قانونا “ماسلو” و “تصنيف بلوم” للتعليم عن بعد
تضيق جدران كورونا كلّ يومٍ أكثر على القطاع التّربوي في العالم وبشكلٍ خاصٍّ في لبنان. الحجر الّذي فرضه هذا الفيروس الّذي لا يتعدّى حجمه بضعة ملمترات، بات يشكّل تحدّيًا نفسيًّا كبيرًا على المعلّمين الّذين يثابرون إلى إنهاء العام الدّراسي بأقلّ أضرارٍ ممكنة. ولكن كيف يمكن للمعلّمين تفادي هذه الأضرار النّفسيّة والحفاظ على صحّتهم العقليّة؟ وما هي أهمّ الحلول النّفسيّة للمعلّمين والطّلّاب؟
قانونا “ماسلو” و “تصنيف بلوم”
المُحاضِرة في علم النّفس الّتربوي في جامعة البلمند في دبي، الدّكتورة جنى بو رسلان، تلف إلى “أحوال” عن قانونين للأساتذة عند التعامل مع الطّلاب مهما كان عمرهم. وهما:
- الـ”ماسلو” أي هرم الاحتياجات الأساسيّة الّذي يتمحور حول الحاجات النّفسيّة من إحساسنا بالأمان والحاجات الفيزيولوجيّة انتهاءً بالثّقة بالنّفس وتحقيق الذّات.
- “تصنيف بلوم” الّذي يركّز على تراتبيّة الأنشطة الفكريّة من الفهم والتّحليل والتّطبيق حتّى التّقييم.
وتضيف بورسلان أنّه على الطّلبة والأساتذة أنّ يبدؤوا بتطبيق الـ”ماسلو”، ومن بعدها أن ينتقلوا إلى “تصنيف بلوم”. فإن لم يكن الأساتذة مرتاحين نفسيًّا، لن يستطيعوا أن يُنجزوا العملية التّربوية والتّعليميّة”.
وتؤكّد على أنّ جائحة كورونا ألقت بثقلها على القطاع التّربويّ، “إنّ هذه الجائحة فريدةً من نوعها لأيّ شخصٍ في القطاع التّربويّ، وبالتّالي على كلّ شخصٍ أن يعمل بطريقةٍ استثنائيّة. على الأساتذة أن يعيروا الأهمّيّة الكبرى لأنفسهم، لأنّهم لن يستطيعوا أن يقوموا بعملهم وأن يحافظوا على المستوى التّعليميّ المطلوب إن لم يهتمّوا بأنفسهم. عليهم أن يعتمدوا روتينًا معيّنًا في العمل، وأن يحترموا أنّ لديهم حاجاتٍ مهما كان ضغط العمل عليهم كبيرًا، لأنّ طاقتهم في النهاية ستُستنزف”.
لإدارة المدرسة دورٌ كبير
وترى بو رسلان أنّ على إدارة المدرسة أن تكون متعاونةً مع الأساتذة، “عليهم أن يتّفقوا مع إداراتهم على فكرة أنّ الجميع متضرّرٌ من الجائحة ولا يُمكن أنّ ندرّس المادّة كما في الأيّام العاديّة. على الإدارة أن تساعد؛ وفي حال عدم تعاونها، على الأساتذة أن يكونوا حازمين وأن يفرضوا حدودهم ويُعطوا دروسهم على قدر طاقاتهم”.
في هذا السّياق، تقول بو رسلان إنّ هناك ثمنًا سيُدفع على كلّ الأحوال. وتضيف، “هل على الأساتذة أن يدفعوا الثمن من صحتهم العقليّة؟ حتمًا سيكون هناك مساومةٌ خلال جائحةٍ تسنتزف أعصابنا وتفكيرنا. وهنا على الأساتذة الاختيار، إمّا المساومة على بعض المضمون وإعطاؤه بشكلٍ بسيطٍ أو المساومة على صحّتهم العقليّة”.
هل حال لبنان أسوأ من غيره؟
لا تجزم المُحاضِرة في علم النّفس الّتربوي أنّ وضع لبنان أسوأ بكثيرٍ من غير بلدان، “لبنان يشمل مدارساً مهمّة تؤمّن الكهرباء وكلّ اللوجستيات وتضاهي مستوى التّعليم في دبي. ولكن بشكلٍ عام، مع الّظرف السيّاسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والأمنيّ في لبنان، سيكون هناك تحدّياتٌ على القطاع التربويّ أصعب من تحدّيّات الدولٍ المتطوّرة.
إلى ذلك، “تتفاوت الصّحّة النّفسيّة في هذا الإطار، إلّا أنّني لا يمكن أن أعمّم”. وتتابع، فربّما المرونة والمقاومة في لبنان أقوى لكثرة مرورهم في تجارب قاسيةٍ على الأصعدة كافّة.
مصير العلاقات الإنسانية
تعتقد بو رسلان أنّ التّحدّي كبيرٌ أمام الأساتذة لبناء علاقةٍ إنسانيّةٍ مع طلّابهم في التّعلّم عن بُعد، “هذا تحدٍّ كبير، بخاصّةٍ إذا كان الأستاذ في عامه الأوّل، فالتّحدّيات ستكون كبيرة. أمّا الأساتذة المتمرّسون لسنوات، فاستطاعوا بناء هذه العلاقة سابقًا. ولكن عليهم تعزيزها، من خلال تطبيق قانوني الـ”ماسلو” و”تصنيف بلوم” مع إيقاف تجاوزات الطّلّاب في الصّف، وهنا الامتحان لمعرفة إذا كان الأستاذ قد استطاع بناء علاقةٍ جيّدةٍ مع الطّلّاب”.
برأي بو رسلان، العلاقة الإنسانيّة هي العامل الأقوى. “عندما أسأل طلّابي ما يتذكّرونه من صفوفي، جميعهم يبتسمون. فالطّالب يتذكّر ما أشْعَرَه به الأستاذ أكثر من المحتوى. هنا، على الأساتذة أن يُعزّزوا الإحساس نفسه، وبناء الصّداقة، والحوار. لن تكون الأمور مثاليةً مع الجائحة، ولكن هناك العديد من الأساتذة الّذين قدّموا صفوفًا تُعتبر بمستوى الّنُخبة لأنّهم حافظوا على المعايير بشكلٍ متّسق، واستطاعوا أن يكونوا متفائلين رغم التّحدّيات”.
من جهةٍ أخرى، يسود العلاقة الإنسانيّة بين الطّلّاب أنفسهم الكثير من علامات الاستفهام. وتقول بو رسلان إنّ “التّعلّم النّاجح يعتمد بأكثر من 73% على الطّريقة الاجتماعيّة العاطفيّة، كالحوار ومشاهدة الطلاب لبعضهم بعضًا خلال تقديم عرضٍ ما. هذا هو جوهر التّعليم، وعندما يُفقد هذا العنصر سيكون هناك علامات استفهامٍ كبيرة حول العلاقة بين الطّلّاب ومدى فاعليّتها”.
في هذا السّياق، تؤكّد إحدى الدّراسات في جامعة ولاية ميدويسترن في الولايات المتّحدة الأميركيّة أن الصفوف عبر الإنترنت_حيث لم يستنَّ للطّلاب الالتقاء شخصيًا، لم تكن ذات فاعليّةٍ مثل الصّفوف حيث كان الطلاب قد التقوا في السّابق على الأقل لبعض الوقت.
هل التّربية مُحقّقة؟
قد يُحقّق التّعليم عن بُعد، ولكن هل تُحقّق التربية أيضًا؟ تُجيب بو رسلان أنّ “الوزارة تُسمّى وزارة التّربية والتّعليم، إذًا كلّ ما يتعلّق بالسّلوك والقيم والأخلاقيّات يأتي قبل التّعليم. يُمكن معالجة هذه الأمور في العالم الافتراضي ولكن إلى حدٍّ ما. تُعطى النّسبة الأعلى لإيصال أيّ فكرةٍ أو رسالةٍ بشكلٍ جيّدٍ للغة الجسد بحوالي الـ50%، فيما يحصل عنصر الكلمات على 7% ويذهب حوالي الـ30% فقط للصّوت. فبالتالي الفكرة ستتغيّر ويقلّ تأثيرها”.
وتختم قائلةً، “فاعليّة التّربية في التّعليم عن بُعد قد تصل إلى أقلّ من النّصف، مع اختلاف الحالات طبعًا، ما يجعل التّعليم المباشر أكثر فاعليّةً في تحقيق الأهداف التّربويّة والاجتماعيّة”.
التّعليم اليوم قبل التّربية
معلّمة مادّة التّربية الوطنية والتّنشئة المدنية في إحدى الثّانويّات الرّسميّة اللّبنانيّة، سمر نمر، تقول لـ”أحوال” إنّ التّحديّات كبيرةٌ بدءًا من اللوجيستيات كالكهرباء والإنترنت، انتهاءً بالضغوطات النّفسيّة الكبيرة، “الضّغط النّفسي كبير قبل وبعد الصّف. وأحيانًا نجد صعوبةً في الحفاظ على إيقاع الصّف، فيحدث أن يخرج أحد من الحصّة أو أن يضع أحدٌ الأستاذ على وضعية الصّامت. كلّ ذلك ينعكس على المعلّمين الّذين عليهم المحافظة على هدوئهم كي لا ينعكس توتّرهم على الطلّاب”.
ترى نمر أنّ التّربية، من قيمٍ وتفاعلٍ ومشاركة، مُحقّقةٌ بشكلٍ ضئيل، “التّركيز الأكبر الآن هو تحقيق التّعليم كي لا يفقد الطّلاب قسمًا من التّحصيل العلميّ. في التّعليم، نستطيع اختبار الطّلاب عبر امتحانٍ أو فرضٍ منزليّ، إلّا أنّ المتابعة التّربوية صعبةٌ بخاصّةٍ أنّ الطّلّاب يعانون من الضغوطات النّفسيّة نفسها. أضِفْ إلى ذلك، أنّ الأستاذ قد يكون جديدًا في المدرسة أو الطّالب جديداًُ، ولا يعرفان بضعهما، وبالتّالي أصبح إيصال القيم التّربوية أصعب دون أيّ اتصالٍ مباشرٍ سابق”.
لن تمرّ عقبات هذه المرحلة إلّا بتضافر جهود الجميع. ولكن كيف لسلطةٍ أجبرت القطاع التّربويّ على مرّ السّنوات على الإضراب والاعتصام في الطّرقات لنيل أبسط الحقوق، أن تدعمه الآن في قلب انهيارٍ هي سببه أصلًا؟ لعلّ مصير المهنة الأسمى أن تكون في الصّف الأوّل عند الأزمات في لبنان. ومع سنواتٍ من المطبّات والمعاناة والتّعليم في لبنان، لربّما يصلح القول: إنّ المعلّم بات فعلًا رسولا.
شادي ملاك