بلغة دبلوماسية مشفّرة، مرّر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان رسالة بالغة الأهمية تتمحور حول وجود مؤشرات إلى نوايا لدى البعض لافتعال إشكالات بين قوات الطوارئ الدولية وأهالي الجنوب، تستهدف إنهاء مهمة «اليونيفل».
واستعرض الموفد الفرنسي في لقائه أمس مع رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في حارة حريك، بحضور سفير فرنسا في لبنان هيرفيه ماغرو ومسؤول العلاقات العربيّة والدوليّة في حزب الله عمار الموسوي، الأوضاع السّياسيّة والاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة وخروقات العدو لاتفاق وقف إطلاق النار.
وكشفت مصادر مطّلعة أن الاجتماع مع حزب الله تناول 3 نقاط أساسية:
الأولى، تتعلق بملف الإصلاحات التي شدّد عليها لودريان في كل لقاءاته، معتبراً أنها «مدخل أساسي للاستقرار، ولعودة لبنان إلى المجتمع الدولي»، مشدّداً على «ضرورة إعطاء هذا الملف أهمية قصوى».
فيما أكّد رعد «اهتمامنا ومشاركتنا وانخراطنا في ورشة العمل الحكومية وفي مجلس النواب»، مشيراً إلى أن «على الحكومة أن تنجز مشاريع القوانين وترسلها إلى مجلس النواب كي يقرّها».
الموفد الفرنسي لا يتحدّث عن سلاح المقاومة، ويسأل السياسيين عن مصير قانونَي الفجوة المالية وهيكلة المصارف
النقطة الثانية التي حظيت بحيّز واسع من النقاش، تمثّلت في ملف قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل)، حيث أبدى لودريان اهتماماً لافتاً بهذا الموضوع، وخصّه بتركيز أكبر مقارنة بلقاءاته الأخرى مع المسؤولين اللبنانيين.
ومن دون تسمية أطراف بعينها، أشار الموفد الفرنسي إلى وجود جهات خارجية تعمل وتضغط باتجاه عدم التجديد لمهمة القوات الدولية أو الدفع نحو تعديل قواعد عملها، محذّراً من محاولات افتعال توتّرات ميدانية يُراد توظيفها كذرائع لبلوغ هذا الهدف.
في المقابل، أكّد رعد بوضوح أن «حزب الله لا يرى أي مشكلة في موضوع التجديد لقوات اليونيفل، بل العكس تماماً»، مشدّداً على أن «موقف الحزب من هذه المسألة ثابت وواضح، ولا تردّد فيه».
أما النقطة الثالثة، فتركّزت حول الخروقات الإسرائيلية المتواصلة والاعتداءات اليومية على الجنوب، حيث شدّد رعد على خطورة هذا المسار التصعيدي، لافتاً انتباه الموفد الفرنسي إلى «أهمية تنشيط الدور الفرنسي في هذا السياق، نظراً إلى أن باريس تُعد من الجهات الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، ولها مصلحة مباشرة في استقراره واستمراره».
وأشار إلى أن «لبنان، منذ توقيع الاتفاق، لم يبادر إلى أي خرق، في مقابل انتهاكات إسرائيلية مستمرة ومتعمّدة»، مشدّداً على أن «المجتمع الدولي، ولا سيما فرنسا، معنيّ بممارسة الضغط على إسرائيل لضمان التزامها بما تمّ الاتفاق عليه، خصوصاً في ظل الغطاء الكامل الذي توفّره الإدارة الأميركية لتلك الانتهاكات».
وفي سياق الحديث، وجّه لودريان سؤالاً مباشراً حول طبيعة العلاقة بين حزب الله ورئيس الجمهورية جوزيف عون، فأكّد رعد أن «العلاقة قائمة على إيجابية واضحة، وأن هناك تنسيقاً وتعاوناً مستمرّيْن في مختلف الملفات معه».
واختتم لودريان زيارته بلقاء مع قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب، بعدما زار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي أشار إلى أنه «جرى النقاش في الوضع اللبناني خصوصاً بعد مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة وكل الملفات التي تواجه لبنان، وأهمها الملفات الأمنية التي لها علاقة بالتعديات التي لا تزال تحصل على سيادة الدولة وعلى (اليونيفل)، إضافة إلى القصف الإسرائيلي على لبنان».
وقالت مصادر مطّلعة إن «لودريان تحدّث عن توجّه فرنسي لتنظيم مؤتمر للمانحين لتمويل إعادة إعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، في باريس في أيلول المقبل»، وركّز على «ضرورة إصدار قانون إعادة هيكلة المصارف وعدم ربطه بقانون الفجوة المالية الذي لم يُحل إلى الحكومة بعد».
وإذ أكّدت المصادر أن «لودريان ركّز في كل اجتماعاته على موضوع الإصلاحات ولم يذكر موضوع نزع السلاح»، إلا أن «باريس تولي أهمية كبيرة لملف اليونيفل، وتعتبر أن إنهاء مهامها يُفقِد فرنسا دورها الإقليمي انطلاقاً من لبنان».
وقالت مصادر قريبة من الفرنسيين إن «باريس تعتبر أن واشنطن تستهدف دورها في الشرق الأوسط، كما فعلت في الساحل الأفريقي وفي دول عدة في المنطقة»، وأن القيادة الفرنسية تتمسّك بهذا الحضور، خصوصاً بعدَ فشل كل مبادراتها في لبنان، منذ انفجار مرفأ بيروت وصولاً إلى مبادرتها الرئاسية وخسارتها لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان حريصاً على حفظ المصالح الفرنسية في لبنان»، وعليه فإنها «تركّز جهدها للحفاظ على اليونيفل التي تضم حوالي 1800 جندي فرنسي، فضلاً عن أن رئاسة الأركان هي من حصة فرنسا».
وفي سياق الاتصالات بشأن وضع قوات الطوارئ الدولية والإشكالات التي تحصل مع جنودها في أكثر من منطقة جنوبية، أفادت مصادر أمنية بأن قيادة القوات في الناقورة طلبت من الجيش اللبناني المساعدة في وقف تعرّض قواتها لـ«تحرّشات من قبل مجموعات أهلية مناصرة لحزب الله».
ومع أن الجيش أكّد عدم قبوله بكل ما يحصل، إلا أن مصدراً رسمياً تحدّث عن إبلاغ القوات الدولية، بأن المحافظة على التنسيق المُسبق مع قيادة الجيش تسمح بتجنّب كل هذه الإشكالات، خصوصاً أن هذا التنسيق لا يعطّل عمل القوات الدولية، إذ إن الجيش غالباً ما يرافقها إلى أي نقطة تريدها في مناطق عملها جنوب نهر الليطاني.
وفي السياق أكّد النائب في كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض ضرورةَ «المعالجة الهادئة والحكيمة والمسؤولة لأي احتكاك أو توتّر بين أهالي الجنوب وجنود اليونيفل الذين يدخلون القرى والبلدات والأملاك الخاصة من دون تنسيق أو حضور الجيش اللبناني، في وقت لا يلمس الأهالي أثراً لدور اليونيفل في معالجة استمرار احتلال العدو الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، والقيام بعمليات توغّل والإمعان في الاغتيالات والأعمال العدائية في منطقة عمليات القوات الدولية وفقاً للقرار 1701».
وأضاف: «نتطلع إلى علاقةٍ إيجابيةٍ بين الأهالي والقوات الدولية، حيث يُفترض أن تكون العلاقة مبنية على الثقة والاطمئنان والأمان لا على الشك والارتياب والشعور بالانحياز».