منوعات

الحصاد الجيوسياسي للعام 2020

تأثّر لبنان بغالبية المحطات الإقليمية والدولية في العام ٢٠٢٠، سواء شكّلت تلك المحطات متغيّرات أساسية أم لم تشكّل. ويعود السبب لكون لبنان دولة صغيرة، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمحيطها الإقليمي والعربي من جهة، ومتواجدة على خط التسويات الدولية من جهة ثانية.

نتائج الحرب على سوريا

من أبرز المحطات إقليميًّا، هي نتائج الحرب على سوريا والعراق ولبنان ضمنًا. تلك النتائج انعكست إيجابًا على لبنان لسببين؛ الأوّل عدم حصول تغيير في الخارطة السياسية في المنطقة بعد فشل مشروع دولة داعش المدعومة من أطراف إقليمية ودولية معروفة، والثاني والذي سنشهده على ما يبدو قريبًا، هو خروج قوات الولايات المتحدة من سوريا والعراق، ما دفع بواشنطن نحو إيجاد أساليب جديدة لمواجهة طهران التي تسعى إلى إخراج الولايات المتحدة نهائيًّا من المنطقة حسب ما أعلنت.

عن هذا الإنسحاب إن حصل، يقول المحلّل السياسي هشام صفا لموقع “أحوال”، بأنّه سيخفف من وطأة التدخل الأميركي في السياسة الداخلية للبنان، كما سيفسح بالمجال لأطراف أخرى بالتدخل، مشيرًا إلى الطرف التركي والأوروبي وغيرهم… الأمر الذي يعتبره إيجابيًّا لكونه في الحدّ الأدنى سيخرجنا من الأحّادية القطبية التي أنهكت لبنان ومنعته من ميزة الإستثمار في التنافس الخارجي.

المقاربة الأميركية – السعودية

في العام ٢٠٢٠، برزت المقاربة الأميركية – السعودية المتشدّدة تجاه لبنان، والتي ساهمت في تعقيد المسارات السياسية الداخليّة وزادت من حدّة الأزمة. دمج الأميركيون لبنان، ضمن “حملة الضغوط القصوى” المفروضة على إيران. وسعت واشنطن إلى دفع حزب الله نحو الزاوية، في محاولة لعزله وتجريده من آثار فوزه وحلفائه في الإنتخابات النيابية الأخيرة. بدورها واصلت المملكة العربية السعودية الإنكفاء التام عن أي دور إيجابي في لبنان، فعزّزت بذلك مسار الإنهيار، الذي ستدفع ثمنه الأغلبية النيابية وفي مقدمّتهم حزب الله.

من هذا المنظور، وفي حديث لموقع “أحوال” يرى المحلّل الجيوسياسي حسام مطر، بأنّ الوقائع الجيوسياسية في المنطقة، قد عمّقت الأزمة اللبنانية وضاعفت نتائج سياسات المنظومة الحاكمة الكارثية.

عوامل خارجية أدّت إلى إنهيار لبنان

إنّ تأزّم الأوضاع على الساحة اللبنانية، مردّه لسببين أساسيين؛ الأوّل هو وضعية لبنان الذي يُعتبر ساحة مفتوحة أمام الشرق والغرب، أمّا السبب الثاني فهو الموقع الجيوسياسي للبنان والذي يشكّل بوّابة التجارة، قديمًا وحديثًا، بين الشرق والغرب. وعندما نتحدّث عن الممرّات التجارية، نستحضر مباشرة الصراع الذي يُمكن أن يصل إلى حدود النزاع المسلّح في كثير من الأحيان.

نستنتج في قراءة سريعة لخارطة النفوذ، بأنّ الروسي الذي تخطّى مشكلته التاريخية الجيوسياسية، والتي أبقته بعيدًا عن المياه الدّافئة، قد استطاع بترتيب معيّن مع التركي الوصول إلى حوض المتوسط وإنشاء قاعدة بحرية في طرطوس السورية. أمّا التركي، فقد أدّى الصراع بينه وبين الأوروبيين حول قبرص اليونانية، إلى خلق توازن ما بينهما، ما سيكون له مفاعيل إيجابية على المدى البعيد. في حين لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية الإعتماد على الكيان الإسرائيلي الغاصب لجعله معبرًا تجاريًّا لها؛ لذلك يبقى لبنان الوحيد المتنافس عليه بين كافة الأطراف.

وفي سياق التنافس الدولي الواسع حول النفوذ في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، لكونه يمثّل شريانًا أساسيًّا وحيويًّا باتّجاه أوروبا الاستهلاكية والصناعية، ، يرجّح المحلّل هشام صفا، بأن يكون إنفجار مرفأ بيروت قد افتُعل لقطع الطريق على الصينيين، الذين أبدوا رغبة للتحرّك في اطار دعم لبنان واخراجه من أزمته الاقتصادية، ومن أجل منعهم من لعب دور مهم على الساحة اللبنانية.

الدور الفرنسي

بعد استئثار روسيا بسوريا وأميركا بإسرائيل، يبقى لبنان موطئ قدم لأوروبا على الحوض الشرقي للبحر المتوسط. وهذا ما يبرّر الإندفاع الفرنسي باتّجاه مساعدة لبنان؛ فقد دخلت فرنسا على خط التسويات اللبنانية بالاتّفاق مع الأميركيين، ولكن لم يكن هذا الإتفاق مكتملًا، وتبيّن بأنّ الفرنسيين يفتقدون لرؤية واضحة للحلّ اللبناني وكذلك للأدوات وللموارد وللرافعة الدولية.

المطالبة بالإصلاح مقابل الدعم المالي

إنّ الإنهيار الاقتصادي والنقدي القائم جعل لبنان مكشوفاً بشكل أكبر للمصالح الخارجية، ما يعني أنّ البلد سيشهد تقويضًا إضافيًا لاستقلاله وسيادته. وبعكس العام ٢٠٠٤، حين انطلق التدخل الخارجي من عنوان سيادي، انطلق هذه المرّة من عنوان إصلاحي.

يرى المحلّل حسام مطر، أنّه وبعد إنفجار ٤ آب، قد انتقل الأميركيون من الحديث عن فعالية العقوبات على حزب الله إلى استخدام ورقة “المطالبة بالإصلاح” مقابل الدعم المالي. والمطالب الإصلاحية الأميركية، تدرج من مطالب مشروعة، إلى مطالب إصلاحية مرتبطة ببرامج صندوق النقد، وصولاً إلى مطالب تتضمن قضايا سيادية؛ مثل الإنتخابات المبكرة، وحكومة بأجندة أميركية تحت مسمّى “التكنوقراط المستقلين”، وترسيم الحدود مع فلسطين المحتلّة، وضبط الحدود مع سوريا، وسيطرة شركات خاصة على المرافىء العامة والمطار. من هنا، تكون الأجندة الإصلاحية الأميركية، إمّا مقدّمة لمزيد من النفوذ الأميركي، وإمّا لوضع حزب الله في موقع المتّهم بتعطيل الإصلاح.

المسار الأميركي الثنائي

وجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخارجيون، في تطورات العام ٢٠٢٠ اللبنانية، فرصة مؤاتية للإمساك بالتوازنات اللبنانية، والتي اختلّت في الأعوام الأخيرة لصالح حزب الله وحلفائه.

يتحدّث المحلّل حسام مطر عن السعي الأميركي في العام ٢٠٢٠، تحضيرًا للإنتخابات النيابية ٢٠٢٢، لسلب الأغلبية من حزب الله وحلفائه ومن ثمّ الإتيان برئيس جمهورية ورئيس حكومة تحت السقف الأميركي. هذا ما يفسّر المسار الأميركي الثنائي، القائم على العمل مع الأحزاب التقليدية الموالية لكن مع ترشيقها وتجديد بعضها من ناحية، ومن ناحية ثانية الإستثمار في مساحة الفراغ الشعبي والسياسي المستجد في أغلب الطوائف، من خلال دعم جزء من المجتمع المدني ونخب جديدة غير ملوّثة بالفساد ذات نزعة ليبرالية تحاكي غضب الناس. وهذا الإستثمار في المسار الثنائي، يراد تسييله في الإنتخابات النيابية المقبلة؛ ولا سيما داخل الطائفة المسيحية، بما يمنح حلفاء أميركا الأغلبية البرلمانية، ثمّ الزعم بأنّ مشروعيّة المقاومة قد ترهّلت شعبياً وسياسياً، وبالتالي يكون الأمر كرافعة لسرديّة أنّ حزب الله مجرّد ميليشيا مسلّحة.

 

ناريمان شلالا

 

 

 

ناريمان شلالا

صحافية وإعلامية لبنانية، عملت في إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية عديدة، محاورة وكاتبة في المجال السياسي والاقتصادي والإجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى