ميديا وفنون

ليليان نمري أسطورة العفويّة التي تشعّ فرحاً

قلبت موازين الفن والنجومية كلها، من مقاييس القد الى علياء الموهبة. ومن التعالي الى التواضع. ومن الفنانة التي لا تمس ولا تُرى لعلو قصرها، إلى فنانة الدرب والواقعية ومشاوير البوح بعيداً عن أقنعة التكبّر.
ليليان نمري عندما تطرق باب الشاشة يدخل الضوء كله وتحيله حياة. لا ادعاء لا بهرجة لا تعالٍ، فقط عفوية منجزة تدخل عمق العمق وتؤلّف قالباً من قلب.
من البساطة نسجت بساطها وحلّقت وحطّت في عين المشاهد، فارتاح لحضورها وضحك لضحكتها وصدق دمعها وتغزل بروحها.

نسألها كيف بهذه العفوية استطعت أن تحفري بئراً من فرح داخلنا يوم استحال علينا الفرح؟
كيف تمتشقين قامتك حتى بتنا نشعر بالفأل معك، ونريدك معنا في بيوتنا، على كنبتنا، على مائدتنا، وسط أفراحنا، في عز أحزاننا، صديقة لكل أمزجتنا، نترقب مجيئك لنغسل هماً ونرسم ابتسامةً؟
كيف استجمعت كل هذه الطيبة وكل هذا الإبداع فنوّرت بيوتنا. كيفما تحرّكت تحرّكنا. بتنا نخاف عليك لأننا نخاف أن نفقد فرحنا العائد معك.
ليليان نمري لست مستجدة على الفن. أنت الصابرة أكثر من خمسين عاماً متدرجة من شاشة الأبيض والأسود الى الألوان وفي كل عصر كان لك شأن كبير، لكن مؤخراً انتبهوا أن بإمكانك أن تصيري سيدة الشاشة وسيدة البيوت جميعاً يتحلق حولك الكبير والصغير، يريد أن يسمع حكاياتك ويشاهد تقلباتك ويسمع كلامك.
معجنك الفرح والقرب والكل يأكل من زادك، ويمنّي النفس ليتابع أم الجوج في “ع اسمك” وقبلها زلفا في “أم البنات” وتفاحة في “ما فيي”. ولا احد ينكر أنك غيرَت مسار “ديو المشاهير” فكنت الأشهر والأبقى والأكثر تألقاً وأبداعاً.
أبنة الستين تعمّر لنفسها قمّة لم يسبقها إليها أحد. قمّة لفتت أعين الشباب وفرح بها الأطفال وأشاد بها الكهول. فكانت نضرة كشابة تفتح لها القلوب وتصدم بها العقول. وأظهرت أنّ الفن قادر على التغيير والتأثير في الناس. وأنّ الفنان الأصيل لا يشيب بل يلمع أكثر عندما تكون الموهبة حقيقية.
تشربت الفن بسخاء، أبنة علياء نمري أسطورة الأمومة والتلقائية والذاكرة التي لا تمحى، وابنة عبدو نمري “شرنو” الذي ما زالت ضحكاته وشخصياته ترن في جدار الروح. هذه النشأة لا يمكن التغافل عنها، عندما يشرب المرء من مناهل الأخلاق والتواضع ولا يعرف للزهو مكاناً سوى في قلوب محبيه. وكما كانت علياء أماً لنا جميعاً فليليان هي الصديقة التي نأتي اليها كلما مسّنا سوء ونتّكئ على كتفها في زعل الحياة.


أي مساحة صغيرة تعطي لليليان نمري تستطيع أن توسعها وتثقلها بالفن، لتجعل منها ساحة واسعة يجتمع فيها الجميع على مآثر اللباقة والعفوية والحنو والحقيقية والخجل. ساحة قد تكون ضيقة لكن في داخلها بطلة تغطي بحضورها على الأبطال جميعاً.
الكاتبة كلوديا مارشليان والمخرج فيليب أسمر استطاعا برؤيتهما الناضجة للفن فتح مكانٍ لمن يستحق المكانة. وكانت ليليان محط أنظار في أعمالهما وشكلت إضافة لكل الأعمال التي شاركت فيها. و في كل مرة تثبت قدراتها التي لا حدود لها، تحلق في الادوار التي أسندت لها ، أبرزها دورها في مسلسل ” ع أسمك”. حيث شكلت مع كارين رزق الله توأمة التألف والمحبة والتعاون، ونقلتا هذه المشاعر الى المشاهد فانحاز لهما. هذا التأثير هو ما يجعل من الفن قدوّة، ومن الدور مدرسة، ومن الممثل معلماً يشرح الحياة بمتاعبها ونكساتها وانتصاراتها وغدرها وكل شجونها.

كمال طنوس

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى