هل فضح ترامب هشاشة النظام الديمقراطي الأميركي؟
انتهت استعراضات ترامب الفوضوية بسلام، في وقت مبكر من صباح الخميس بتوقيت واشنطن، وبالتزام الرئيس الأميركي في انتقال منظم للسلطة بعد يوم ماراثوني غاضب في مبنى الكابيتول هيل؛ حيث أصدر ترامب بياناً مستسلماً للنتيجة بعد فترة وجيزة من تصديق الكونغرس على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن بالهيئة الانتخابية، وبعد شهور من مدّ وجزر ومحاولات لزعزعة ثقة الأميركيين بنتائج الانتخابات الرئاسية.
انتهاء اليوم الاقتحامي الطويل الغاضب والفوضوي خلّف وراءه علامات استفهام كبيرة عن فضح دونالد ترامب لنظام مهترىء_ يبدو متماسكاً للعلن وحلماً أميركياً طويلاً وبعيداً لدول أقلّ تطوراً. سلوك ترامب غير المنضبط وغير “المتزن” أخفى وراءه تساؤلات عدّة عن وضع المؤسسات الدستورية في الدولة الأولى عالمياً. وقد وصفت الـ CNN ترامب بالكاذب بشأن خسارته، والمتملّق حتى في دعوته لسلمية المظاهرات.
وقالت المحطة المناهضة لترامب: “ضرب ترامب نبرة متعاطفة مع المشاغبين الذين أطلقهم لنفسه، قائلاً ، “أنا أعرف ألمكم، أعلم أنكم مجروحون. أجرينا انتخابات سُرقت منا. لقد كانت انتخابات ساحقة والجميع يعرف ذلك… ولكن عليكم العودة إلى الوطن الآن. يجب أن ننعم بالسلام “.
بيان ترامب
وقال ترامب في بيان نشره على تويتر مستشار الاتصالات دان سكافينو: “على الرغم من أنني لا أتفق تمامًا مع نتيجة الانتخابات، والحقائق تدل على ذلك، إلا أنه سيكون هناك انتقال منظم في 20 يناير”.
وتابع، لقد قلت دائمًا إننا سنواصل معركتنا لضمان احتساب الأصوات القانونية فقط. في حين أنّ هذا يمثل نهاية أعظم فترة ولاية أولى في تاريخ الرئاسة، إلا أنّها مجرد بداية لمعركتنا لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى! ”
وكان الرئيس الأميركي قد ألقى كلمة في تجمع حاشد يوم الأربعاء لتشجيع الطعن في عملية اعتماد الهيئة الانتخابية. بعد المسيرة، اقتحم حشد من المتظاهرين طريقهم إلى مبنى الكابيتول؛ وقُتلت إمرأة واحدة وتم اعتقال أكثر من 50 شخصاً.
وإستأنف الكونغرس لاحقًا – وبعد محاولتين جمهوريتين للطعن في نتائج الانتخابات وأكمل العملية في وقت مبكر من صباح الخميس.
النظام الديمقراطي يدوّر نفسه بنفسه
الأكاديمي والوزير السابق سليم الصايغ اعتبر في حديث لـ “أحوال” أنّ الديمقراطية هي نظام سيء لكن أفضل الأنظمة الموجودة، حيث الشعب الجاهل كما المتعلّم هو الحاكم. وقال، إنّ أسوأ ما يحكم في الديمقراطية أنّها قامت على مبدأ المساواة بين الناس، لتشكّل صوتاً واحداً في صندوق الانتخابات؛ معتبراً أنّ هذا النظام قد ينتج اختلالاً. فيما لفت إلى أنّ النظام يصلح نفسه بنفسه، مشيراً إلى أنّ أميركا تسعى من خلال مؤسساتها الدستورية كمجلس الشيوخ، والكونغرس، والسلطة القضائية، أن تقيم توازانات حتى انعدام حصرية السلطات.
وقال الصايغ، قد تتجاوز الأنظمة الديمقراطية حدود الحريات، ويشوبها انحرافات، لكن إذا كان المبدأ منظم من قبل المؤسسات، فتستطيع هذه المؤسسات اصلاح نفسها. إذن، لا خلل في مؤسسات أميركا برأي الصايغ، “وما حصل في الأيام الماضية يؤكد ذلك”، لافتاً إلى أنّ الكونغرس تابع عمله_رغم الإعتراضات الشاجبة، “فيما قلّة من المتظاهرين اقتحموا المبنى”؛ معتبراً ما قام به ترامب من حشد للمتظاهرين رغم أنّه في سدة الحكم، ليس بجديد في أنظمة الدول، بل هي حالة شعبوية حصلت في لبنان وغيره.
وأشار الصايغ إلى انقسام أميركي أميركي واضح المعالم، منه الانقسام السياسي بين الطرفين، الجمهوري والديمقراطي، لافتاً إلى الحملة الاعلامية القائمة على ترامب. فيما يرى الإشكالية في مكان آخر، في الإنقسام الكبير الأبعد من الانقسام الجمهوري الديمقراطي. وميّز الأكاديمي والحقوقي بين أميركا المؤسسات، وأميركا الشعب. وقال: “هناك أميركا العميقة (الشعب)، التي أعطت صوتها لترامب؛ وهناك الدولة التي أعطت صوتها لبايدن ( المؤسسات، القضاء، الحكم ، النخب) وهم يسيطرون على الإعلام؛ فيما المواطن “البسيط” يؤمن بالقيم الأميركية، وبإنجازات إدارة ترامب، اقتصادياً وسياساً لا سيّما في الخارج لناحية مواجهة ايران والصين، حيث فرض الرئيس الأميركي الأجندة الاميركية، ما ينظر إليه المواطن الأميركي كانتصار فعلي.
ويرى الصايغ أنّ ترامب نفض تقاليد “بالية”، وهذا ما زعزع مكانة الدولة العميقة ومن استفاد منها، واصفاً ذلك بالشرخ حول ريادة أميركا وتحديد مصيرها؛ خاصة بعد إدارة أوباما، حيث وُصفت أميركا بالضعيفة آنذاك.
واعتبر أنّه على بايدن أن يؤلّف تكتلاً لجمع الديمقراطيين “كي يعيد ثقة وحكمة أميركا دون إغفال عناصر القوة التي وفرّها ترامب خلال الأربع سنوات الماضية”.
وقامت إدارة ترامب بحسب الصايغ، بترتيب ودفع السياسة الخارجية حيث إذا ما أتى بايدن إلى السلطة لن يستطيع أن يفكّك ما عقدته تلك الإدارة، لافتاً إلى الدفع العربي نحو التطبيع مع اسرائيل، وترميم العلاقات الخليجية. وقال الصايغ، إنّ عملية تثبيت الأوراق على الطاولة بين إيران وأميركا قائمة، ومن الصعب خلطها؛ لافتاً إلى جهود بومبيو وكوشنير وغيرهما من إدارة ترامب حتى الوصول إلى هذه النقطة، معتبراً أنّ التغيير قد يقتصر على الخطاب لكن ليس بالسياسات. وفيما يتعلّق بعلاقة أميركا في المنطقة، لفت إلى أنّه لا حل قبل حلّ فلسطين كقضية بنيوية وإلا تبقى الحلول مجمّدة على كافة الأصعدة، داعياً بذلك إلى تسوية عربية مشرّفة وحاسمة.
النظام الأميركي هشاً وترامب فضحه
ما حصل في اليومين الماضيين غير مسبوق في تاريخ الأميركيين لناحية الوصول الى الكونغرس، وذلك ناتج عن تحريض ترامب الذي أعلنه بصراحة. في هذا الإطار، يرى سفير لبنان السابق في واشنطن الدكتور رياض طبارة، في حديث لـ “أحوال” أنّ ترامب “غير متزن”؛ وبعد عدة محاولات لقلب الانتخابات، دعا مناصريه للتظاهر لعدم المصادقة على الانتخابات؛ فاضحاً بذلك النظام الديمقراطي الأميركي الذي ينظر إليه العالم كأنّه الديمقراطية الكبرى.
ولفت طبارة إلى قوانين في النظام الأميركي تظهره على هشاشته. “وأتى ترامب بجنونه ففضح هذا النظام”. وقال إنّ السؤال الذي يخالج الأميركيين اليوم، هل تحمينا المنظومة السياسة من الدكتاتورية في النظام الانتخابي؟ خاصة بعد إعلان رئيس الجمهورية عن تشكيك وتزوير في الانتخابات، مشيراً بذلك إلى ملايين الأصوات. ويرى طبارة في ذلك مؤشراً خطراً للمستقبل، إذ سيفسح بالمجال للتشكيك من جديد بانتخابات قادمة. “الملفت هناك بعض الأعضاء في مجلس الشيوخ تم انتخابهم بولايات يقولون إنّه تمت فيها عمليات تزوير؛ فيما وثيقة التصويت نفسها تتضمن اسم الرئيس وأعضاء مجلس الشيوخ؛ مشيراً إلى أنّ العملية واضحة أنها مصطنعة، ولكن من الطبيعي أن تفقد عامية الشعب الثقة في الانتخابات بعد “فوعة” ترامب.
واعتبر طبارة انّه إذا كان لبنان سيعتمد على بايدن، وما تكشفه سياسته لتشكيل الحكومة، فهذا يعني أنّنا سننتظر ما لا يقل عن السنة، حتى ينظّم الرئيس المنتخب سياسته.
ورأى أنّ مقولة ” أميركا هي بلد المؤسسات” هي نظرية خاطئة جداً بل خرافية؛ لافتاً إلى اختلاف السياسة المتبعة بين دونالد ترامب وباراك أوباما لناحية علاقات أميركا الخارجية والدبلوماسية.
حرب متوقعة في المنطقة
وكان للسفير السابق، ودكتور الفلسفة في القانون الدولي العام، ومؤسس المركز اللبناني لخدمة العلاقات العربية الأميركية اللاتينية الدكتور هشام حمدان رأي آخر حيال النظام المؤسساتي في أميركا، معتبراً أنّ ما حصل في الأيام الأخيرة ليس جزءاً من الثقافة الأميركية، بل نوعاً من ردة الفعل، لافتاً إلى أنّ الفوضى تم شجبها من كافة الأطراف. ويرى حمدان أنّ الرئيس ترامب شكّل صدمة للغالبية العظمى من الشعب الأميركي، سيّما من خلال ممارساته العنصرية. و قال: “إنّ ممارسات ترامب سمحت بتوقعات لحرب أهلية أميركية”، لافتاً إلى مطالب بعض المتطرفين بالدعوة للإنسلاخ عن الولايات المتحدة كما في تكساس؛ معتبراً أنّ المرحلة غير اعتيادية لأميركا، ومتخوّفاً بذلك من كارثة قد تطال منطقة الشرق الأوسط. ” في ما تبقى من أيام ترامب المعدودة، ستشهد المنطقة تصعيداً، إذ لن ينهي ترامب حكمه قبل أن ينهي مسألة الوضع في إيران.”
ونفى حمدان النظرية القائلة بأنّ النظام الديمقراطي الأميركي أثبت هشاشته؛ بل اعتبر النظام متماسكاً ومتجذراً، لافتاً إلى نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. “لو كان النظام هشاً، لكان فاز ترامب”.
وتوقع حمدان أن يعود بايدن لما بدأه أوباما، بل اعتبر أنّ عهده سيكون امتداداً لعهد الرئيس الأسبق سيّما في ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران. ولفت إلى أنّ هذه الفترة المتبقية لترامب، ستشهد تصعيداً في داخل أميركا وخارجها، ونعني هنا الشرق الاوسط؛ مشيراً إلى ضربة أميركية متوقعة للمؤسسات النووية الإيرانية. ورأى حمدان أنّ خروج ترامب من الحياة السياسية الداخلية أصبح وشيكاً، لأنّه أحرج الحزب الجمهوري.
وقال السفير السابق: “على منطقتنا أن تستوعب كل الأحداث منذ عام 1990. نحن في لبنان لا نتابع ولا ندرك التغيرات الجذرية في المجتمع الدولي؛ إذ نحن في نظام اقتصادي سياسي جديدين، وبايدن سيتابع هذا النظام، وهذا يتطلب تعاطياً سياسياً مختلفاً اليوم”.
لطيفة الحسنية
هشاشة النظام الأميركي