منوعات

قصة الرمّانة التي أحكمت الحصار على لبنان

"الإنتاج الزراعي اللّبناني بريء من تهمة تصدير المخدرات إلى المملكة"

الهمّ اللّبناني، لا نهاية له منذ بدء الحصار المحكم عليه، وانهياره، كان ينقصه صفعة جديدة، تُعمّق أزمته الاقتصادية وتحرمه جزءاً من عائدات الصادرات اللّبنانية. ضبطت المملكة العربية السعودية أكثر من خمسة ملايين قرص مخدر مخبئة في شحنة فاكهة “الرمان” فمنعت صادرات الفواكه والخضار اللّبنانية من دخول أو عبور أراضيها إلى الدول الخليجية المجاورة.

الجدل والغضب اللّبناني، من القرار السعودي، انقسم في تفاسيره بين الإجراء الظالم وبين القرار السياسي. والاستهجان على قاعدة أن لا دولة في العالم قطعت علاقاتها التجارية مع أي دولة أخرى باعتبارها مصدراً أو ممراً لمواد مخدرة.

وبحسب مصدر سياسي، فإن “القرار المتخذ في ظاهره احترازي وفي باطنه ضغط على لبنان في ظل الأزمة الحادة التي يعيشها والحصار المحكم لتطويقه. وتثبيت القرار أو العودة عنه مرتبط بالمناخ السياسي”.

قرار المملكة منع دخول أو مرور الصادرات الزراعية اللّبنانية لأراضيها، يعني خسارة تصدير 50 ألف طن من المنتجات الزراعية وما قيمته 130 مليون دولار سنويًا.

بعد القرار السعودي الصادم، أكد رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم الترشيشي أن الإنتاج الزراعي اللّبناني بريء من تهمة تصدير المخدرات إلى المملكة.

وفيما اعتبر في اتصال مع “أحوال” أن المملكة رائدة منذ 25 سنة في الاستيراد الزراعي من لبنان، ووحدها تستورد ما يزيد عن 50 ألف طن سنوياً من الإنتاجات اللّبنانية الزراعية. شدد على عدم ارتباط الجانب اللّبناني من مزارع أو مصدّر بهذه البضائع التي ضبطت في السعودية، “نحن ليس لدينا رماناً لنصدره، بل على العكس نستورده”, لمن إذاً هذا الرمان يجيب الترشيشي إلى أنه “منذ سنتين، يُسجّل دخول شاحنات زراعية غير لبنانية المنشأ على خط التصدير عبر لبنان.

المخدرات والممنوعات المضبوطة في شاحنات سورية المنشأ، لا شأن لأي مزارع لبناني ليُعاقب عليها. وهنا يجزم ترشيشي أن مصدر هذه الشحنات ليس لبنانياً على الأكيد، فالشاحنات تمر ترانزيت عبر لبنان الى مرفأ بيروت وتفرغ البضائع في البواخر لتعبر المياه الإقليمية إلى الخارج.  تكرار عبور الشاحنات السورية من لبنان تكثّف منذ سنتين بحسب رئيس تجمع المزارعين والفلاحين.

على المستوى الرسمي فوجئ أهل السلطة بالقرار، كونه لم يكن مسبوقاً بأي مذكرات أو رسائل سابقة تفيد أن ثمة نشاط ممنوع من لبنان إلى السعودية ليتم التعاون على هذا الأساس للجم هذه التجارة الخطيرة.

كشف وفحص الشاحنات السورية، التي تعبر لبنان، ليس صعباً ويُمكن بالتعاون مع الدولة السورية تبيان بياناتها ويبدو أنها تُستغل من عصابات سورية وسعودية. وكانت ذكرت وكالة الاخبار السعودية أنه تمّ توقيف سعوديين وسوري.

ومن المعلوم أن الجمارك اللّبنانية، ضبطت في مطلع شباط الماضي شُحنة من 5 ملايين حبّة كبتاغون كان ستُصدّر إلى المملكة، التي تنشط فيها هذه التجارة بحسب التقارير الدولية ولم تكن المرة الأولى. وعلى هذا الأساس طالب وزير الداخلية محمد فهمي والخارجية شربل وهبة بتعاون السلطات الأمنية السعودية لكبح هذه الظاهرة من خلال تبادل البيانات والمعلومات.

