منوعات

ملف الاحتكار: التجار يحتكرون الزراعة  

يُعتبر القطاع الزراعي أهم قطاعٍ في كل دول العالم، لارتباطه مباشرةً بالأمن الغذائي؛ وتنتهج الدول عادةً سياساتٍ اقتصادية تؤدي الى وفرة الإنتاج الزراعي كي تؤمن حاجات استهلاكها المحلي بالدرجة الأولى، بحيث تستطيع تأمين مردودٍ عبر تصدير الفائض منه؛ أمّا في لبنان، فالإهمال سيد الموقف، عدا عن وقوع هذا القطاع بين أيادي المحتكرين.

هذا، ويسيطر 1% فقط من كبار أصحاب الحيازات الزراعية على 25% من السوق، فيما 20% من كبار المزارعين يسيطرون على 73% من السوق، الذي يتخطى حجمه 3 مليار دولار. وتستفحل أسعار المنتوجات الزراعية بشكلٍ جنوني مع تفاقم الأزمة الاقتصادية؛ الأمر الذي يهدّد الأمن الغذائي للبلد، وهنا الطامة الكبرى.

التاجر يحتكر والمزارع يخسر

اعتبر رئيس المركز الاقتصادي والاجتماعي للدراسات د. أحمد جابر أنَّ المشكلة ليست عند المزارع بل هي عند التاجر، حيث أنّ مسار المنتوجات الزراعية ينتقل من المزارع إلى تاجر الجملة ثم إلى تاجر التجزئة؛ وهنا يستغل التاجر غياب رقابة الدولة، حيث يشتري الكميات من المزارع بأبخس الأسعار، يضيف عليها ربحه، الذي يكون عادةً أرقاماً مضخمة جداً، ويبيعها لتاجر التجزئة الذي يضيف أيضاً ربحه عليها مع كلفة النقل، فتصل إلى المستهلك بأسعارٍغالية  أصبحت تشكل عبئاً عليه وتهدّد أمنه الغذائي.

من جهةٍ أخرى، رأى رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي أنَّ غلاء الأسعار اليوم في السوق سببه النقص في العرض، وذلك مرده إلى كلفة الإنتاج العالية عند المزارعين، الذين أصبحوا يفضلون  ترك الزراعة والبحث عن مهنٍ أخرى بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدوها، حيث أنَّ أغلب المستلزمات الزراعية من بذورٍ وأسمدة وأدوية زراعية  تحتاج إلى دولار، الذي لا يتوفر لهم إلا بسعر صرف السوق السوداء.

إيجابية وسلبية التصدير

أكد جابر أنَّ التجار(المحتكرين) وجدوا في الفوضى الاقتصادية فرصةً لمراكمة أرباحهم، حيث أنّهم يجمعون المنتوجات من السوق ويخزنوها ليصدروها إلى الخارج، الأمر الذي يدر عليهم أرباحاً طائلة بالدولار. وأضاف جابر أنَّ البعض الآخر وجدها فرصة لنقل أمواله بطريقةٍ غير مباشرة، حيث يشتري المنتوجات بالليرة اللبنانية، ويصدّرها إلى الخارج بالدولار، ويبقي أمواله في حساباتٍ مصرفية في الخارج، الأمر الذي ينعكس سلباً على المستهلك ورفع الأسعار.

بالمقابل، رأى ترشيشي أنّه من الخطأ وضع اللوم على التصدير بارتفاع الأسعار، حيث أنَّ أغلب الخضراوات لا يتم تصديرها، وسعرها غالٍ بسبب كلفة الإنتاج. أمّا ما يُصدّر فهو فائضً يجب أن يتم تصريفه أو يذهب للتلف، ما يسبب خسارة على المزارع. وأكدّ ترشيشي أنَّ العديد من المزروعات تفيض عن حاجة السوق المحلي مثل الحمضيات والبطاطا مثلاً، حيث ينتج لبنان ما يقارب ال 100 الف طن من الحمضيات، ويستهلك السوق المحلي ما بين 20 إلى 30 ألفاً منها، أما البطاطا فيقارب إنتاجها ال 350 ألف طن، ويستهلك السوق المحلي ما يقارب ال 200 ألف منها، وهذا الفائض يجب أن يصدّر كونه قد يعدل ميزان الكلفة عند المزارع. وأضاف ترشيشي أنّه لا بد من التصدير، وإلا قد تُستبدل الدول المنتوجات اللبنانية بمنتوجات دولٍ أخرى، مما يخسّر لبنان أسواق الدول المستوردة التي تدر إليه عائدات بالعملة الصعبة.

 الدولة تضع المستهلك تحت رحمة المحتكرين

هاجم ترشيشي سياسة الدعم التي تعتمدها الدولة اليوم، ووصفها بالمهزلة، معتبراً أنَّ المستفيدين منها هم مافيات وشبيحة، حيث أنها تدعم التجار الذين لا يرحمون لا البلد ولا المواطن، فهم عندما يستوردون أي كمية عبر آلية الدعم، يعلنون عن نفاذها وبيعها عبر فواتير مفبركة وسنداتٍ مختلقة، بينما هم يخزنوها ويبيعوها بأغلى الأسعار في السوق السوداء. وأكد ترشيشي أنَّ أجدد موضة بالفساد في لبنان هي استغلال آلية الدعم الذي يكلف الدولة 600 مليون دولار شهرياً، وبنفس الوقت هي تقتل الإنتاج المحلي بسبب عدم قدرته على منافسة المواد المستوردة المدعومة.

الدولة تدعم التاجر والمزارع يعاني

يتم تحصين الأمن الغذائي يشكلٍ عام ومن المحتكرين بشكلٍ خاص عبر سياسات بنوية للقطاع الزراعي تقوم بها الدولة. ووفق جابر، يجب على الدولة أن تدعم المزارع مباشرةً أو أن تقوم هي بشراء محاصيله، أو تضمن له تعويضاً عن الخسائر التي قد يتكبدها، أو إعداد سلة دعم للمستلزمات الزراعية، ولكن قبل كل ذلك يجب أن تحميه من المنافسة الأحنبية، إن كان عبر رفع الرسوم الجمركية، أو تحديد الكميات المسموح باستيرادها، أو عبر وضع مواصفات تعجيزية للمواد المستوردة. وشدّد جابر على أهمية القطاع الزراعي، الذي رغم إهماله من الدولة يشكل 7% من الناتج المحلي ويؤمن دخل 17% من السكان، وتمنى أن توليه الدولة أهمية أكبر في المستقبل، لا أن يكون الإنفاق عليه لا يتخطى ال 1% مثلما فعلت الحكومات المتعاقبة.

القطاع الزراعي يحتاج إلى دعمٍ مباشر من الدولة وفق ترشيشي، وبدل أن تدعم بعض التجار والمحتكرين الذين يثقلون كاهل المواطن، بإمكانها دعم المزارع مباشرةً عبر تأمين المستلزمات الزراعية بالدولار المدعوم، التي بالكاد تكلفتها تبلغ 10 % مما تتكلفه الدولة اليوم بسياسة دعم الاستيراد؛ وبذلك تؤمن الدولة ديمومة المزارع، وتخفض الأسعار على المستهلك. واستغرب ترشيشي كيف أن الدولة تقوم بدعم التجار وتضع أمن المواطن الغذائي تحت رحمتهم، بدل أن تدعم الإنتاج الذي ممكن أن ينهض بالبلد من أزماته.

الإحتكار في القطاع الزراعي مختلف قليلا عن الاحتكار في القطاعات الأخرى، حيث أنّه فعلياً يحصل من التجار الذين يحظون بكل تقديمات الدولة بينما يهمل المزارع ويترك لمصيره، ويبدو أنَّ خطاب السلطة بالتوجه نحو الانتقال من النظام الريعي إلى نظام اقتصادي منتج هو ادعاءاتٍ باطلة، حيث أنها ما زالت على نفس النهج ولكن بحلةٍ جديدة؛ بل زاد المحتكرون الذين يفرغون احتياطات البنك المركزي بجيوبهم، بينما طارت ودائع الناس.

محمد شمس الدين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى