اقتصاد

التدقيق الجنائي شاملًا  وكاملًا  في حضن الحكومة لإزالة العقبات

من القصر الجمهوري إلى مجلس النواب ومن قصر اليونسكو إلى السرايا الحكومي لعب اللّاعبون السياسيون لعبتهم في تقاذف ملف التدقيق الجنائي ليرموا الطابة أخيرًا  في حضن الحكومة التي كان لها فضل البدء بإطلاق مسار التدقيق الجنائي. وبعد جلسة صاخبة في حب “التدقيق الجنائي” الذي أغدقته الكتل النيابية “غرامًا” “شعرًا ونثرًا” نالت حكومة حسّان دياب “انتقامًا ” بإحالة مهمّة إزالة المعوقات أمام التدقيق الجنائي ضمن مسؤولياتها، وعلى توصية وحيدة رُفعت جلسة مجلس النواب من دون فتح جلسة تشريعية.

وجوابًا على رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون فيما يتعلّق بالتدقيق الجنائي، اتخذ المجلس النيابي في جلسةٍ استمرّت ما يقارب الساعتين القرار التالي: “تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والمؤسسات المالية والصناديق والبلديات كافة للتدقيق دون أي عائق أو التذرع بالسرية المصرفية”. الرئيس عون سارع إلى اعتبار” تجاوب مجلس النواب مع رغبتنا في تحقيق التدقيق الجنائي إنجازًا للّبنانيين وإطلالة مضيئة في معركتنا ضد الفساد والهدر”.

الحكومة حاليًا  في حالة تصريف أعمال وهي عاشت في جو من اللّامبالاة فيها وأُسقطت وهي تعاني من تجاهل الجميع. ورغم أنّه يُحسب لها إبرام اتفاقية التدقيق الجنائي بحثًا  عن أموال الناس المنهوبة، إلّا أنَّ الطبقة السياسية بوحوشها وحيتانها و”المشتبه” بهم من أبنائها في وصول البلد إلى قعر الانهيار وبدعمها آداء حاكم مصرف لبنان الذي هرّب شركة “ألفاريز أند مارسال” من إتمام مهمّة التدقيق المالي الجنائي، هؤلاء مجتمعين قرّروا اليوم أن الحكومة هي المسؤولة عن إزالة العراقيل من أمام أي تحقيق أو تدقيق بالرغم من علم الجميع برفض رياض سلامة لدعوات رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب إلى تلبية طلبات شركة التدقيق في الكشف عن الحسابات المطلوبة لإنجاز التدقيق.

“صورة البرلمان اليوم” إمّا أن نتوحّد جميعًا أو لا يسقط أحد. التدمير المتبادل مؤكد، إنما لديهم آلية للحد من الخسارة موجودة في مجلس الوزراء ووزارة المالية”، يقول الخبير الاقتصادي روي بدارو وهو من دعاة توقيع عقد جديد مع شركة “كرول” Kroll للتدقيق في جميع مؤسسات الدولة منذ 1993 لاسترجاع الأموال المهدورة والمنهوبة، رغم يقينه “أن السياسيين سيجدون ألف حجة ويخلقون ألف عقبة. لا أحد يريد محاسبة لسبب تورط الأكثرية”.

الرئيس بري في افتتاح الجلسة النيابية تمنّى أن يكون هناك إجماع على أن ينسحب التدقيق الجنائي على كلّ الإدارات والمؤسسات العامة والوزارات. وأن يكون التدقيق “شامل وكامل لكلّ الوزارات والمؤسسات والإدارات والصناديق من دون استثناء أو استنسابية أو مزاجية أو كيدية”.

يجب أن يكون التدقيق الجنائي شاملًا  وكاملًا  والموقف موحّد لإعطاء صورة إيجابية للداخل والخارج، حتى لا يغدو لبنان “دولة مارقة” بحسب ما قال رئيس الجمهورية في رسالته إلى مجلس النواب. وفي ميزان الكتل النيابية وهي بغالبيتها مشتبه بآداء وزرائها الذين تعاقبوا على وزارات خدماتية لسنوات عدّة، يُبدي الجميع دعمه وتشجيعه للمحاسبة، بدا التدقيق الجنائي وكأنّه مطلبهم الأول والأخير. الكل شجع وتحمّس ولكن أين يمكن أن تُصرّف توصية المجلس النيابي؟

وفي الجلسة النيابية، كان لافتًا ما دعا إليه عضو “اللّقاء التشاوري” النائب فيصل كرامي بشأن التدقيق الجنائي قائلًا  “فلنذهب إلى جلسة تشريعية سريعة لإقرار القوانين التي تساعد على إقرار التدقيق الجنائي” وتابع “لماذا يُعطى المصرف المركزي الفرنسي كل المعلومات من مصرف لبنان ولا تُعطى للحكومة اللّبنانية ولشركة ألفاريز آند مارسال؟”.

النائب سمير الجسر عن كتلة “المستقبل” النيابية يقول “لأننا لا نخشى شيئًا، وليس لدينا ما نخفيه لا عن أنفسنا ولا عن الآخرين. ولأنّه حتى إذا ما ظهر في صفوفنا مرتكب، نتنكر لفعلته وندعو للمحاسبة. تحمّلنا الكثير من التشكيك والتجريح، ونرى في التدقيق الجنائي ما يقطع دابر الكلام غير المسؤول الحقيقة بعيدًا عن التجنّي”. فيما النائب في كتلة “التنمية والتحرير” علي حسن خليل يقول ردًّا على سؤال لـ”أحوال” إنّ القرار يظهر إصرارنا على إنجاز التدقيق في كافة حسابات الدولة وهو يرتّب منطقًا جديدًا للتعاون مع الدولة”. وشدَّد أنّه “لا غطاء على أحد، لا سرية، لا تغطية على من سرف أو هدر أو ساهم في فوضى المال العام!، لا يجب أن يكون هناك محظور لأنّ الإنفاق العام من مال الناس.. الجميع على المشرحة”. وجوابًا على سؤال عمّن طيّر شركة التدقيق الجنائي؟ قال هذا السؤال “يٌوجّه للسلطة التنفيذية المعنيّة بالأمر وإذا كان هناك حجّة في القانون فلقد حُسمت اليوم بقرار المجلس النيابي”.

التطابق بين الكتل النيابية ينسحب أيضًا على كتلة القوّات اللّبنانية عبر النائب جورج عدوان، الذي اعترف أنّ حكومة حسان دياب هي من بادرت إلى إبرام اتفاقية التدقيق الجنائي في وقتٍ كان هناك انقسام حوله، أكّد أنّ “المطلوب من الحكومة فورًا  الذهاب إلى اتفاق وعقد جديد وأن تسير في الأمور قدمًا  وأعتقد أنّ الذرائع رُفعت وهذا انتصار كبير”. وتابع رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابيّة “كلّ من لا يلتزم بالتدقيق يخالف القوانين والتوجّه العام وقرار مجلس النوّاب. وإذا اضطررنا لترجمة هذا القرار إلى قوانين سنفعل ونحن على استعداد لوضع هذا القرار موضع التنفيذ بنصّ قانوني كي لا يتهرّب أحد منه”. واعتبر أنّ هذا القرار يؤكد أنّ السرّية المصرفية لا تسري على التدقيق وليست عذرًا  لحاكم مصرف لبنان”.

في مداخلته المطوّلة والمؤيّدة للتدقيق الجنائي اعتبر رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أنَّ التدقيق له علاقة بسمعة الدولة ويتّصل بمال عام صار مجهول المصير، وبمال يعود لمئات بل لآلاف المودعين من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين تتحمّل الدولة مسؤولية ضمانه وتأمين إعادته إلى أصحاب الحقوق من مودعيه. وليس منصفًا تناوله باستخفاف كما جرى في بعض التداول العام”. وبدوره دعا “الحكومة المستقيلة التي لا يحوّل تصريف الأعمال دون اتخاذها القرارات اللّازمة عند الضرورة العاجلة، إلى وضع التدقيق المحاسبي الجنائي لحسابات مصرف لبنان موضع التنفيذ وبأسرع وقت”. الدعوات إلى حكومة تصريف الأعمال انسحبت على كتلة “لبنان القوي” ونادى النائب الياس بو صعب الحكومة إلى تحمّل مسؤولياتها والعمل على تذليل العقبات أمام التدقيق الجنائي قائلًا “الحكومة موجودة لتصريف الأعمال وهذا لا يعني الاستقالة من الواجبات ومسؤوليتها إيجاد الآلية التي تسمح بإنجاز التدقيق الجنائي إلى نهايته انطلاقًا مما قدّمه لها المجلس النيابي”.

بين القصر الجمهوري ومجلس النوّاب والحكومة المستقيلة إجماع غير مسبوق على ضرورة إنجاز التدقيق الجنائي الذي طار للمرّة الأولى مع هروب الشركة الموكلة، فهل يستطيع كلّ هؤلاء إزالة “استبداد” وفرض “الأمر الواقع” القانوني من قبل حاكم مصرف لبنان وتذليل العقبات؟ بانتظار أعاجيب السحرة اللّبنانيين في الأيام المقبلة للإجابة على ذلك.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى