ميديا وفنون

التطبيع في الدراما المصرية: مشيئة الشعوب تغلب قرارات الحكّام

تُعتبر الدراما أداة أساسية يستخدمها الإعلام في كيّ الوعي وقولبة الرأي العام حول القضايا الشائكة، فالدراما المصرية، مثلًا، لاعب أساسيّ في تشكيل الوعي الجماعي المصري والعربي منذ ستينيات القرن الماضي، إذ تؤرّخ هذه الفترة التغييرات التي شهدها المجتمع العربي خلال العقود الماضية وخاصّةً في الصراع العربي الإسرائيلي.

فبعد أن شهدت مصر معاهدة السلام مع “اسرائيل” في آذار 1979، إلتزمت الدراما، وهي مرآة المجتمع، قرار الشعب الرافض للسلام.  لذلك وبالرغم من اتفاقية السلام ما بين مصر والكيان الغاصب شهدت الأعمال المصرية السينمائية خاصةً في بادئ الأمر خطًا واضحًا ومباشرًا في معاداة “اسرائيل”.

وفي هذا الإطار يقول المخرج أسعد فولادكار لـ”أحوال” إنّ “الأعمال المصرية التي تحاكي قضية الصراع العربي الإسرائيلي تعدّدت، وان اختلفت الحبكات ودور الإسرائيلي فيها ولكن دائمًا صُوِّرت لنا إسرائيل على أنّها دخيلة وسيّئة ولا خير ينتج عنها”.

 

“صعيدي في الجامعة الأمريكية”: فليعلم الجميع أنّنا ما زلنا مصريين، وأحياء وسنقاوم

عام 1998 أُنتِجَ الفيلم الكوميدي للنجم محمد هنيدي “صعيدي في الجامعة الأمريكية”؛ حيث تكمن الحبكة الدرامية بقصة طالب متفوّق من الصعيد يذهب إلى القاهرة ليكمل تعليمه في الجامعة الأمريكية، لنشهد الفرق المجتمعي ما بين ثقافة الريف وثقافة المدينة. خلال الدراما الكوميدية، وتوازيًا للعقدة الأساسية، يطرح الفيلم خطًا دراميًا ثانويًا وهو الصراع ما بين الثقافة الأمريكية-الإسرائيلية التي يطرحها أحد المحاضرين في الجامعة من جهة والاندفاع الوطني للطلاب وبخاصة أحمد وهو طالب مجتهد ومثقف ومتابع لأخبار احتلال فلسطين من جهة أخرى، لينفجر الوضع في نهاية الفيلم مع مظاهرة عنوانها “الذكرى الخمسين لاحتلال فلسطين” في حرم الجامعة.

” خمسون عام على سرقة الأرض وتهويد القدس الشريف، وأميركا تقف وراء ذلك كلّه وتحميه وتفتح صدورنا نحن العرب لأسلحتها الفتّاكة تجرّبها فينا وتغض النظر عن تصرفات “إسرائيل”… فليعلم الجميع أنّنا ما زلنا مصريين، وأحياء وسنقاوم فإنّ حقنا في المقاومة والأمل لا يموت” على وطء هذه العبارة تقوم إدارة الجامعة بمحاولة لقمع التظاهرة السلمية في حرم الجامعة ويقوم خلف أي محمد هنيدي بإحراق العلم الإسرائيلي في الجامعة، للتأكيد على موقف الطلبة المصريين غير الراضخين للتطبيع ولسياسة الجامعة وفرضها التطبيع على الطلاب.

 

“همّام في امستردام”: ينجح همّام بفضل مساعدة الأصدقاء العرب بهزم يودا الإسرائيلي

استمرّ النجم القدير محمد هنيدي في النهج نفسه، فقام عام 1999 ببطولة فيلم “همّام في امستردام”، وهو أيضًا فيلم كوميدي ذو رسالة واضحة وهادفة تحاكي العاطفة المباشرة لدى المشاهد.

همّام الشاب المصري يذهب لهولندا عند خاله ليعمل ويبني مستقبله. يعمل في أوتيل بعد مساعدة ادريانو، شاب مصري قبطي. تكمن الحبكة الدرامية ببداية الصراع بينه وبين “زميله في العمل ” يودا. في أوّل حوار فعلي لهمّام ويودا يقول له إنّه زار “الهرم بتعنا” ليستغرب همّام ويرد عليه قائلًا “الاهرام للمصريين مش لأي حدّ تاني”، إلّا أنّه لم لا يأخذ الموضوع على محمل الجد لأنّه حينئذٍ كان  يجهل أنّ يودا صهيونيٌّ.

يبدأ الصراع الحقيقي حين تقول “رقيّة” زميلتهم في العمل إنّ يودا يهودي-اسرائيلي لتتغيّر معالم وجه محمد هنيدي. تدور حبكة الفيلم على هذا الصراع، فيودا يريد طرد همّام من العمل ومن البلد، في مَشاهِدٍ تحاكي الواقع من حيث رفض الشعب العربي لأي مفهوم صداقة أو زمالة مع الصهاينة ومن حيث غطرسة الإسرائيلي وبراعته في كيد المكائد. في نهاية الفيلم الذي يوجّه رسالة عاطفية مباشرة عبر إقحام أغنية “الحلم العربي” في غير مشهدٍ، ينجح همّام بفضل مساعدة الأصدقاء العرب بهزم يودا والحصول على المطعم الذي لطالما أراد.

 

“السفارة في العمارة” يوجه صفعة على وجنة المطّبعين

وفي سياق رفض السلام، وإمعانًا في تأكيد العداوة مع كيان الإحتلال رغم أنف المعاهدة، جاء فيلم “الزعيم” عادل إمام عام 2005 “السفارة في العمارة”. الفيلم الكوميدي الذي يروي قصّة شريف. مهندس بترول الذي يُطرد من عمله في الإمارات ليعود إلى بلده مصر بعد 25 عامًا، تاركًا خلفه ابن صديقه المراهق، إياد الصغير، الفلسطيني الذي يتوق للعودة لبلاده. وفي الفيلم تظهر العلاقة العاطفية ما بين شريف المصري وإياد الفلسطيني.

يصل شريف إلى مصر ليدرك أنّ السفارة الإسرائيلية تقبع تمامًا في المنزل المقابل لمنزله، ويبدأ بعدها رحلة الصراع في تقبّل واقع السفارة الاسرائيلية في عقر داره.

تتدخّل جهات حكومية لمساعدة شريف على التأقلم مع واقعه الجديد تزامنًا مع احتجاجات شعبية رافضة للتطبيع في انعكاس لحقيقة ما يُعرف باتفاقيات السلام التي يُبرمها الحكّام “القادة” ويلفظها الشعب.

في الفيلم مشهدٌ يستحق الوقوف عنده وهو يرقى إلى مستوى “الصفعة” على وجنة المطّبعين، حين يأتي شريف بفتاة هوى إلى مسكنه، إلّا أنّ الأخيرة وبعد اكتشافها أنّ الرجل يسكن بجوار السفارة الإسرائيلية رفضت أن تأخد منه المال باعتباره “مال حرام” مُقدّم من عميل لإسرائيل لمجرّد موافقته السكن بجانب سفارة العدو. المشهد يعتبر رسالة عنيفة مفادها أنّ حتى تلك التي تبيع جسدها أشرف من قادة التطبيع.

بعد تحريض حزبي وشعبي يرفع شريف دعوى قضائية تطالب بإخلاء السفارة من العمارة، ليكون الرد على مستوى عالٍ من الانحطاط والدناءة بما يشبه الممارسات الإسرائيلية، إذ يُوْقِع الإسرائيلي بشريف في فخّ الإبتزاز الجنسي بعد أن أرسل له فتاة هوى لتصوّره في وضع حميميّ، وتهديه بفضحه إن لم يتراجه عن الدعوى.

يستجيب شريف خيري للضغط ويرضخ لمبتزيه ليتحوّل إلى “خائن وعميل”، بنظر الشارع نفسه الذي هلّل له عند رفعه الدعوى، في مشهد يحاكي سيكولوجيا الجماهير.

يسقط شريف القضية خوفًا من الفضيحة الاخلاقية ولكن لا يكتفي الاسرائيلي بهذا القدر، بل يقوم بابتزازه مرّة جديدة مقابل فتح منزله أمام الضيوف الصهاينة في الحفل الاسرائيلي في محاكاة للواقع الذي حصل في فلسطين عبر احتلالها تدريجيًا من خلال المعاهدات والابتزازات.

وبينما تضج من حوله الصالة باليهود ومناصري اسرائيل؛ يخرج شريف من منزله ويترك الاسرائليين فيه، قبيل تلقيه خبر استشهاد إياد، صديقه الطفل الفلسطيني، فيعود إلى منزله على وجه السرعة  ليطرد جميع محتليه.

تكثر الأعمال الدرامية المصرية الموجّهة والمؤدلجة، والتي تعكس حقيقة رفض الشعب العربي وخاصة المصري، لأيّ اتفاقيات سلام وتطبيع، فالدراما المصرية واضحة في عدائها لإسرائيل مهما اختلفت الحبكات والأقاصيص وتتطوّر الفعل الدرامي من المباشر العاطفي إلى اللّامباشر المحاكي للوعي والذاكرة الاجتماعية.

 

ربى حداد

ربى حداد

ناشطة اجتماعية وسياسية وصحافية لبنانية . خريجة معهد الفنون في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى