تحليق التفلّت الأمنيّ في البقاع عاليّاً.. والسؤال “وينيّه الدولة”؟
يكاد لا يمرّ يوم إلا ويطالعنا خبر حادث أمني في البقاع، سواءً عملية قتل أو سرقة سيارات، أو سطو أو خطف للمطالبة بفدية… رغم استنكار أهالي المنطقة لهذه الأعمال، التي تزايدت مؤخراً بشكل كبير مع اشتداد الأزمة الإقتصادية في ظل نسبة بطالة غير مسبوقة وصلت إلى الـ40% بحسب بعض المراقبين. واللافت هو حصول عمليات القتل المتعمد من أجل سرقة بعض الخضار مثلاً كما حصل مؤخراً. فمن يكون المسؤول عن هذا التطوّر المخيف؟
الدولة هي المسؤولة
يحمّل نصري الهق، رئيس إتحاد بلديات الهرمل، المسؤولية في هذا الفلتان الأمني “للدولة اللبنانية”، فيقول لـ “أحوال”: “إذا كان عندنا دولة فلتتحمل مسؤولياتها. وإذا لم يكن هناك من وجود للدولة، فلنفتش عمنّ يتحمل مسؤولية الفلتان الأمني هذا”. لكن “بالمبدأ مفترض أنّه هناك دولة وقوى أمن وأجهزة أمنية، وهم من يتحملون كامل المسؤولية لما يحصل في المنطقة”.
ويلفت إلى أن “ما له علاقة بالسرقة والنهب والتشليح، طبعاً سببه الأزمة الإقتصادية والوضع الأمني المترديّ والأزمة السورية، حيث هناك على طرفي الحدود محميّات وفلتان، لأنّ الدولتين ضعيفتان، فمن هو مطلوب في سوريا يُهرّب إلى لبنان، ومن هو مطلوب في لبنان يُهرّب إلى سوريا”.
والحلّ القريب، برأي الهق، في منطقة محرومة إنمائيا هو “في التنسيق الأمني بين الدولتين لضبط التهريب والفلتان الأمني وعدم التسامح مع هذه الحالات التي تؤدي أحيانا إلى القتل وترويع الناس، هذا هو الحل. أي لا حلّ إلا الدولة والقوى الأمنية سواء في لبنان أو في سوريا”.
غياب الرادع الأخلاقي والقيميّ
في حين يرى جهاد إسماعيل، باحث دستوري وعضو مجلس بلدية بريتال، أنّ الجهة المسؤولة، هي “بلا شك أن غياب الرادع الأخلاقي والقيميّ، أسوة بالأوضاع المعيشية الصعبة، يلعب دوراً هاماً في صناعة الفوضى في بعلبك-الهرمل، لكن استقالة الأجهزة الأمنية عن أداء واجباتها ومسؤولياتها جعل من الفوضى أمراً مباحاً”.
ويردف إسماعيل في حديث لـ “أحوال”: “الأمن يحضر في مجال ازالة مخالفات البناء، بينما يغيب كليّاً عند مجال حماية الناس من أضرار السرقة والسلب واطلاق النار والنزاعات والمخدرات، وهذه الإنتقائية تجعل من الأمن فارغاً من أيّ مضمون”.
ويكشف، “إنّ بعض الأجهزة الأمنيّة على علاقة وطيدة ببعض كبار المجرمين والمتموّلين، خلافاً لما هو الوضع مع البسطاء الذين تطاردهم الأجهزة الأمنيّة إذا قرروا أن يبنوا حائطاً أو بيتاً يؤمّن استقرارهم وديمومتهم الإجتماعية”.
وعن السبُل لحلّ هذه الفوضى والفلتان الأمني، يرى أنّ “الحل بنيويّ بطبيعته لا ظرفيّ، فهو مرتبط أشد الارتباط بالمنهج الحكومي القائم على الزبائنية والمحاصصة والطائفية، لأنّ إقامة دولة القانون بصورة فعليّة لا إعلامية، من شأنها أن تُحييّ آلية المحاسبة، سواء في الأمن أو في غيره، لا أن يستتر الفاسد والمخلّ بواجباته بزعيمه أو بطائفته”.
ويختم “علاوة على أن الدولة، وبحكم مقدمة الدستور، مطالبة بالإنماء المتوازن، لأنّه، بحسب الدستور نفسه، من مقتضيات الاستقرار ووحدة الدولة”.
كل من في السلطة مسؤول
المفتي عباس زغيب يتوجّه بالإتهام كفعاليّة بقاعية في هذا التفلّت بالقول: “إنّ عدوى الفلتان الأمني صارت متنقلة في أكثر المناطق اللبنانية، والمسؤول هو الدولة وغيابها عن القيام بدورها في حفظ الأمن، وخاصة الإنماء ومؤسسات الدولة وحفظ الأمن، وما يُسمى بالبنى التحتية، الذي غالباً ما يؤدي إلى كل هذا الفلتان. وعندما نتحدّث عن الدولة، فإنّنا نقصد كل الموجودين في السلطة، ومنهم أعضاء المجلس النيابي ومجلس الوزراء وعلى رأسهم الأحزاب الفاعلة في المنطقة”.
ويقترح المفتي زغيب في حديث لـ “أحوال”، “اقامة ما يُسمى بـ (عشيرة الأوادم)، وليشكّلوا فيما بينهم لجاناً من أجل ضبط الفلتان الحاصل، لأنّ المناشدات التي أطلقناها لم تجد صدى لها، ولم تثمر إلاّ حواجز وخططاً أمنية ومضايقات للأوادم”. ويتابع “نحمّل الدولة بكامل أعضائها والأحزاب الفاعلة مسؤولية هذا الفلتان الحاصل”.
وبحسب المفتي زغيب، إنّ “الحل هو بحضور الدولة بكل مؤسساتها، وليس بالأجهزة الأمنيّة فقط، وإن كنا نطالب بتكثيف وجود القوى الأمنيّة”.
ويعتبر أن “الأمن ليس بالتراضي، بل بتطبيق القانون على الكبير والصغير، وأن يكون هناك تعاوناً بين كل الأفرقاء ومع الفعاليات العائلية، فاذا حصل هذا الأمر من خلال تطبيق الأمن على الجميع دون مواربة عندها يمكن أن تنضبط المنطقة”.
ويضيف سماحته، نقول عبر “أحوال” إننا أكثر منطقة تلتزم بالقانون إذا تم تطبيق القانون، وأكثر منطقة تتفلت من القانون إذا غاب القانون”.
ولم يعد مقبولاً برأيه “من الحزب الفلاني أو غيره إلقاء اللوم على الدولة، لأن جميع الأحزاب ممثّلة بالسلطة، وعندهم وزرائهم ونوابهم، وهي التي تختار الضابط الفلاني والمسؤول الفلاني في كل منطقة، وهو أمر معروف، فالمسؤول الأمنيّ يُعيّن -عادة- بحسب هوى الحزب المُسيطر في المنطقة”.
فمنطقة بعلبك الهرمل بالنسبة لزغيب “قدّمت الكثير وتستحق الاهتمام وضبط الأمن لأنه كفانا دفع فواتير دم، مع حضور الدولة فيها بكل الأوجه، لكن بتطبيق القانون على الجميع، وليس بانتقائية”.
ويرفع المفتي زغيب الصوت “بوجه الجميع، وخاصة الثنائي الشيعي، لأنهم هم الذين تم انتخابهم من غالبية الناس، وهم الذين يتحدّثون باسم الطائفة، وكما نعرف النظام اللبناني قائماً على المحاصصة في كل شيء، كما يُقال 6 و6 مكرر. فأنا كإبن منطقة البقاع أقول إن الذي أخذ مستحقات المنطقة من الدولة هم زعماء الطائفة، لذا المُطالب بذلك هم زعماء الطائفة”.
البقاع بحاجة للأمن والإنماء والعفو
يرى المُحلل السياسيّ، علي حجازي، أنّ “الأجهزة الأمنيّة تتحمل بالدرجة الأولى المسؤولية لأنها لا تقوم بدورها المطلوب منها، وتختلق الذرائع في السرّ فلا تعلن عنها، وهي مطالبة بفرض سيطرتها والإنتشار بشكل أكبر، وإذا كان أحد ما يُعارض الأمر فلتكشف عنه أمام الرأيّ العام”.
ويؤكد حجازي لـ “أحوال” أنّ “البقاع بحاجة لثلاثة أمور، هي: الأمن والإنماء والعفو العام”. فالأمن برأيه “وحده لا يكفي”.
ويختم بالقول “البطالة تدفع الشباب نحو الخروج عن القانون، أما العفو فيُخرج الآلاف من دائرة المشاركة في التفلّت الأمني”.
الحرمان المزمن
الكاتب والناشط أحمد مطر، يكشف لـ”أحوال” رداً على سؤال، إنّ “البقاع بشكل عام الذي شكّل في يوم من الأيام اهراءات روما، يعاني اليوم من نقص على مستوى معظم المواد الغذائية التي يحتاجها. هذا بالنسبة للبقاع بشكل عام”.
ويضيف “أما بالنسبة للبقاع الشمالي تحديداً هذه المنطقة التي شكّلت إنموذجاً للعيش المشترك والتي كانت طرقاتها خلال الحرب الأهلية آمنة، اليوم أؤكد أنّ قوى الأمر الواقع المسيطرة على الأرض هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن كل تلك الحالة المزرية التي يعاني منها البقاعيون، وبالتحديد منطقة بعلبك – الهرمل. ولا نعفيّ السلطات المعنيّة من المسؤولية حيث تعاني المنطقة من الحرمان المزمن”.
ويختم “لكن، وبالتحديد منذ عام 1992، وحتى وقتنا الحاضر أقول إنّ قوى الأمر الواقع هي المسؤولة عما يحصل اليوم في البقاع”.
سلوى فاضل