الحريري في عطلة بعد تعطيل التأليف: هل يعود مُشَكّلاً أم مُعتَذراً؟
علوش: الحريري قد يعود إذا قبل عون التشكيلة وعطالله: الحريري مربك ومكبّل
اللّبنانيون يعلقّون أحزانهم وخيباتهم على شجرة العيد ولا بصيص انفراج يُعولون عليه الأماني بأيام أفضل على أبواب العام الجديد سوى الإيمان بمعجزات العليّ القدير. وتحت ظلال فشل جولات الحوار الأربعة عشر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، يُغادر الأخير في عطلةٍ تَجزُم تعطيل التأليف، ليغيب معه مدماك الحضور لاستكمال الاتصالات حول تشكيل الحكومة وغياب أي خرق محتمل او استئناف مفاوضات التشكيل. وفي حين أن الحريري يزور الإمارات والسعودية لملاقاة عائلته، بحسب المعلومات، فإنَّ باريس قد تكون على جدول الرحلة ممّا يحمّل الزيارة أبعاداً سياسية يُنتظر تكشفها فيما سيصدر عن الرئيس المكلّف في الأيام المقبلة. والرئيس المكلّف بعد انسداد الأفق الداخلي يقوم بدرس خطواته بما يتوافق مع مواقف الدول المؤثرة في المنطقة كأميركا وفرنسا والسعودية والإمارات.
سفر الحريري في زمن الأعياد من طقوسه العادية بما أنَّ عائلته تُقيم في الخارج، لكن ما لا يهضمه اللبنانيون هو الغياب في لحظة حياتية قارصة لا يُستساغ فيها احتفال المسؤولين بلحظة فرح تتعالى على معاناة شعبهم. المآسي المكثّفة مع تفشي وباء كورونا بشكل مريع يكتم أنفاس اللبنانيين وتزايد وطأة الأعباء الاقتصادية والمالية والإنذارات المحلية والدولية بويلات قادمة على لبنان، هي هدايا العيد الوحيدة وبناءً عليه، لا مواعيد محددة لإمكانية التوافق على الحكومة بانتظار ما ستسفر عنه مستجدات مواقف طرفي التأليف وطبيعة التطورات الإقليمية وما يتصل منها بالوضع اللبناني.
رئيس “تيّار المستقبل” يعتبر أنَّه أدَّى قسطَه للعلى، وضع تشكيلة من الاختصاصيين بين يدي رئيس الجمهورية، وسلّم بخلافات جدّية و”تعقيدات واضحة والأكيد أن هناك وضوح في المشاكل السياسية الموجودة”، كما قال بعد آخر لقاء له مع رئيس الجمهورية. وهو بانتظار ردّ الرئيس عون على اقتراحه. “إذا ما صدر تجاوب من الرئيس بالمصادقة على التشكيلة التي قدّمها الحريري ولاحت أجواء جديدة في الأفق فالرئيس المكلّف سيعود إلى لبنان على الفور وما لم يحصل تقدّم فهو سيُكمل زيارته لعائلته”، يقول نائب رئيس تيّار المستقبل النائب مصطفى علّوش خلال اتصال مع “أحوال”. ويعتبر أن الحريري قال ما عنده على باب قصر بعبدا “هو لخّص أنَّ الأمور وصلت إلى حائط مسدود والكرة في ملعب رئيس الجمهورية، إذا وافق على التشكيلة أو ما يشابهها فيمكن أن يعود الحريري على وجه السرعة أمّا إذا تمسّك الرئيس بشروطه كما هي الحال الآن فاللقاءات ستبقى معطلة”.
الزيارات الخارجية خلال الأعياد من عادات الحريري بحسب علّوش، وهو في الأعوام السابقة “كان يبدأها قبل عيد الميلاد وتنتهي بعد رأس السنة لكنّه أخرها هذا العام بناءً على وعد تقديم الحكومة للبنانيين يوم العيد، لكن بما أن الحكومة لم تشكل فقد ذهب اليوم لملاقاة عائلته”.
وجهة سفر الحريري غير محدّدة في بيانه الرسمي لتبيان تجاوزها المعنى الشخصي إلى إدراجها في سياق المأزق الوطني. وفي حين أن علّوش لا يجد أي مُعطى إيجابي في الأجواء، يرى أن الحريري حدّد منذ يوم تقديم استقالته في أعقاب “ثورة 17 تشرين” أن لبنان بحاجة إلى حكومة مستقلين اختصاصيين قادرة على العمل مع المجتمع الدولي وعلى هذا الأساس عاد لتحمل مسؤولية التكليف، لكن عدم استجابة رئيس الجمهورية وفريقه لهذا النوع من الحكومات وعدم تقبلها قاد إلى التعطيل”.
تحمل محطات زيارة الرئيس المكلّف، الإمارات السعودية وباريس إشارات قد تكسر الجمود الداخلي أو تحمل ما هو جديد. ورغم اتصالها باللقاءات العائلية تحتل السياسة حيزاً منها، يُتوقع أن يجري الحريري اتصالاته الخليجية والدولية لقياس اتجاهاتها حيال الأوضاع في لبنان، يوضح علّوش في هذا الشأن “لستُ مطّلِعاً على تفاصيل رحلاته لكن هي بالتأكيد زيارات ذات طابع شخصي وقد تشغل لقاءات غير معلنة حيزاً منها على الأرجح وهذا طبيعي بالنسبة لرجال السياسة”. ولا يُحمّل عضو كتلة “المستقبل” النيابية، هذا السفر معانياً كبيرة بالنسبة للمأزق السياسي ولجمود خط التأليف لكنّه يأمل أن تُثمر دعماً للبنان وأن تحمل ما يجلب انفراجاً في الأجواء الداخلية.
العناد والتصلّب ولعبة الإحراج وتقاذف التهم بالتعطيل والعرقلة، التوصيفات التي ترافق الاتصالات على خط تشكيل الحكومة لا تُعجب رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يراها هدر لزمن معالجة أوضاع اللبنانيين. وهو متمسك من ناحيته بضرورة إيجاد حكومة فاعلة، في مواجهة الظروف القاهرة، ويعتبر بحسب مصادر مطّلعة على أجواء عين التينة أن لا فائدة من “العناد” وأن تشكيل حكومة هو أجدى من المراوحة في ظل حكومة تصريف أعمال غير قادرة على التحرك للتخفيف من الأعباء على الناس، ولا تأثير داخلي لها ولا طاقة على استدراج الدعم العربي والدولي. ويحض بري وفق المصادر على التحرك مجدداً لإعادة “جوجلة” أسماء المرشحين للحكومة الجديدة وتجاوز لعبة الشروط والشروط المضادة. وما أوحت إليه المصادر فسّره عضو كتلة “التنمية والتحرير” أنور الخليل صراحةً بقوله “لا حكومة إذا بقي التعنت وطلب الثلث المعطل سيدي الموقف، فالدولة بوضعها الحالي عاجزة عن اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي المالي المعيشي المتفاقم”. وأن “لا بديل من تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، تتولى المهمة وفق المبادرة الفرنسية وتبدأ بالإصلاحات المطلوبة لمواجهة التحديات”.
التجاذب الداخلي على المحاصصة والفوز بقرارات الحكومة الجديدة، يترافق مع التسليم للقدر الأميركي يجعل من ملف تشكيل الحكومة مؤجلاً بانتظار استلام جو بايدن الرئاسة الأميركية وانعكاس التحوّل الأميركي، إن حصل، على مواقف الدول العربية بخاصة الخليجية من لبنان، بحسب مصادر مطّلعة على الحركة السياسية. وتعتبر المصادر أنه من المؤكد أنَّ الحريري يُدرك عدم قدرته على تشكيل حكومة بلا حزب الله وهو يخشى العقوبات الأميركية إذا ما تشكلت قبل رحيل دونالد ترامب. وبناءً على كل ذلك لن تتضح صورة الوضع الحكومي قبل حفل التنصيب الرسمي لبايدن في البيت الأبيض.
وعلى خط تأليف الحكومة يلفت علّوش إلى أنَّ ما كان مطروح أن يحصل رئيس الجمهورية على حقيبة الدفاع والرئيس المكلّف على حقيبة العدل مقابل الاتفاق على اسم مشترك لوزير الداخلية لكن الامر رُفض”. وتابع “يبدو أن ما رُوِّجَ عن طرح اسم عادل يمين من قبل الرئيس عون لوزارة الداخلية دقيق وقد تمَّ البحث بسيرته الذاتية”. في المقابل اعتبر عضو تكتل لبنان القوي النائب جورج عطالله أن “على ما يبدو أن النهج بات واضحاً عند تيار المستقبل فلا قدرة على الحريري على تشكيل الحكومة فهو مربك داخلياً وخارجياً” ورأى أنَّ “من يعطل تشكيل الحكومة هو الحريري الذي يعمل على شراء الوقت”.
الرئيس المكلّف غير قادر على تجاوز “الفيتو الأميركي” وهو يتهيّب ما تشهده الساحة السنية من دعم أميركي وخليجي لحركات تقصم ظهر شارعه السياسي والشعبي، ولا يَغفل عن الحركة الناشطة لشقيقه بهاء سياسياً وإعلاميّاً. فهل تأتي اتصالاته الخارجية خلال فترة العيد بما يمكن التأسيس عليه ويعود بمعطيات جديدة إلى لبنان يهجم من خلالها على تشكيل الحكومة أو يعتذر؟
رانيا برو