العفو العام قانون وُلد ميتاً
من جلسة إلى جلسة ينتقل اقتراح قانون “العفو العام” دون أن يجد طريقه إلى الإقرار. وبعد مطبّات وإخفاقات عدة خَفَت وهج نجم الجلسات السابقة حتى أصبح “كمالة عدد” لا أكثر على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي تُعقد الإثنين في قصر الأونيسكو.
ثلاث صيغ للعفو العام
يحطّ “العفو العام” الإثنين في الهيئة العامة لمجلس النواب بثلاث صيغ هي:
- اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من النائب جميل السيد الرّامي إلى تخفيف الاكتظاظ في السجون في ظلّ جائحة كورونا.
- اقتراح قانون العفو العام المقدّم من النائبين ياسين جابر وميشال موسى.
- اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من “الّلقاء التشاوري” بمادة وحيدة الرّامي إلى منح عفو عام جزئي يوازي تخفيض العقوبة إلى ثلثي المدّة.
وبين جلسة العشرين من تشرين الأول، التي طُيّرت على خلفية طرح اقتراح قانون العفو العام والجلسة المقبلة، لم تأتلف القلوب بعد على القانون؛ وما زال محطّ خلاف بين مختلف الكتل البرلمانية. ويشير مصدر نيابي لـ “أحوال” إلى أن اقتراح العفو العام الذي يعود إلى الواجهة مع كلّ جلسة نيابية، منذ أوائل العام الحالي، من بوّابة فيروس كورونا الّذي اخترق أسوار السّجون اللبنانية مهدّداً حياة مئات السّجناء، يقدِّم في كلّ مرّة يُطرَح فيها عيّنة عن نظرة المسؤولين الطائفية والعشائرية والتحصاصية إلى القضايا الأساسية.
وفي هذا الإطار يؤكّد المصدر أن القانون وُلد أصلاً ميتاً، ولا أمل بإمراره في جلسة الإثنين، ولا سيّما أن كلّ جهة ما زالت على رأيها. وبما أن صيغتين من الثلاثة المقدّمة إلى الهيئة العامة تحمل صفة العجلة، لن يتم التصويت في الهيئة العامّة على هذه الصفة، وبالتالي إذا سقطت عنهما يحالان إلى الّلجان النيابية.
مواقف الكتل من العفو مكانك سرّ
التنازع… هكذا يمكن وصف وضع الكتل النيابية التي لم تجد حتّى اليوم سبيلاً للإتفاق على هذه القضيّة، والضّحية دوماً هم أهالي السجناء والموقوفين من مختلف الطوائف، فؤلاء يخضعون منذ سنوات لاستثمرار السّياسيين إما انتخابياً وإما تحت راية وباء”كورونا”. ورغم كلّ ما تقدّم لا يزال “العفو العام” يُطرح بصيغ لا تتوفر لها أرضيّة مشتركة بين الكتل لإقراره، ولا يزال أهالي السّجناء يتأملون من جلسة إلى أخرى أن يصل ملف أبنائهم إلى الخواتيم المُرضية.
التنمية والتحرير: العفو العام ضرورة
تُعدّ كتلة التنمية والتحرير من أبرز السُّعاة إلى إقرار قانون العفو العام. في جلسة الثلاثين من أيلول وعقب تطيير الجلسة على خلفية طرح العفو العام برز تصريح رئيس مجلس النوّاب نبيه بري حينها، عندما وصف الوضع بأنه “كمن يرى باخرة تغرق ولا يُبادر الى إنقاذها قبل الغرق” مؤكداً أن “طرح القانون كان من باب التخفيف من السجون بعد تفشي كورونا، وكان يجب إقرار أي قانون وليس بالضرورة ما كان مطروحاً”. من هنا، يجدّد عضو الكتلة النائب غازي زعيتر لـ”أحوال” التأكيد على أهمية إقرار قانون العفو العام نظراً للأوضاع التي يعيشها المساجين في ظلّ انتشار كورونا في السّجون. ويشير زعيتر إلى أن أطرافاً تتّهم مؤيدي العفو العام وتحديداً كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة بالسّعي للعفو عن تجّار المخدّرات الأمر الذي ينفيه نفياً قاطعاً، مؤكّداً أن الكتلة معنّية بالعفو نظراً لوجود بلاغات ومذكّرات توقيف ظالمة بحقّ المئات من أبناء بعلبك- الهرمل، لا تتجاوز المذكّرات الخاصة بقضايا جنائية فيها ال100.
وفيما لا يخفي زعيتر صعوبة تمرير أي من اقتراحات قوانين العفو المطروحة خلال الجلسة المقبلة، إلا أنه يتمنى أن يُبنى على الاقتراح المقدّم من النائبين جابر وموسى.
الجمورية القويّة ولبنان القوي: لا للعفو العام
ما فرّقته الملفّات السّياسية جَمَعه “العفو العام”، كتلتا الجمورية القويّة ولبنان القويّ تتقاطعان وتتّفقان على رفض العفو جملةً وتفصيلا.
ويؤكد عضو كتلة الجمهورية القويّة النائب جورج عقيص لـ”أحوال” أن الكتلة ما زالت على رفضها للعفو بصيَغته المطروحة. ويشدّد عقيص على أن الكتلة مع تعديل أصول المحاكمات الجزائية وقانون العقوبات ومع إنصاف المساجين ورفع الظّلم عنهم، ولا سيّما الموقوفين الذين لم يُحاكموا، ولكن على مبدأ لا عفو من دون عقاب للمجرمين والمرتكبين. وفيما يؤكد عقيص على ضرورة العمل على تحسين أوضاع السّجون، يشدّد على أن نظرة الكتلة إلى الموضوع موضوعية وقانونية وذات بُعد اجتماعي وانساني، وفي الوقت عينه على قاعدة أن يأخذ كلّ ذي حقّ حقّه.
من ناحيته، يؤكد عضو تكتّل لبنان القوي النائب ألان عون لـ”أحوال” أن التكتّل لا يبحث العفو بشكل مطلق، إنما أي صيغة محصورة ومحدّدة تُوازِن بين مسؤولية الدّولة عن تخفيف الاكتظاظ في السجون وعن تأخير المحاكمات وبين المحافظة على العدالة، فهي قابلة للبحث.
كتلة المستقبل: العفو طريق لوقف الظّلم
كتلة المستقبل، التي كانت تقدّمت سابقاً بإقتراح قانون للعفو العام عبر النائب بهية الحريري لكنه كان محطّ خلافٍ أيضاً ولم يتمّ التّوصل لإتفاق عليه فأُجهض في الهيئة العامّة مع باقي الاقتراحات، ترى فيه طريقاً لوقف الظّلم الّلاحق بعدد من السّجناء نتيجة اتّهامات ظالمة وُجّهت إليهم وجرى على خلفيتها توقيف بعضهم من دون محاكمات، بحسب ما يؤكد عضو الكتلة النائب محمد الحجّار لـ”أحوال”.
ويشير الحجّار إلى أن بعض الموقوفين أُخذوا “بجريرة” آخرين مُلطخة أيديهم بدماء شهداء الجيش اللبناني. وهنا يشدّد الحجّار على اقتراح القانون الذي سبق وكانت تقدّمت به الكتلة والذي يلحظ هؤلاء الموقوفين. لكّنه يرى أن الصّيغ المطروحة سيتم تجاوزها على الأرجح في الجلسة ولن يمرّ العفو هذه المرّة أيضاً بالاعتماد على إسقاط صفة العجلة عنها.
منال إبراهيم