعة الصيت إذ تخطى سعر الباقة المليونين و500 ألف ليرة!.
المفارقة تكمن في أنّ محلات الورود المتواضعة، التي فتحت أبوابها في هذين اليومين، “نَقَشِت” معها بالنسبة إلى الأموال، فحققت أرباحًا لم تكن في حسبانها جعلت أصحابها يعوّضون قليلًا من خسائرهم المتلاحقة منذ شهر آذار 2019 مع بداية تفشّي وباء كورونا في لبنان… أمّا المحلات التي لم تفتح أبوابها للأسباب المذكورة سابقًا، فقد راكَم أصحابها ديونًا فوق ديون، ما أدّى إلى هجرة أولادهم إلى الخارج بحثًا عن دولارات مَضمونة ووظائف “بِتمَشّي الحال”…
وهناك بعض الأشخاص وَضعوا إعلانات لمحلاتهم على الانترنت، وأصبحوا يتلقون اتصالات على جوّالاتهم من زبائن يطلبون الورد بطريقة الدليفري، فعَوّضوا بعض الشيء من خسائرهم… علمًا أنّهم أكّدوا أنّ الإقبال على الشراء هذه السنة هو في أدنى مراتبه، عازيين الأسباب إلى أوضاع البلد الاقتصادية المتردية.
ناصر “مبَسّط عالطريق”
وعلى رغم دوريات قوى الأمن الداخلي التي تشدّد في الأزونات في زمن كورونا، يلفت نظرك تشكيلة من الورود إلى جانب الطريق المؤدي إلى مجمّع فؤاد شهاب الرياضي، حيث يقف رجل وراءها منتظرًا سماع صوت مُشترٍ… وأكبر دليل على ذلك، بائع يُدعى ناصر، وهو رجل خَمسينيّ، اضطرّ إلى أن “يُصادِر” مكانًا على الرصيف، ليعرض فيه بضاعته من الورد اللّبناني “الأصلي”، كما تسمع صوته وهو يصرخ عاليًا لعلّ أحدًا يسمعه من المارّين…
والورود عند ناصر “مُعَزّزة مُكرّمة”، يرشّها دائمًا بالماء، ولا يبخُل عليها بالمعقمات والفيتامينات اللّازم فتبقى “مْوَرّدِة” يومين أو ثلاثة، ما يُرغِّب الزبائن بشرائها، خصوصًا أنّ ثمنها ليس غاليًا، لأنّ “الغالي بيرخَصلَك” كما يردّد ناصر عندما يَهمّ ببَيعها… وعندما تسأله عن حركة البيع، يتنهد ويجيب: مش مِتل كل سنه… بَس ساتِرها ألله… منضَل نقدر نعَيّش عيالنا.
ويخبرك أنه يأتي إلى هنا مع وروده يوميًا الساعة العاشرة صباحًا، ويبقى حتى الخامسة بعد الظهر، وهو “مُتعاقِد” مع صاحب مشتل في جبيل، يزوّده بالورد يوميًا منذ أكثر من 15 سنة، وانّ عمّال البلدية لا يقولون له شيئًا، ولو كان “مبَسّط عالطريق” لأنّه “عم يشوف خاطرهن دايمًا”.
تودّع ناصر بعد أن يتمنّى أن يعود لبنان إلى أيامه الخوالي، وأن يرجع الكَيف والسهر والعِشق والورد إلى سابق العهود… وقبل أن تدير محرّك سيارتك، تسمع صوته وهو ينادي عاليًا: diner specel بليلة عيد العشاق… تلفِنلي عا رقمي وأنا بتوَصّى فيك!.
طوني طراد