منوعات

 لبنان بلد ميسور والمصارف لن تفلّس

أُطلق “مؤتمر دعم لبنان” من باريس، من دون أن تستجيب الدولة اللبنانية لأي شرط من الشروط التي فرملت هذا الدعم الدولي طيلة الأشهر الماضية. انفرجت الأسارير المحلّية، لمليارات الدولارات التي ستدخل البلد من خلال المنظمات غير الحكومية. رضيت السلطات اللبنانية بإنحدار مكانتها عالميًّا؛ فمن جهة، إنّ إنجاز التشكيلة الحكومية من أجل المضي بالإصلاحات المطلوبة، لن يكن إلّا بمثابة دليل إضافي على هزالتها. ومن جهة ثانية، هي ليست بصدد الإفراج عن تفاصيل صندوقها الأسود، أي أنّها لن تكشف عن حسابات مؤسساتها العامة والجرائم المالية التي ارتُكبت.

 الإرتكاز على المنظمات والجمعيات غير الحكومية

يرتكز الدعم الدولي على شفافية ومصداقية الجمعيات والمؤسسات والمنظمات غير الرسمية المنتقاة لتوزيع الأموال الطائلة التي ستصلها. فالهدف هو مساعدة وإغاثة الشعب اللبناني بشكل مباشر، للتخفيف من قبضة أصعب أزمة اقتصادية قد شهدها البلد.

وفي هذا السياق، يتمنّى الخبير الاقتصادي الدكتور وليد بو سليمان في حديث لموقع “أحوال”، أن لا تنغمس الجهات المولجة بمهمّة توزيع المساعدات الإنسانيّة بمنظومة الهدر والفساد. ويؤكّد بأنّ الدول الداعمة والمؤسسات المانحة ستراقب وستواكب عمل الجمعيّات والمنظمات اللبنانية من قبل ممثليها.

المساس بإحتياطي الذهب

تبقى هذه الخطوة مرحليّة ومؤقتة؛ إذ أنّها سترفع عن كاهل الدولة المتعثّرة كلفة معونة شعبها، ولكن لا يُمكن اعتبارها أكثر من مهلة زمنية، من جملة المهل التي أُعطيت للمسؤولين اللبنانيين، من أجل استنباط مخارج وحلول طويلة الأمد ومستدامة. فهل حقيقةً لا إمكانية للبنان من أن يستعيد عافيته المالية؟ وإن كان آخر العلاج الكيّ، فهل هذا يعني المساس بإحتياطي الذهب؟

بحسب الدكتور وليد بو سليمان، يبلغ إحتياطي الذهب تسعة ملايين أونصة، أي ما يعادل الـ ١٦ مليار و٢٠٠ مليون دولار تقريبًا. وبموجب قانون صادر عن المجلس النيابي، يُمنع التصرّف بموجودات الذهب منعًا باتًّا، كما يُمنع رهنها وبيعها واستخدامها بأي شكلٍ من الأشكال. لذلك يتطلّب تسييل الذهب إقرار قانون خاص من المجلس النيابي، يلغي مفاعيل القانون السابق.

ويتابع بو سليمان، “الذهب لن ينقذ لبنان من الإنهيار الحاصل، والتفريط به كما حصل بإحتياطي مصرف لبنان، يعني القضاء على كل ما نملك”. في حين أنّ إنقاذ لبنان، لن يكون إلّا عن طريق الإصلاحات العمودية، إقتصاديًّا وإداريًّا وماليًّا، وغيرها من إجراءات وردت في ورقة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون.

الإلتباسات في التدقيق الجنائي

تلعب موجودات الذهب دورًا هامًا، وهي قادرة على أن تكون حلًّا من الحلول لإنقاذ البلد، ولكن بات واضحًا بأنّ الخيارات السياسية ليست في هذا التوجّه. فلو توفّرت نيّة الإنقاذ، لكنّا شهدنا على إجراءات إسعافيّة أوّليّة في الحدّ الأدنى؛ ومنها السماح للتدقيق الجنائي بأن يكشف عن الثغرات المالية في حسابات الدولة وليضع إصبعه على مزاريب الهدر التي استنزفت مالنا.

في هذا الإطار، فإنّ مصرف لبنان يصدر كل ١٥ يومًا، بيانًا حول مستحقاته وموجوداته وأسعاره وأسعار الإحتياطي مع الفوارق. وفي حديث لموقع “أحوال” مع الدكتور حسن مقلّد، كشف أنّه ليس هناك تسويفًا من قبل المركزي بإخفاء حقائق مالية ولوقف التدقيق الجنائي. و يعيد سبب عدم الشفافية في حسابات المركزي، إلى عمليّة دمج بنود عديدة في الوضعيات، منذ العام ١٩٩٧؛ ومن نتائجها على سبيل المثال، عدم تحديد وفصل نسب أموال المركزي المباشرة من الإحتياطي من نسب الأموال المودعة لديه. هذه الإلتباسات تدفع جهات عديدة للمطالبة بنمط إحتساب مختلف. أمّا المسائل الأخرى، والتي يُطالب المصرف المركزي بالكشف عنها، فهي ستبقى تحت قانون السريّة المصرفيّة التي ساهمت في تكوين الأسطورة “لبنان سويسرا الشرق الأوسط”.

في المقابل، لم يقتنع الخبير المصرفي دان قزي في حديث لموقع “أحوال”، بحجج المصرف المركزي التي أوقفت التدقيق الجنائي، ويرى بأنّ ثمّة للمركزي ما يخفيه في بيانات الصرف. ويشير قزي، إلى أنّ لبنان بما يملك من ذهب ومال هو بلد غني. فالـ ١٧ مليار دولار المتوفّرة حاليًّا، وحدها تكفي لمهمّة الإنقاذ، وذلك شرط أن تتوزّع الخسائر بطريقة عادلة، لا سيما على كبار المودعين، وأن تتم إعادة هيكلة الدين العام بشكل صحيح.

هل تُفلس المصارف؟

يوضح قزي، بأنّ المصارف التي تحتجز أموال المودعين، ستبقى محميّة من الإفلاس، لطالما أنّ القضاء عاجز عن الحكم عليها بالتعثّر بسبب ” قانون الكابيتال كونترول”.

فقد حدّد مصرف لبنان مهلة زمنية هي شباط ٢٠٢١، لإعادة رسملة المصارف، وأكثر من ٨٥٪ من المصارف قد أنجزت هذا الموضوع. وتجدر الإشارة، إلى أنّ مصرف لبنان سيضع يده على المصارف التي لن تتجاوب مع طلبه. أمّا إعلان الإفلاسات، فهي مرتبطة بالخيارات العامة الكبرى في التعاطي مع الأزمة؛ حيث أنّ فرض الشروط التعجيزية يمهّد للأمر، في حين أنّ معالجة الأزمة الرّاهنة بشكل عام كفيلة بحماية القطاع المصرفي من الإفلاس.

نستنتج بأنّ الخيارات متاحة، والإمكانات متوفّرة، ولكن الإرادة في إعادة لبنان على قوامه مستقيمًا مفقودة، والمساومات هي على حساب اللبناني.

 

ناريمان شلالا

 

 

ناريمان شلالا

صحافية وإعلامية لبنانية، عملت في إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية عديدة، محاورة وكاتبة في المجال السياسي والاقتصادي والإجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى