منوعات

الطاقة المتجددة: الشمس والرياح بديلاً من المولّدات

ثلاثون عاماً ولا يزال اللبنانيون على وعد الكهرباء 24/24؛ والنتيجة، تشريع الموّلدات الخاصة ومافياتها، وأزمة عميقة باتت متصلة بالسياسة ومنعرجاتها. فلا مساعدات لينهض لبنان من عثراته الاقتصادية والمالية، دون إصلاحات في سائر قطاعات ومرافق الدولة، فيما مصير “المبادرة الفرنسية” مرتبط  بوقف الهدر في قطاع الكهرباء،  الذي رتّب على خزينة الدولة أكثر من أربعين مليار دولار منذ 1990.

مع تراكم معاناة المواطنين، وقبل الانهيار المالي، شهد لبنان اندفاعة واعدة نحو الطاقة المتجددة، خصوصاً وأنّ الدولة بتوجهاتها المتواضعة حيال التحوّل نحو إنتاج طاقة نظيفة لم تحقق ما يُعتدُّ به في هذا المجال. فهذا القطاع الواعد غير منفصل أيضاً عن منطق المحاصصة. وبادر القطاع الخاص ليجاري ركب التطور، فالطاقة المتجددة باتت تشكل مساراً عالمياً طاول الدول النامية والفقيرة.

الشمس والرياح أصدق من الدولة

رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لا يزال الإقبال على الطاقة البديلة قائماً في سياق التصدي لمشكلة التقنين من جهة، والتخلّي نهائياً عن فاتورة المولدات الخاصة من جهة أخرى (تفوق كلفة كهرباء لبنان بسبعة أضعاف وأكثر)، فضلاً عن تنامي الوعي حيال الطاقة النظيفة.

“نثق بالشمس والرياح ولا نثق بالدولة ومؤسسة الكهرباء”؛ عبارة ساقها مواطن في حديث لـ “أحوال”، عارضاً لمشروعه الخاص، وهو عبارة عن ألواح شمسية ومروحة هواء ضخمة تغنيه نهائياً عن “كهرباء الدولة والمولدات”. ولعلّ ما قاله هذا المواطن من بلدة بعلشميه (قضاء بعبدا)، يعبّر صراحةً عن واقع الحال، وسط قصور الدولة عن مواكبة متطلبات الناس في حدودها الدنيا، أي الخدمات الأساسية؛ فيما بات المجال مشرّعاً لشركات خاصة تتضاعف أعدادها يوما بعد يوم في مختلف المناطق اللبنانية.

 عقبات أمام  الطاقة المتجددة

يشهد قطاع الطاقة المتجددة اليوم ظروفاً صعبة مع ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل الليرة. وبحسب محمد منيمنة (صاحب شركة للطاقة المتجددة في لبنان والدول العربية)، فإنّ “المشكلة الأكبر الآن متمثلة في أن سعر المعدات واللوازم بالدولار”، لافتاً إلى أن “الأسعار انخفضت عالمياً، لكن الأمور تغيرت مع احتجاز أموال الناس لدى المصارف، فلدى المواطن أولويات أخرى كالغذاء والدواء والتدفئة، فضلاً عن التعليم والحياة اليومية، عدا أن الكثير من المواطنين فقدوا أعمالهم بعد إقفال عدد كبير من المؤسسات”.

وثمة مشكلة في هذا المجال ترقى لسنوات عدة؛ فالدولة لم تؤمن حوافز للمواطنين والتجار، تشجعهم على التحول نحو الطاقة المتجددة، وشراء سيارات كهربائية على سبيل المثال، تكون معفاة من الضرائب والرسوم، وهذا ما أكده منيمنة، قائلاً: “كنا في السابق نشكو من ضريبة القيمة المضافة (11 بالمئة)K لافتاً إلى أنّ “الأعمال انخفضت بنسبة 80 وحتى 85 بالمئة، ولكننا لم نستغن عن أحد من موظفينا”.

وختم منيمنة: “على الرغم من أنّ بلداناً تملك مخزوناً نفطياً، إلا أنها تتجه بثبات نحو الطاقة المتجددة، بعد أن أصبحت أكثر كفاءة وذات جدوى اقتصادية أكبر بالمقارنة مع الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، فضلا عن الحد من الإنبعاثات، لذا أصبح التحول أمراً أخلاقياً”.

نفاد الكميات الموجودة

وكان يمكن لقطاع الطاقة المتجددة أن ينمو ويتطور في حدود أكبر مما نشهده اليوم. فإلى الضائقة الاقتصادية، تبدَّت مشكلة جديدة حالت دون إمكانية استقدام معدات تلبي حاجة السوق، ومثال على ذلك أنّ “بطارية الفاناديوم” المبتكرة والتي يصل عمرها إلى ثلاثين سنة “تأخر وصولها إلى لبنان بسبب انفجار المرفأ”، بحسب ما أكد لـ “أحوال” المهندس ربيع أبي فراج (خبير في مجال الطاقة المتجددة). مشيراً إلى أنه “خلال أزمة الكهرباء في الصيف كان الطلب كبيراً للغاية ما أدى إلى نفاد الكميات الموجودة”. ورأى أن “المشكلة حالياً مردُّها إلى عدم توفّر الدولار للإستيراد، ولذا نحاول حاليا تصنيع بعض القطع محليا واستيراد بعضها الآخر”.

وإذ لفت عن فرع لهم في المملكة العربية السعودية، قال أبي فراج: “بدأنا باستخدام أجهزة تخزين كهرباء متطورة (بطاريات) من نوع lithium، والتي تخدم أكتر من عشر سنوات، كما ونطوّر تصنيع الألواح الشمسية، فكل متر مربع من مساحة اللوح بإمكانه الآن توليد أمبيراً واحداً”، لافتاً إلى “هذه الألواح الجديدة أصبحت متوفرة لدينا، وهذا يعني أنه بمساحة خمسة أمتار مربعة على سطح المنزل، يمكن تأمين 5 أمبير كهرباء للبيت الواحد، والاستغناء عن اشتراك المولد”، موضحاً أنه “أصبح من الممكن ربط أجهزة الطاقة الشمسية بالإنترنت لمراقبتها وبرمجتها”.

وخلص أبي فراج إلى أنه “في الوقت الحاضر بدأنا نشهد اهتماماً مرده إلى وعي وثقافة اللبنانيين في مجال البيئة، دون إغفال تدني كلفة إنتاج الكهرباء من خلال التكنولوجيا الخضراء”.

تشغيل محطات ضخ المياه

بدأت الطاقة المتجددة تنسحب إلى القطاع الزراعي في لبنان. فقد أشار صاحب مبادرة “كونتينر مشترك” لدعم القطاع الزراعي جميل غيث لـ “أحوال” إلى “أننا بدأنا مؤخراً باستيراد مستلزمات الطاقة الشمسية لتشغيل محطات ضخ المياه لري المزروعات”، قائلاً: “إنّ الري يبدأ في الطقس الدافئ والحار حيث تشرق الشمس بصورة مستمرة، ولذلك اهتم عدد من المزارعين بالفكرة”.

وذكر أن “هذه العملية لا تحتاج إلى بطاريات تخزين، ولذلك الكلفة أقل على المدى البعيد، ولا سيما مع الغموض الكبير في مسألة دعم الوقود”، لافتاً إلى أن “لا آلية واضحة لدى الدولة في هذا المجال”.

التحوّل إلى الطاقة الشمسية حتميّ

للوقوف على رأي خبير في مجال الطاقة المتجددة، كان لـ “أحوال” حديث مع الاستشاري المهندس حيدر حرز يوسف (العراق)، فأشار بدايةً إلى أن “التحول نحو الطاقة المتجددة بأنواعها حتمي ولم يعد خياراً، فقد أصبحت الطاقة المتجددة مقياساً للتحضر”.

وكجدوى اقتصادية، قال يوسف: “ساهم انخفاض أسعار توربينات الرياح بنسبة 40 بالمئة، وتراجع سعر الألواح الشمسية بنسبة 86 بالمئة بين الأعوام 2010 و2018، فضلاً عن تطوّر تقنياتها (هناك الآن ثابت ومتحرك)، وكفاءتها بتوليد الطاقة؛ حيث زادت كفاءة البطاريات والطاقة التخزينية، ومنها بطارية (الفاناديوم) التي انخفض سعرها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 من 127 دولارا للكيلوغرام الواحد إلى 25 لكل كيلوغرام اليوم”.

وعن التحوّل إلى الطاقة المتجددة، قال يوسف: “هناك بلدان وصلت إلى مراحل جيدة جداً من التطور في مجال الطاقة المتجددة، ولكن التأخر هو مسألة سياسية واقتصادية، حيث أن الطاقة المتجددة تضرب مصالح شركات النفط الكبرى، وتشكل عثرة أمام هذا التحول. فهذه الشركات العشر، وشركات التكنولوجيا تسيطر حالياً على العالم اقتصادياً وسياسياً”.

وأشار يوسف إلى أن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أحبط العلم والبيئة بسياساته، ولكن الطاقة المتجددة استمرت حتى في الولايات المتحدة، وهناك ولايات تحدّت سياسات ترامب، مثل كاليفورنيا. بالمقابل، ومع رئيس الولايات المتحدة الجديد جو بايدن، فهناك أمل مع خطته البيئية التي تتكوّن من تسع نقاط، كما أصبح هناك جانباً اقتصادياً لجهة سوق الطاقة المتجددة، بهدف منافسة الصين، التي تُعتبر عملاق الطاقة المتجددة، فحصتها منه تقارب الـ 90 بالمئة”.

أنور عقل ضـو

 

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى