منوعات

الخبير الاقتصادي ناجي صفير لـ “أحوال”:صرف الدولار سيلامس الـ ١٢ ألف ليرة أواخر العام

التضخمّ الى مزيد من الارتفاع

مع تجاوز لبنان زمبابواي ليحتل المرتبة الثانية بعد فنزويلا في التضخم العالمي بنسبة تراوح الـ 365 في المئة، تواصل أسعار الاستهلاك تسجيل أرقام قياسية مع تراجع دراماتيكي غير مسبوق لقدرة المواطن اللبناني الشرائية. الناشط السياسي والخبير الاقتصادي الدكتور ناجي صفير يوضح في مقابلة خاصة لـ “أحوال” معنى وانعكاسات التضخم في لبنان، كاشفاً عن زيادة متوقعة في أرقام التضخم في البلد وارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية قبيل نهاية العام الجاري.
ويستهلّ الخبير الاقتصادي حديثه شارحاً: “التضخم يعني ارتفاع الأسعار بسرعة ووتيرة قياسيتين، بحيث لا تعود متناسبة مع الدخل الفردي، فتنخفض القوة الشرائية، أو يقضي عليها ارتفاع الأسعار. وفي لبنان، نحن حالياً في أسوأ وضع في المعادلة الاقتصادية، حيث هناك ظاهرتين متلازمتين نشهدهما هما: التضخم والتقلص الاقتصادي. ففي الماضي، كنا نعتبر أنّ الركود المترافق مع التضخم هو أسوأ وضع اقتصادياً، أمّا الآن فنحن نشهد الأسوأ من ذلك، وهو التراجع المترافق مع التضخم والذي لا تعريف له، وأنا أسمّيه شخصياً (انحدار وتضخم – regflation)”.
ويعترف أنّ “معالجة هذا الوضع صعبة جداً، إذ في الوقت نفسه ترتفع الأسعار ويتقلّص الاقتصاد ويتراجع، حيث تراجع الدخل القومي (GDP) من نحو 55 مليار دولار الى 22 مليار دولار، أي بنسبة تتخطى النصف، وبالتالي بات هناك يد عاملة أقلّ تعمل ومدخول أقل للناس حيث تدفع الشركات نصف قيمة الرواتب، ومع ارتفاع الأسعار يقلّ دخل الأفراد أيضاً. وهذه هي الأزمة الكبيرة التي نعانيها”.
ويكشف انه “بعد أن وصلت نسبة التضخم في لبنان الى 365 في المئة، سيستمرّ التضخم بالارتفاع، فمنذ نحو 5 أشهر كانت تُصدر وزارة الاقتصاد أرقاما عن نسب التضخم بحدود 140 في المئة، فيما كنا نقول إنّ هذه الأرقام خاطئة، واليوم الرقم المتداول لنسبة التضخم هو 365 في المئة، ولقد وصل الى 500 في المئة في بعض الأمكنة. ومن السهل على المواطن أن يجري عملية احتساب نسبة التضخم، فيُمكنه أن يقارن بين السعر السابق لأي سلعة وسعرها الحالي، حيث سيجد أنّ سعرها بات مضاعفاً 4 مرات، أو خمس مرّات على الأقلّ “.
ويشرح أنّ “التضخم سيزداد بنحو مضطرد، لأنّه مرتبط بحالتين في لبنان الآن، الأولى طبيعية وهي سعر صرف الدولار، والثانية غير طبيعية وهي التقلص بوجود الدولار حيث يشتريه الناس في السوق السوداء بأسعار مرتفعة. لذلك إنّ التضخم مستمرّ تصاعدياً لأنّ سعر صرف الدولار مستمرّ بالارتفاع أيضاً، وإذا استمرّت هذه المنهجية سيتخطى سعر الدولار حتى رأس السنة الجديدة العشرة آلاف ليرة لبنانية، وسيراوح بين عشرة آلاف و12 ألف ليرة لبنانية”.

سيناريو مشابه لحالة فنزويلا

ويقرّ صفير اننا “نعيش في لبنان سيناريو شبيه بسيناريو فنزويلا مع بعض الاختلافات، ففي الحالات الاقتصادية هناك كثير من أوجه التشابه لكن لا يمكن القول إنّ السيناريو في بلد معيّن مطابق للسيناريو في بلدٍ آخر، وإنّ الذي يشهده لبنان الآن ويُشابه ما تشهده فنزويلا، هو لجهة نسبة التضخم العالية التي أدت الى تقلٌّص القدرة الشرائية والى مسح الطبقة الوسطى في لبنان مثلما حصل في فنزويلا، وبالتالي بات هناك شريحتين اجتماعيتين، المتدنية والغنية. لكن الفارق بين حالة لبنان وحالة فنزويلا، أننا كنا نمتلك وما زلنا نملك القدرة على الخروج من هذا المأزق بنحوٍ فعال، على رغم أنّه يأخذ الآن وقتا أطول ممّا كان يتطلّب لو بدأنا بالمعالجة منذ سنة ونصف السنة أو منذ سنتين”.
ويضيف: “منذ عام 2017 كنا ننبه من هذا الوضع، ولو اتُخذت الخطوات اللازمة حينها لكان الحلّ أسهل. بينما أزمة فنزويلا أكبر بكثير من أزمة لبنان، إذ لا يمكنهم الخروج من هذه الأزمة بالسهولة التي يمكننا نحن الخروج من أزمتنا. كذلك، هناك وجه متطابق بين لبنان وفنزويلا، وهو العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة على فنزويلا، وتُطبّق الآن على لبنان، وهي التي ستقرِّبنا أكثر من سيناريو فنزويلا”.

رفع الدعم سيودي بـ 75 في المئة من اللبنانيين الى تحت خط الفقر

في موازاة ذلك يؤكد صفير انّ “نسبة تراجع القدرة الشرائية تعادل نسبة التضخم في البلد، وبالتالي إنّ القدرة الشرائية تراجعت بنحو 500 في المئة بما يماثل نسبة ارتفاع نسبة التضخم. وعلى سبيل المثال ما كان يُشترى بمئة ألف ليرة بات يُكلّف 500 ألف ليرة، أي إذا كان راتب الفرد يبلغ مليوني ليرة بات يُساوي الآن نحو 200 ألف ليرة”.
وعن رفع الدعم عن السلع الأساسية يقول: ” رُفع الدعم عن سلع جزئياً وعن أخرى كلياً، وهنا تبدأ الأزمة، فالإبقاء على الدعم مشكلة لأنّ احتياطي مصرف لبنان نفذ، إلا أنّ رفع الدعم مشكلة أكبر وستكون تداعياته كارثية. لكن بعض الاقتصاديين عمد الى التجييش في اتجاه رفع الدعم. وإذا أكملنا بهذه المنهجية واستمرّ تقلص رأس المال في مصرف لبنان ولم يعد بإمكانه الغَرف من الاحتياطي الالزامي، سنتجه الى رفع دعم كلّي، حيث سنكون في شباط المقبل على باب انهيار كلّي في الوضع المالي للمواطنين، إذ بعد ارتفاع التضخم وتراجع القدرة الشرائية، سيؤدي رفع الدعم الى تقليص قدرتهم الشرائية مرة ثانية”.
وفيما تشير الأمم المتحدة ومنظمات عالمية أخرى أن ” 55 في المئة من اللبنانيين يعيشون على خط الفقر وما دون يوضح صفير أن “خط الفقر المدقع في لبنان هو 5 دولارات في حين أنّه في العالم 1.99 دولار، ويقال إنّ 55 في المئة من اللبنانيين يعيشون الآن بـ 8 دولارات في اليوم فيما لا يوجد أحد في لبنان يقبض 8 دولارات على سعر صرف 8 آلاف ليرة لبنانية، أو ما يُعادل 64 ألف ليرة يومياً، أي مليون و660 ألف ليرة شهرياً. فحالياً إنّ أكبر نسبة من الناس الذين يعملون يتقاضون ما دون هذا الرقم، (8 دولارات يومياً على سعر صرف 8 آلاف ليرة)، وبالتالي سيُصبح نحو 75 في المئة من اللبنانيين دون خط الفقر بإزالة الدعم، وستتراجع القدرة الشرائية أكثر، ما يؤثر على العجلة الاقتصادية والنمو الاقتصادي المطلوب للخروج من الأزمة. فحين لا تتوافر الأموال مع الناس، سيتراجع الاستهلاك في السوق، وتقف الحركة الاقتصادية، وندور في الحلقة نفسها، أي التضخم الاقتصادي مع التقلص الاقتصادي، وندخل في أزمة أكبر بعد.

رنا أسطيح

صحافية لبنانية، كتبت في شؤون الفن والمجتمع والثقافة في عدد من الصحف اللبنانية والعربية. قدّمت برامج إذاعية وقامت بإعداد العديد من البرامج الفنية والاجتماعية في أكثر من محطة تلفزيونية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى