هكذا ينظر الدستور اللبناني إلى حكومة حسان دياب
استقالت حكومة الرئيس حسان دياب في شهر آب الماضي، ويحاول رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة لتُدير شؤون البلاد، ولكنه لم ينجح بذلك بعد رغم أهمية ولادة الحكومة وإنطلاق عملها في محاولة فرملة الإنهيار الذي يعاني لبنان منه في الأشهر الأخيرة. إن هذا الفشل الذي أصاب عملية التأليف تكرر في السابق مراراً، وتحديداً منذ العام 2005، حيث بات تشكيل الحكومات يأخذ وقتاً طويلاً، ما يعني استمرار حكومات تصريف الأعمال لمدة طويلة أيضاً، الأمر الذي يفتح النقاش المستمر حول “تفعيل” حكومة تصريف الأعمال.
يحتاج لبنان إلى كل مؤسساته الدستورية لكي يتمكن من النهوض مجدّداً، وبعد أن قام مجلس النواب بدوره أمس فيما يخص عملية التدقيق الجنائي بحسابات الدولة وإداراتها ومؤسساتها وصناديقها ومصرفها المركزي، تتجه الأنظار إلى الحكومة، ولكن السؤال هو أي حكومة، هل هي حكومة حسان دياب، والتي يُطالب البعض بتفعيلها، أم حكومة سعد الحريري؟
لا يبدو أن حكومة الحريري ستبصر النور قريباً، ولو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قرر زيارة لبنان نهاية العام الجاري، وبالتالي لا مهرب من قيام حكومة حسان دياب بتحمّل المسؤولية، لأن الحافلة لا يمكن أن تبقى آمنة، إذا تخلّى السائق عن واجباته، ولكن هذا “المطلب”، أي تفعيل حكومة تصريف الأعمال، شكّل خلافاً على مدار الأعوام الـ 15 السابقة، ولم تجتمع حكومات تصريف الأعمال سوى مرة واحدة كانت بظل رئاسة نجيب ميقاتي للحكومة عام 2013. فما هو رأي الدستور؟
الضرورات تُبيح المحظورات؟
يشير الخبير الدستوري عادل يمّين إلى أنه وبحسب البند الثاني من المادة 64، فإن “الحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد إستقالتها أو إعتبارها مستقيلة إلاّ بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”، وهذا “المفهوم” يعني أنه من واجب الحكومة المستقيلة أن تقوم بتسيير المرافق العامة، وتسيير الشؤون اليومية للدولة والمواطنين، وأن يكون من واجب الوزراء توقيع البريد اليومي، وهذا ما يدخل أصلاً في مفهوم تصريف الأعمال ولكن الفقه والإجتهاد جعل أيضا من حالات الضرورة التي لا تتحمل تأخيراً وكذلك من الحالات التي تنطوي على مهل إسقاط وكذلك من حالات العجلة، ضمن نطاق تصريف الأعمال.
ويضيف يمين في حديث لـ”أحوال”: “بناءً على ما تقدم فإن لا شيء يمنع مجلس الوزراء من الإنعقاد حتى ولو في ظل حكومة مستقيلة بشرط أن يكون جدول أعماله مشتملاً على حالات تدخل في مفهوم تصريف الأعمال، ومن غير أن يشمل الحالات التي ترتب أعباءً على الدولة والتزامات على الحكومة المقبلة من خارج الإستثناءات المذكورة أعلاه لأن الأعمال التي ترتب أثقالاً وأعباءً على الدولة تدخل في النطاق التصرفي وتخرج عن مفهوم تصريف الأعمال، علماً أن الفقه الدستوري في لبنان والخارج، وبما يتفق مع بعض الإجتهادات في الحقل الإداري، يعتبر أن التأخر في تأليف حكومة جديدة وإطالة الفترة الزمنية لعمر تصريف الأعمال يؤدي رويداً رويداً إلى توسيع الحالات التي يمكن أن تتصدى لها حكومة تصريف الأعمال بحيث تلامس في بعض الأحيان أعمالاً تصرفية كما حصل في بلجيكا عندما تأخر تشكيل الحكومة 9 أشهر فتصدّت حكومة تصريف الأعمال هناك لقرارت ذات طابع تصرفي”.
التدقيق الجنائي ضرورة قصوى
لا يمكن أن تتصرّف الحكومة بظل تصريف الأعمال بنفس الطريقة التي تتصرّف بها قبل استقالتها، لأن رقابة المجلس النيابي عليها، وسلاحه الأهم المتعلق بسحب الثقة من الحكومة، لا ينفع بحال كانت مستقيلة، ويتفق كل خبراء الدستور على ذلك، ولكن يتفقون أيضاً على وجود حالات ضرورة قصوى تستدعي انعقاد الحكومة وتحملها للمسؤولية.
في ملف التدقيق الجنائي مثلاً، يرى يمّين أن الحكومة قد أخذت قرارها بشأن هذا الملف عندما كانت “كاملة الصلاحية”، وبالتالي بحال تعاقدت مع شركة جديدة، أم أعادت التفاوض مع الشركة التي رحلت، فهي بذلك تنفّذ قراراً سابقاً، ويحقّ لها ذلك بكل تأكيد، مشيراً إلى أن هذا الأمر يمكن اعتباره أيضاً من الأمور الضرورية، خصوصاً وأن التدقيق أصبح أمراً حيوياً وشرطاً لأي مساعدة يمكن أن تُقدّم للبنان، وبالتالي يمكن للحكومة أن تُعقد لأجله اذا اقتضى الأمر.