رئيس تجمع المزارعين والفلاحين، أبلغ وزير الزراعة أنه عليه التحرّك السريع ومعالجة الأمر بأقصى سرعة ممكنة، كما اعتبر أنه على الدولتين السورية واللّبنانية مكافحة هذه الآفة والتنسيق فيما بينهما بكل صراحة وشفافية.

الخسائر ستكون كبيرة على المزارعين والتجار اللّبنانيين، وخاصةً أن القرار يحظر دخول المنتجات إلى المملكة أو العبور عبر أراضيها، أي أنه سيطاول دولاً خليجية أخرى، وهو ما سيكون له تأثير كبير، وخصوصاً بالنسبة للمواسم التي تفيض عن حاجة السوق اللّبنانية، إذا لم يحصل تحرك سريع.

“الرمان ليس رماننا”، ما قاله الترشيشي ردّده رئيس نقابة مصدّري ومستوردي الفاكهة والخضار في لبنان نعيم خليل مؤكداً أن لا موسم رمان في لبنان، متمنياً على السلطات اللّبنانية التحرك وعلى السعودية العودة عن قرارها لإعادة حركة الاستيراد والتصدير بين البلدين قبل موسم الصيف.

هذا التمني يبدو أنه لن يجد له صدى في القريب العاجل. وبحسب رئيس هيئة تنمية العلاقات اللّبنانية الخليجية إيلي رزق “تواصلنا لاستيضاح القرار من المسؤولين في المملكة وأُعلمنا أن هذا القرار نهائي، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات من قبل الضابطة الجمركية لإرسال بضائع نظيفة من المخدرات فإن الإجراءات من قبل السلطات السعودية ستشمل بضائع أخرى”.

هذا القرار الصادم والحاد، ليس له شبيه في العالم، وهذا ما استغربه خليل الذي استنكر القرار السعودي كرئيس لنقابة المصدرين، داعياً لإنصاف مصدّري لبنان، بإعطاء لبنان اسم مصدّر هذه الشحنة ليتبين الخيط الأبيض من الأسود، لافتاً إلى أن حوالي 70% من صادرات سوريا كانت تمر منذ سنة وأكثر عبر لبنان ومنه إلى الخليج.

تداعيات القرار ستكون كبيرة حسب خليل، فقد اقترب موسم الكرز والمشمش وفائض لدينا الانتاج ليس بمقدور لبنان استهلاكه ما يعني أن الموسم سيكون كارثياً إذا ما استمر سريان القرار السعودي.

تجارة المنشطات والمخدرات، ليست شأن القطاع الزراعي حتماً، وهي نشاط مافيات منظمة. أشارت بيانات التقرير العالمي للمخدرات لعام 2020، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك تتصدران قائمة الدول الأكثر استهلاكاً للمخدرات، تليها تايلاند والسعودية، ثم المملكة المتحدة وتركيا، وتحتل غواتيمالا المرتبة السابعة عالمياً.

وفي التقرير نفسه، كشف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن تدابير احتواء فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم أدت إلى تداعيات خطيرة.

قلق المنظمة من تكرار ما حدث أثناء الأزمة المالية في عام 2008، فقد توقع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى تحول دائم في أسواق المخدرات غير المشروعة وإلى نمو القطاع في جميع أنحاء العالم.

خلال جائحة كورونا، توزع الكارتيلات أعمالها والسعودية واحدة من البلدان التي تنشط فيها هذه التجارة. وهذا تُظهره بياناتها حول ضبط كميات ضخمة من المواد المخدرة بين حين وآخر، من دون أن تقطع علاقاتها التجارية مع دول المصدر.

الحبوب التي صادرتها السلطات السعودية، الأمفيتامين Amphetamine ازداد استعمالها كمخدر، إذ يجعل متناوله يشعر بالانتشاء، وثمنه في متناول الجميع تقريباً.

وبحسب التقارير الدولية حول تجارة المخدرات والمنشطات، ومنها حبوب أمفيتامين منتشرة بكثرة في السوق العالمية في شرق وجنوب شرق آسيا، وأوروبا، وتعد شبه الجزيرة العربية من أكثر المناطق التي يكثر بها تعاطي هذه المادة. ويتم تصدير المخدر لجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطي وجنوب شرق أوروبا، ومن جنوب شرق أوروبا يتم تصديره مرة ثانية لشبه الجزيرة العربية…

 

 

رانيا برو

 

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى