سياسة

تهديدات باغتيالات سياسية تفرض الاستنفار… فما مدى جدّيتها؟

معلومات وتحليلات متقاطعة عن محاولات العبث بالأمن اللّبناني عبر تفجيرات واغتيالات

يرتبط الأمن الوطني بالاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفيما كل هذه العناصر مفقودة في لبنان المشرّعة ساحاته وفضاءاته على الفراغ والعبث والانهيار، تدخل المخاوف الأمنية من باب عريض على إيقاع تهديدات محتملة قد تكون على هيئة اغتيالات أو تفجيرات دون أن تغيب الاعتداءات الإسرائيلية الدائمة الخطر لتضيف مزيداً من الثقل على كاهل اللّبنانيين الرازحين تحت وطأة الهموم المكثّفة.

وعلى بعد أسابيع قليلة من فترة الأعياد المعلقة مع شارة سوداء على جدران الوطن المأزوم، ومن قلب الفراغ اللبناني تزايدت المؤشرات الأمنية والسياسية لدى القادة الأمنيين عن تهديدات أمنية حقيقية تستهدف شخصيات لبنانية من كافة الاتجاهات السياسية وفيما أُبقيت الأسماء طي الكتمان خلال انعقاد المجلس الأعلى للدفاع لمنع التوترات والخوف بين اللبنانيين إلّا أن واجب الحذر بات معلناً ويرافق الجميع. وقد دفعت التحذيرات الأمنية القوى السياسية الرئيسية في البلاد إلى رفع مستوى الإجراءات الأمنية الخاصة ببعض الشخصيات البارزة فيها.

وتقول مصادر مطلعة أن “نشر أسماء الشخصيات المعرّضة لخطر الاستهداف ليس أمراً مسؤولاً، ولا يجب التداول بها لكن الأمر الأكيد أن على الجميع أخذ الإجراءات اللازمة في المرحلة المقبلة لتلافي الثغرات الأمنية التي قد يتسلل منها من يريد العبث بالأمن اللبناني”.

وتلفت المصادر إلى أن “الأجهزة الأمنية تعيش حالة من الاستنفار الأمني وتطبق خطة أمنية على كافة الأراضي الأمنية استعداداً لفترة الأعياد بعد ورود معلومات حول تهديدات أمنية جديدة في البلاد”.

إلّا أن هذه التهديدات لا تحظى بإجماع الأجهزة الأمنية حيثُ ترى أجهزة “أنّ التحليلات الأمنية المبنية على الانشطار السياسي والمأزق الاقتصادي والخلل الاجتماعي لا ترقى إلى جعلها معلومات أمنية مؤكدة يجب الركون إليها وبالتالي فإنّ رفع منسوب الخوف والتوتر بين الناس غير صحّي ولا يجب أن يكون حالة عامة ثابتة، بل أن الحذر والإجراءات الأمنية المشددة يجب أن تكون إجراءً طبيعياً في حالة لبنان الذي يعاني من غياب حكومة فاعلة وأزمات اقتصادية ومالية وتهديدات إسرائيلية دائمة”. لذا ترى المصادر أن الحذر واجب من الجميع والقوات الأمنية تقوم بواجباتها في هذا المجال لمنع أي اختراقات إرهابية.

وبالعودة إلى مجلس الدفاع الأعلى، وفيما تحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب عن أنّ الجيش الاسرائيلي يحاول العبث بالوضع الامني لذلك يجب فتح العيون أكثر والتنسيق بين القوى الامنية، أعرب قادة أمنيون عن خشيتهم من التحضير لعمليات اغتيال في لبنان. وكشف كل من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا عن معلومات وتحليلات أمنية عن إمكانية حدوث اغتيالات سياسية.

هذه التحليلات، بحسب ما تشير مصادر مطلعة، مُستقاة من معلومات مجمعة من أجهزة أمنية أجنبية، ومن رصد تحركات لمجموعات متنقلة بين العراق وسوريا، تتخذ من لبنان وجهة جديدة لها. وبعد تقاطع المعلومات التي تُنذر بحركة مريبة يتم التحضير لها على الساحة اللبنانية كثّفت القوى الأمنية إجراءاتها عبر المراقبة والتفتيش وإقامة الحواجز. وبدأت الاجهزة الامنية العمل بسرية تامة منذ مدّة وأحبطت بعض الخلايا الإرهابية وتعمل حالياً على ملاحقة مُشتبهين ضمن خطط استباقية.

وبناءً على هذه التحليلات والمعطيات، طلب “المجلس الأعلى للدفاع” اللبناني من الأجهزة العسكرية والأمنية أن تكون على أتم الاستعداد، بالتزامن مع تقارير إعلامية تفيد بورود معلومات لقيادات الأجهزة عن تهديدات أمنية جديدة محتملة.

وعلى خلفية المعلومات المتواردة عن احتمال عودة الاغتيالات السياسية تتخذ عددًا من الشخصيّات السّياسيّة إجراءات أمنيّة مُشدّدة. وفي هذا الإطار، يحدُّ رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل من حركةِ تنقلاتِهِ ويكادُ لا يغادر منزله فيما يّجري اتصالاته واجتماعاته عبر الاتصالات الهاتفية وعبر الانترنت، ويترافقُ ذلك مع اتّخاذ إجراءاتٍ أمنيّةٍ مشددة في محيطِ منزله في الرابية. الاحتراز الأمني لباسيل ليس مستجداً وهو كان قد تلاقى تحذيرات مشددة في شهر أيلول الفائت وكان “أحوال” قد أشارت لذلك في 11 أيلول حيث ذكرت المعلومات أنَّ رئيس التيار الوطني الحر تلقى تحذيرات شديدة من أجهزة أمنية أفادت أنّ هناك مخططًا يستهدفه جسديًا.وكان “أحوال” قد أشارت لذلك في 11 أيلول حيث ذكرت المعلومات أنَّ رئيس التيار الوطني الحر تلقى تحذيرات شديدة من أجهزة أمنية أفادت أنّ هناك مخططًا يستهدفه جسديًا.

والأمر نفسه ينسحب على رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، الذي يلتزم بيت الوسط بعد ورود تحذيرات من إمكانية استهدافه. وفي حين أنَّ هناك تهديد جدي لرئيس ​الحكومة​ المكلف ​بفرض ​عقوبات​ عليه إذا مشى بحكومة فيها ​ممثلين​ مقربين أو غير مقربين لحزب الله​، فهناك تحذيرات أمنية دعته في الفترة الماضية إلى التقليل من تحركاته تلافياً من مخطط قد يستهدفه لإثارة الفوضى في البلاد.

وتوازياً مع تصاعد الأخطار الأمنية، يواكب حزب الله بالحيطة والحذر المناخ المستجد في المنطقة الذي يرافق التهديدات الإسرائيلية على الحدود الجنوبية وفي سماء لبنان مع تكثيف الطلعات الجوية البالغة الوقاحة. ومع الاستعداد الدائم والتام للمواجهة العسكرية الشاملة إذا فرضت على الحزب، تبقى مثل هذه المواجهة مستبعدة في الوقت الحالي إلا أن “الاطمئنان” إلى عدم حصولها ليس ذكاءّ إستراتيجياً وهو يبقى قائماً مع نزعة الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب الرافض لتركه منصبه الرئاسي حتى الآن، إلى ضرب إيران وحلفائها قبل انتظار الرد الإيراني على اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، ما سيبقي المنطقة ولبنان خاضعين للتأهب الدائم وعدم الاستقرار الأمني في الشهرين المقبلين.

ويتخذ حزب الله إجراءات أمنية مشددة، بخاصةً في المناطق التي لا تبارحها طائرات الاستطلاع الاسرائيلية و”الدرون”، والتي تعمل بشكل مكثف فوق الضاحية الجنوبية لبيروت في الاسابيع الماضية. وتترافق مع مخاوف جدية من لجوء تل أبيب الى عمليات أمنية مستخدمة طائرات الاستطلاع كطائرات انتحارية أو عمليات محدودة ودقيقة تستهدف شخصيات في الحزب.

في أبعاد التهديدات الأمنية لا بدّ من التوقف عند ارتفاع نسبة الجرائم نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، تقول المصادر مؤكدةّ أنّ العناصر الامنية تقوم بواجباتها، لكن هذا الامر يستدعي عملاً وجهداً استثنائياً منها بالإضافة الى المهمات الأخرى المكلفة بها. وقد تمّ الاتفاق على تعزيز الامن الاستباقي، وإعداد خطة أمنية تواكب فترة الاعياد، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة للتنسيق وتبادل المعلومات واتخاذ أعلى درجة من الجهوزية، وتكثيف الاستعلام والإجراءات الامنية في كل المناطق، واتخاذ ما هو استثنائي خاص منها في فترة الاعياد.

الأمن المفقود في وطن على طريق الفقدان “ثيمةٍ” جديدةٍ تُضاف إلى “ثيمات” الحزن والأسى في قلب المواطن اللبناني، والوطن المحاط بطبقة سياسية عابثة وبحاقدين يريدون إثارة العنف والفوضى فيه، وبعدو لا يكل ولا يمل من اقتناص فرص التعدي عليه بات يحتاج إلى معجزة سماوية أو إلى عقل استراتيجي حكيم يخفف تدريجياً من زحمة الآلام.

 

رانيا برو

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى