اقتصاد

مشروع “الفجوة المالية”: قانون مطعون بدستوريته وتواطؤ محتمل على الودائع

بقلم: د. هشام الأعور

يُقدَّم مشروع “الفجوة المالية” الذي أقرّته حكومة الرئيس نواف سلام على أنّه إطار قانوني لمعالجة الخسائر المتراكمة في النظام المالي اللبناني، غير أنّ القراءة المتأنية في مضمونه ومساره تكشف أنّه لا يشكّل حلًا للأزمة بقدر ما يؤسّس لانتهاك خطير لمبدأ دستوري جوهري هو حماية الملكية الخاصة، ويضع السلطة التشريعية أمام مسؤولية تاريخية لا تحتمل الالتباس.
ينطلق المشروع عمليًا من فرضية تحميل المودعين الجزء الأكبر من كلفة الانهيار المالي، عبر شطب الودائع أو اقتطاعها أو تجميدها بأدوات تشريعية وتنظيمية، في محاولة لنقل الخسائر من الدولة ومصرف لبنان والقطاع المصرفي إلى الأفراد. هذا المسار، مهما اختلفت تسمياته التقنية، يشكّل في جوهره مساسًا مباشرًا بحق الملكية، ويقع في تعارض صريح مع المادة 15 من الدستور اللبناني التي تنص بوضوح على صون الملكية الخاصة وعدم جواز نزعها إلا لأسباب المنفعة العامة وبعد تعويض عادل ومسبق.
ما يميّز هذه المخالفة أنّها ليست تقنية أو قابلة للتأويل، بل تطال نصًا دستوريًا صريحًا. فالمشروع لا يحدّد منفعة عامة واضحة، ولا يلحظ أي آلية تعويض عادلة، ولا يراعي مبدأ المساواة بين المودعين، ما يحوّله إلى شكل من أشكال نزع الملكية المقنّع. وبذلك، فإن أي قانون يُقرّ على هذا الأساس سيكون، بحكم الدستور، عرضة للإبطال أمام المجلس الدستوري، ما يجعل مصيره القانوني هشًا منذ لحظة ولادته.
غير أنّ الإشكالية لا تتوقف عند احتمال الإبطال، بل تتجاوزها إلى المسار السياسي الذي قد يرافق إقرار المشروع. ففي حال وافق مجلس النواب عليه، يصبح القانون قابلًا للطعن ضمن المهلة الدستورية من قبل عشرة نواب على الأقل أو من قبل رئيس مجلس النواب. وإذا فُعّل هذا الحق، فإن المجلس الدستوري سيكون أمام مخالفة واضحة، ما يرجّح إسقاط القانون أو أجزاء أساسية منه.
أما السيناريو الأخطر، فيكمن في أن يمرّ القانون من دون أي طعن، لا من النواب ولا من رئيس المجلس. عندها، لا يمكن الفصل بين من اعترض خطابيًا ومن صوّت أو امتنع عمليًا، لأن الامتناع عن الطعن في قانون يُدرك الجميع عدم دستوريته يشكّل بحد ذاته موقفًا سياسيًا وقانونيًا، ويحوّل المسؤولية إلى مسؤولية جماعية.
في هذه الحالة، يصبح المجلس النيابي شريكًا مباشرًا في ضرب الحقوق الدستورية للمودعين، وتسقط كل محاولات التمايز السياسي أو الشعبوي. فالدور الدستوري للنواب لا يقتصر على التصويت، بل يشمل حماية الدستور والحقوق الأساسية، وفي مقدّمها حق الملكية. والتفريط بهذا الدور، سواء بالفعل أو بالامتناع، يرقى إلى مستوى التواطؤ المؤسسي على حساب فئة واسعة من اللبنانيين.
من هنا، فإن مشروع “الفجوة المالية” ليس فقط قانونًا معيبًا دستوريًا، بل هو اختبار حاسم للنظام السياسي برمّته. فإمّا أن تُفعّل آليات الرقابة الدستورية ويُسقط المشروع، أو يمرّ بلا طعن، وعندها يكون الانتهاك قد تمّ بغطاء سياسي وتشريعي كامل.
وعليه، فإن السؤال الحقيقي لا يتعلّق بمصير القانون فحسب، بل بمصير الدستور نفسه: هل يبقى مرجعية حاكمة تُصان بها حقوق المواطنين، أم يتحوّل إلى نص معلّق يُتجاوز كلما اقتضت تسويات السلطة ذلك؟ وفي هذا الامتحان، لن يكون التاريخ معنيًا بمن اعترض بالكلام، بل بمن دافع بالفعل عن الدستور ومن شارك، صراحة أو ضمنًا، في خرقه.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى