منوعات

الابتزاز الإلكتروني يسجّل أرقامًا خيالية… كيف تتصرف لو وقعت ضحية؟

لم تكن مي لتتوقع أنّ الصورة التي أرسلتها في لحظة حميمية للشاب الذي تُحب عبر تطبيق الواتساب، ستقلب حياتها رأسًا على عقب وتحوّل عيشها إلى جحيم، لينتهي بها الأمر بمحاولة وضع حدّ للمأساة عبر محاولة انتحار باءت بالفشل.

عاشت مي، البالغة 22 عامًا وهي من عائلة ميسورة، أربع سنوات من القلق والاضطراب، قام خلالها حبيبها السابق بممارسة أبشع الضغوط عليها وتغريمها فِدًى مختلفة، بالمال والخدمات، مقابل عدم نشر صورتها، ما اضطرها إلى التوقف عن الذهاب إلى الجامعة والمكوث في المنزل لفترة طويلة وتعليق مزاولة حياتها.

كل ما حصل لها كان بسبب صورة! صورة وقعت بين يدي “خبيث” فكلّفتها أموالًا حينًا وخدمات جنسية أحيانا، وكادت تكبدها حياتها، عبر تجرّع حفنة من الدواء الخافض للضغط.

مي ليست حالة يتيمة، بل يعيش مئات غيرها، نساء ورجالًا، ومن أعمار مختلفة، الظروفَ التي مرّت بها، فالابتزاز الإلكتروني كما يصفه مصدر في قوى الأمن الداخلي “جريمة العصر”.

تعيش الضحية تحت الضغط والخوف، في ظل الضياع الذي يطبق عليها، ماذا تفعل؟ لمن تلجا؟ هل تخضع وإلى متى؟؛ هذه الحال كثيراً ما تؤدي إلى الانتحار بسبب خوف الضحايا من اللّجوء للتبليغ عن المبتز للجهات المختصة أو بسبب جهلهم لكيفية التعامل مع الأمر.

 

الكورونا رفعت معدّل الابتزاز بنسبة 104.25%

وقد أظهرت الإحصاءات ارتفاعاً كبيراً وخطيراً في الشّهرين المنصرمين من العام الحالي، في عدد شكاوى الابتزاز الجنسي الواردة –حصراً- عبر وسائل التواصل الاجتماعي العائدة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة، وعبر خدمة “بلّغ” على موقعها الإلكتروني.

فبلغت الشكاوى 47 شكوى خلال شهر تموز و96 خلال شهر آب، مسجّلةً بذلك زيادةً بنسبة 104.25%.

وقد بَلَغَ عدد الموقوفين في هذه الجرائم من مطلع العام الحالي وحتّى تاريخه 133 موقوفاً.

إلى ذلك، بيّنت سجلّات قوى الأمن الداخلي خلال النصف الأوّل من العام حصول ارتفاع كبير في الجرائم الالكترونية، لا سيما عمليات الابتزاز الجنسي.

وربطت الأجهزة الأمنية ذلك بشكل مباشر بفيروس كورونا الذي فرض حجراً صحياً وتعبئة عامة تخللها حظر تجوال على اللّبنانيين، ما قد بفسّر ارتفاع وقوع ضحايا مع ارتفاع التواصل الالكتروني في هذه الفترة.

وكشف مصدر في قوى الأمن الداخلي أنّ معظم ضحايا الابتزاز الجنسي من الفتيات الصغيرات اللّواتي وقعن ضحيّة أشخاص تواصلوا معهنّ واستدرجوهن لإرسال صور خاصة قبل أن يبتزوهم بغية ممارسة الجنس معهن أو دفع مبالغ مالية.

ولفت المصدر الأمني إلى أنّ عدداً من الضحايا حاول الانتحار جرّاء عملية الابتزاز التي كان يتعرّض لها.

وحذرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المواطنين من الوقوع في شباك المبتزين، طالبة منهم عدم التقاط صور وفيديوات غير لائقة.

وشدّدت في بلاغ لها على “عدم أخذ صورٍ فوتوغرافية أو تصوير أنفسهم عبر الفيديو بشكلٍ غير لائق تحت أي ظرفٍ من الظروف، أو قبول دعوة أشخاص أو حساباتٍ مجهولة، كي لا يقعوا ضحيةً ويتم استغلالهم من قِبَل الآخرين”.

وأضاف البلاغ: تطلب المديرية عدم الخضوع لطلبات المبتزّين، والإبلاغ فوراً عن هذه الحالات عبر صفحتها على تطبيق “فيسبوك” (lebsif)، أو من خلال خدمة (بلّغ) على موقعها الإلكتروني (http://isf.gov.lb/en/report) أو تقديم شكوى لدى النّيابة العامة الاستئنافيّة المختصّة. أو لتقديم المساعدة، الاتصال بمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية على الرقم: 293293/01

 

“ما يبتزك نحن حدّك” تنقذ أكثر من 300 ضحية 

المتابعة الأمنية تترافق مع تحركات يقودها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت حملة “#ما_يبتزك_نحن_حدك” التي أطلقتها الصحافية والناشطة لطيفة الحسنية منذ عام لدعم ضحايا الابتزاز وتوعيتهم على كيفية التصرف والوقوف إلى جانبهم إلى حين حلّ المسألة.

بدأت الحملة في حزيران 2019، بعد انتحار طفلة عمرها 13 عامًا نتيجة تعرضها للابتزاز بفعل صديق كانت قد أرسلت له صورها، قصّة هذه الطفلة كانت المحرّض الرئيس لإطلاق حملة مكافحة الابتزاز الإلكتروني.

الحسنية تتلقى الشكاوى عبر صفحاتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر الاتصال مباشرة عبر رقم 03502721، ليتمّ التعاطي مع كل حالة حسب حيثياتها.

“خلال عام نجحنا في إيجاد حلول لأكثر من 300 حالة، نتابع  كلّ القضايا التي تصلنا لكلّ الأعمار ومن كلا الجنسين، و يتم التعامل بسرية تامة ” تقول الحسنية.

وتضيف: “ممكن أن نتحدث عن تفاصيل الواقعة بعد الانتهاء من حلّها، من منطلق التوعية والارشاد والحث على الابلاغ، طبعا بعد موافقة صاحب العلاقة، ومن دون الكشف عن الاسم”.

وإذ تحذّر من التعامل بـ “خوشبوشية” مع أشخاص لا نعرفهم بالشخصي وإرسال لهم صورًا في أوضاع مخلّة، تستدرك أنّ الحيطة لا تقتصر على الغرباء فقط، فالابتزاز غالباً ما يحصل بين الأصدقاء ومع من تجمعهم بك علاقات وطيدة، حتى أن بعض الشكاوى التي بلغتنا كان الابتزاز ضمن إطار العائلة”.

وتردف: يحصل أن تحتفظ بصور حميمية على هاتفك الخاص، وتعطي هاتفك لصديق أو لمحل الصيانة أو ما الى ذلك، وهذا ما حصل فعلًا مع إحدى الضحايا التي عملنا على حلّ معضلتها.

وعن الأعمار الأكثر تعرضًا تلفت الحسنية إلى أنّ الابتزاز لا يخضع لقاعدة، كلّ المراحل العمرية عرضة، ولكن أكثرها تعقيدًا هي سن المراهقة، “في هذه الحال لا أسمح ان تذهب الطفلة الى مكتب جرائم المعلوماتية، بل أبلغ شخصيًا… القوى الأمنية تبدي تعاونًا كبيرًا عندما يتعلق الأمر بالمراهقين”.

 

المبتز مريض نفسي

من الناحية السايكولوجية، يرى الطب النفسي أنّ الابتزاز يحط ثقله على نفسية الضحية أيًا كان عمرها، ويعكس سلبًا على شخصيتها، الأمر الذي يتبلور من خلال بعض السلوكيات كالتوتر البارز والقلق وقلّة النوم والتغيير في الأكل وهروب من الجلسات الاجتماعية وغيرها من الأفعال كأن يتصرف بعدائية إذا أمسك أحدُهم هاتفه، وغالبًا ما يتحوّل إلى مدمن للمسكنات أو حتى للمخدرات وقد يصل إلى شفير الانتحار.

وتشدد أخصائية علم النفس د. سهير هاشم على ضرورة متابعة ضحية الابتزاز الإلكتروني كي لا تصل إلى مرحلة اليأس المطلق والانتحار، “من واجب المحيطين بالضيحة أن يتلقفوا سلوكها ويتصرفوا معها بانفتاح وتفهم لخلق جوّ مؤاتٍ للبوح بما تمرّ به”.

وتضيف د. هاشم: تحميل الضحية المسؤولية وإشعارها بالذنب ليس ذا منفعة في هذه الحال، على عائلة الضحية والمحيطين بها ان يبتعدوا عن التأنيب وتوجيه أصابع الاتهام لها، فهذا لن يجلب إلا مزيدًا من الضغط النفسي الذي سيفاقم المشكلة.

وفي حال وصلت الضحية إلى درجة عالية من الخوف والاكتئاب فمن الضروري التوجه إلى أخصائية نفسية لمتابعة حالتها ومساعدتها لتخطي هذه الأزمة.

في هذا الإطار تقول د. هاشم إنّ العلاج لا يكون فرديًّا بل عائليّ أو جماعيّ، الضحية التي تعرّضت للابتزاز المباشر ليست المتضرر الوحيد بل إنّ العائلة والمحيطين متضررين أيضًا على الصعيد النفسي، خصوصًا في المجتمع الشرقي المحافظ نسبيًا، فهكذا مواضيع تهزّ العائلة أجمعها ما يستوجب علاجًا لكلّ من لحقه الضرر.

 

في المقابل يرى الطب النفسي أن المبتز يعاني بدوره من اضطرابات سلوكية تدفعه للتصرف على هذا النحو، فهو يبحث عن طريقة لملء نقصه بممارسة سطوته على كائن “ضعيف”، يوقع به، يجبره على الخضوع، يمعن بإذلاله، يستلذ بضعفه ورضوخه ما قد يعتبره استعاضة لضعفه وهشاشته الداخلية.

وترى د. هاشم أنّ المبتز هو غالبًا ما يكون ضحية أيضًا، يعاني أزمة نفسية وعدم استقرار عائلي ومن الممكن أن يكون قد تعرض للابتزاز بدوره في وقت سابق، لذا يقوم بممارسة هذا الفعل مع آخرين، يعتقد أنّ بذلك ينتقم لنفسه، وتضيف “هذا لا يمنع من توقيفه ومساءلته والتحقيق معه”.

 

“الحب” أسهل طريقة للاستدراج

بالعودة إلى مَي، فقد عاشت علاقة حب، كما تسميها، لفترة عام ونصف، كسب خلالها شريكُها حبَها وثقتها، ما دفعها للتصرف على سجيّتها وكأنّها “تخاطب ذاتها”. هكذا وجدت نفسها ترسل له صورة حميمية بناء لطلبه، لم يخالجها الشك للحظة، قبل أن تستفيق على الورطة التي وقعت بها.

بعد فترة قصيرة بدأ شريكها يلوّح بنشر الصورة إياها كلّما أثارت حفيظته، اعتقدت بادئ الأمر أن كلامه مزاحًا، ولكن ما لبثت أن أدركت أنّ “الخبيث” الذي أوقع بها يلوي ذراعها بهذه الصوره.

فقد استلذّ بإذلالها لمدّة أربع سنوات، استحصل خلالها على كل ما يريده من خدمات وأموال، كانت تخشى أن تخبر أحدًا من العائلة، خوفًا من العاقبة، ولم تتوجه إلى أي جهة رسمية للتبليغ عنه خشية أن يفتضح أمرها، لم تجد بديلًا عن الإذعان لأوامره إلى أن لاقت طريق النجدة.

حملة ما يبتزك نحنا حدّك، كانت بارقة الأمل لِمَي، والتي تمكنت من خلالها استعادة أمانها واستئناف حياتها، فبعد سنين عاشتها بالخوف والخضوع وبعد محاولة انتحارها، تمكنت من التواصل مع أصحاب الحملة، ليعمل المعنيون على إبلاغ القوى الأمنية والتحرك لتنتهي معاناتها بسجن المبتز.

 

مَي وان كان اسمها وهميًا إلا أنّ قصّتها حقيقية، هي ليست قصّة وحسب بل عبرة… لا تخشى، لا تخضع، بلّغ.

 

نُهاد غنّام

نُهاد غنّام

صحافية تمارس المهنة منذ العام 2007، حائزة على الماستر في الصحافة الاقتصادية من الجامعة اللّبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى