هل غيّر التهجير عادات العائلات السورية النازحة إلى لبنان؟
يُعتبر المجتمعان اللبناني والسوري متقاربين في عاداتهما وتقاليدهما، إلا أن شَسَاعة الأراضي السورية تجعل عادات شعبها متقاربة مع كل من المجتمع التركي، والعراقي، والأردني، والفلسطيني، كلّ بحسب تشارك الحدود بينهما، فيما لبنان هو جزء مهّم من هذه الحدود.
لذا، كان النزوح إلى لبنان من المحيط الشاميّ أمراً عادياً، لكن نزوح أهالي الرقة وحلب أظهر الفروقات بالعادات والتقاليد. “أحوال” يضيء في هذا التحقيق على مسألة تحتاج في فترات أخرى إلى مزيد من الدراسة والبحث. لذا، كان السؤال لبعض المعنيين حول حجم تأثير المجتمع اللبناني على العائلة السورية النازحة خلال العقد الأخير، أيّ ما بعد العام 2011، فيما يتعلّق بالعادات والتقاليد.
لا تجاوب للإندماج في البداية
بداية، كان اللقاء مع عاملة مختصة في الإطار الصحيّ التوعوي في منطقة الشويفات، فضلّت عدم الكشف عن اسمها، عملت في وزارة الشؤون الاجتماعية ضمن ملف النازحين السوريين في لبنان ما بين 2015 و2020، وانخرطت مع النازحين طويلاً ومعمقاً. وأكدت الأخصائية الاجتماعية لـ “أحوال” أنّه في البداية، “كانت العائلة السورية لا تتجاوب مع العاملين من قبل وزارة الشؤون الإجتماعية، وخاصة في اطار الدعم النفسيّ، لكن بعد فترة من الزمن صارت الزوجة أو الأم السورية النازحة تقصد مركز الشؤون في حيّ السلم لطلب المساعدة والدعم النفسيين. وهذا يُعتبر تطوراً مهماً”.
أربع تجمّعات
تصف العاملة السابقة، المخيمات في منطقة الشويفات حيث نشطت مع اليونيسف، خلف “سبوت مول”، بأنها عبارة عن أربع تجمعات (العباس، ودباح، والماوي، وعلي كردية) – موجودة على أرض مستأجرة من مالكها اللبناني- في وضع رديء إنسانيّاً، بلا شروط صحيّة، وفي كل مخيم يقطن أكثر من 150 عائلة، تحت ألواح “زينكو” تحميهم من الشتاء؛ كما أنها تقع بالقرب من أراض زراعية، قد يعملون فيها ضمناً.
وتتابع الناشطة الاجتماعية بالقول “كل العوائل التي تابعنا حالتها هي عوائل آتية من الريف السوري، مما صعّب العمل معها بداية، فهم آتون من بيئة مُعدمة ثقافياً، ويرون أن الفتاة يجب أن تتزوج باكراً، ورفض تعليم البنات”.
الممنوعات العائلية
وتشدد الناشطة الاجتماعية على معاناة واجهتهم في البداية، “لقد عانينا بداية التعامل مع العوائل النازحة، خاصة لجهة تعاملهم مع الفتاة وكثرة الممنوعات. لكن اليوم تغيّر الأمر وباتوا يطلبون تعليم البنات وتأهيلهن مهنيّاً”.
وتصف وضع المخيمات المنتشرة في منطقة صحراء الشويفات بـ”المأساوي” حيث ألواح “الزينكو” هي السقف مع الوحول في الشتاء، والحرّ الشديد في الصيف. لكن برأيها “كل هذا لم يمنع الأهل من الطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية ومن المؤسسات الأهليّة المساعدة النفسية لأولادهم”.
وتختم الناشطة بالقول، إنّ “من لم يلتحق بالدراسة المباشرة في الصفوف بسبب جائحة كورونا، بات اليوم يتلقى تعليمه عبر”الأونلاين”، كما هو حال أية عائلة لبنانية. واليوم تهتم مدرسة “حسين مكتبي” في منطقة الليلكي بالدعم النفسي لللاجئين السوريين، وهي مفتوحة أمام الجميع”.
دور”مؤسسة عامل” في مركز حيّ السلم
بالمقابل، في منطقة شعبية مزدحمة بالمواطنين اللبنانيين، تجد آلاف النازحين، هي المنطقة الأكثر شعبيّة في لبنان أي حيّ السلم، وفي مركز ضخم، يشمل بتقديماته وخدماته المتنوعة النازحين بشكل أساس وهو مركز “عامل التنمويّ”.
تقول مسؤولة المركز، سُكنة حَولي، إن “مركزنا يقدّم خدمات لمئات العوائل اللاجئة منذ بداية الأزمة السورية وبأعمار مختلفة، علماً أن أنشطة المركز تتنوع ما بين التعليمي والترفيهي والنفسي”.
اختلاف العادات
وحول اختلاف العادات والتقاليد بين العائلة السورية والعائلة اللبنانية، ترى “كانت العائلة السورية ترفض تعليم بناتها، وتسعى لتزويجها مبكرا، لكن اليوم تغيّر الأمر، وخفّت نسبياً عملية تزويجهن قبل سن الـ18، وباتت العائلة السورية تطلب العمل لبناتها في المؤسسات والمحال التجارية”.
وتتابع حَولي بالقول “بالنسبة للتعليم كانوا يرفضون تعليم الفتاة، كذلك الحال مع التعليم المهني؛ وقد تأثرت العائلة السورية بالعادات اللبنانية والأجواء الموجودة هنا بعد فترة من الزمن”.
في البداية كانت المعاناة
وتضيف بالقول “لم يعد الأمر كما كان سابقاً حين خروجهم من بلدهم. بالبداية، عانينا مع بعض العائلات السورية لجهة التوعية لناحية الزواج المبكر، وفيما يخصّ اللباس والخروج من المنزل وتخفيف الضغوط على الفتاة لناحية التواصل مع المجتمع الخارجي، معتبرين أنه من عاداتهم وتقاليدهم؛ لكن اليوم صار الوضع مختلفاً كليّا، أصبحوا يقصدون المركز لتسجيل البنات في دورات التعليم المهني بعد أن كانوا يرفضون ذلك رفضا تاما”.
وبالنسبة للأرقام تقول، “بحسب الدورات المختلفة التي أقمناها كتصفيف الشعر والماكياج والخياطة والتطريز وتصميم الأزياء والكمبيوتر والتزيين، إنّ 70% من العوائل النازحة تلقت التعليم المهني عبر مركزنا في حيّ السلم، إضافة إلى مراكزنا المنتشرة في كل لبنان. و رغم توقف الدورات حاليّاً، إلا أنّهم لا زالوا يأتون للمشاركة في الدورات المهنية الأوليّة لأولادهم. والتغيير برز اليوم بشكل كبير لديهم من خلال الاقبال على جلسات التوعية، رغم وباء كورونا، وهو أمر مُلفت جدا، حيث أن التأثر والتغيير واضحين تماما”.
الإندماج
أما من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي، فترى الأخصائية نعمت هاشم رداً على سؤال حول مدى اندماج العائلة اللاجئة المحافظة مع تقاليد وعادات المجتمع اللبناني المنفتح.. “صحيح أن التقارب الثقافي بين بلدينا كبيراً، مما جعل وطأة التقارب على العادات والتقاليد أخفّ على المجتمع السوري، لكن هذا لم يمنع الكثير من التغيّر الذي حصل”.
الممنوع بات مسموحاً
وبرأي هاشم، “الدراسات التي حصلت مؤخراً تبيّن أن تغيّرا كبيراً حصل بالمجتمع السوري نتيجة الاختلاط بالثقافة اللبنانية سواء بطريقة اللباس والحجاب وطريقة إلباس الاطفال الذي شكّل عبئا ماليّاً كبيراً على الأهل، في محاولة تقليد للبنانيين. وكان محظوراً على المرأة السورية مثلا مصافحة الرجل، الآن بات مسموحاً، وكذلك الأمر بالنسبة للعمل والتعليم والانفتاح على سوق العمل”.
وبخصوص التعلّم، تلفت هاشم إلى أن “الظروف الاقتصادية تمنع السوريين اللاجئين من التعلّم، وهو مكلف عليهم مما يُشكل عائقا أمامهم. أما بالنسبة للعمل فالتغيير واضح، وخاصة بالنسبة للمرأة التي دخلت سوق العمل اللبناني بشكل كبير”.
نازحة باتت ضد الزواج المُبكر
تؤكد “أم حسام” (38 سنة)، أنّ العادات السورية ظالمة للمرأة، فهي التي زوّجت ابنتها الكبرى في سنّ الخامسة عشرة، ترفض اليوم تزويج ابنتها الثانية في سن صغيرة. أم حسام نازحة سورية من حلب، وأم لخمسة أولاد لم يذهب أيّ منهم إلى المدرسة بسبب الفقر منذ خروجهم من بلدهم، وليس لسبب آخر كما تقول.
من جهة أخرى، تؤكد فريدة (25 سنة) أنها كانت ترتدي النقاب في بلدها، وهي الهاربة من حلب مع زوجها وأبنائها، لكن في بيروت تخلت عنه، وهي اليوم عاملة في إحدى المؤسسات الإجتماعية. وتعتبر نفسها إمرأة طموحة كونها تسعى لتطوير مهاراتها في العمل، رغم أنها أم وزوجة وعاملة، وتقيم في منزل مشترك مع عدد من أفراد أسرة زوجها.
رفض الباحثين لنظرية التأثر
وبحسب باحث اجتماعي مختص، فضّل عدم الاعلان عن اسمه، “البحث العلمي في العلوم الإجتماعية لا يمكن البناء عليه من خلال ملاحظة الظاهرة فقط، ما لم يستتبع البحث الإجتماعي أرقاما وخلاصات واستبيانات وخلاصات علمية”. ويبقى البحث في هذا الاطار بحسب هذا الباحث “عبارة عن مقالات صحفيّة”.
المجتمع السوري مجتمع ناشط
ختاماً، الجميع يعترف ويقرّ أن السوريين هم أبناء مجتمع شاب وناشط رغم التقاليد والعادات التي تكبّله، وإن كان رافضاً لبعضها. فالرجل السوري يتزوج باكراً وينجب العديد من الأطفال، وتعيش زوجته معه ضمن الحد الأدنى للظروف المعيشية التي غالبا ما تكون قاسية.
لذا، كان النزوح الذي بدأ مع العام 2011 خفيف الوطأة نوعاً ما، وهم الذين عاشوا في التجمعات السكانية غيرالصالحة للسكن؛ أما من استأجر منزلا فقد اختار أن يكون في الضواحي أو في الأرياف في البقاع والشمال والجنوب.
وفي كلتا الحالين عَمِل الرجل السوري، وإن بشروط صعبة، لكن نادراً ما سمح لبناته وزوجته بالتعلّم والعمل إلا بعد مرور سنوات على اللجوء، وبعد جهود مُضنية بذلتها الجمعيات والمؤسسات الإجتماعية المدعومة من المؤسسات الأمميّة.
سلوى فاضل