مجتمع

نساء لبنان.. من خانة “الضحية” إلى “الناجية القوية”

تحت شعار “جيل المساواة يقف ضد الاغتصاب” وبالتزامن مع إطلاق حملة 16 يوماً لمناهضة العنف، احتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي حدّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 تشرين الثاني عام 1981، إثر الاغتيال الوحشي للأخوات “ميرابال” عام 1960، اللآتي كنّ ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان، وذلك بناء على أوامر من الحاكم الدومينيكي رافاييل ترخيو.

ويأخذ العنف ضد النساء اشكالًا عدّة أدرجتها الأمم المتحدة على قائمتها، نذكر منها: عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء)، التحرش الجنسي (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية، التحرش اللفظي)، الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي)، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان النساء)، فضلاً عن زواج الأطفال.

وفي لبنان تكثر الأخبار عن نساء تعرضن لعنف أو قُتلن على يد أزواجهن. ومن باب التعداد وليس الحسم، نستذكر “زينب الحسيني، ندى بهلوان، منال عاصي، رقية منذر، مارغريت طنوس، فاطمة بكور، ريان إيعالي، زهراء قبوط، كريستال أبو شقرا، فاطمة النشار، منال التيماني” وغيرهن، حيث قدّرت الإحصاءات بأن 3 نساء يُقتلن على يد أزواجهن شهريًا في لبنان.

ما الذي يحمله العام 39 من عمر تلك المبادرة الدولية لنساء لبنان؟

صفحة قوى الامن الداخلي عبر موقع “تويتر” نشرت إحصاء يُظهر عدد شكاوى العنف الأسري الواردة على الخط الساخن، والتي بلغت 1272 شكوى لعام 2020، بارتفاعٍ واضح بين عدد شكاوى عام 2019 (712 شكوى) والعام الحالي.
وانطلاقًا من ذلك، أوضحت الشريك المؤسس والمديرة التنفيذية لمنظمة “أبعاد”، غيدا عناني، في حديث لـ”أحوال” أن حالات العنف لم ترتفع إنما التبليغ عن هذه الحالات هو الذي ارتفع، مرجعة السبب إلى ثقة النساء وقناعتهن بضرورة التبليغ حمايةً لحياتهن ولأسرهن، إلى جانب تحرّك القوى الأمنية الفعّال في هذا المجال.

وفي السياق، أشارت عناني إلى أنّ النساء في لبنان أصبحن يخرجن من خانة “الضحية” إلى خانة “الناجية المتمكّنة”، وبذلك هنّ يقطعن الطريق أمام تكرار الجرائم، كما يساهمن في إنقاذ حياة ضحية أخرى، كاشفة أنّه وبالمقارنة ما بين تموز 2019 وتموز 2020 في لبنان، فالإحصاءات تُظهر تسجيل 7 حالات ابتزاز جنسي، 8 حالات اغتصاب، 3 حالات تحرّش، 7 حالات تمييز قائم على النوع الاجتماعي، 15 حالة عنف جسدي و12 حالة قتل، علمًا أن هذه الأعداد تعكس الحالات المبلغ عنها، في حين أنّ العدد الحقيقي قد يكون أكبر من ذلك بكثير، وفقًا لعناني.

من هنا، شدّدت المديرة التنفيذية لمنظمة “أبعاد” على انّ الفتاة أو الإمرأة التي تتعرّص لأي نوع من أنواع العنف، في تبليغها عن الحادث هي “ناجية” وليست “ضحية”، وفي كسر صمتها تكون قد كسرت الحاجز الثقافي الذي كان يكبّلها ووصمة العار الاجتماعية التي حاول مجتمعنا طبعه في أذهان النساء.

أما في ما يتعلق بالقوانين التي تحمي المرأة اللبنانية من جميع أشكال العنف، قالت عناني لموقعنا “إنّ المجلس النيابي يعمل على مراجعة مقترحات التعديل على قانون تجريم العنف الأسري، لكننا في الحقيقة تأخرنا، إذ كان من الممكن إنقاذ عدد كبير من ضحايا العنف الأسري وخصوصًا النساء اللواتي خسرن حياتهن، لو تم التجاوب مع مطالبنا بشكل فعلي في وقت مسبق، إلا أنّ مع إقرار القانون في وقت لاحق، ستكون الجمعيات النسوية قد تخطّت شوطًا كبيرًا في معركتها نحو الشراكة الجندرية وصون حقوق وكرامة الفرد في لبنان”.

وبالنسبة للخطوات التي تستطيع المرأة المعنّفة اتخاذها، بحسب عناني، فهي الاتصال على الرقم الساخن الخاص بقوى الامن الداخلي 1745، أو على رقم “أبعاد” الخاص بالطوارئ 81788178، مشيرة إلى أنّ هناك ورقة تفاهم وعمل وتنسيق مشترك بين “أبعاد” والقوى الأمنية، حيث تتدخل الأخيرة بشكل سريع لإنقاذ الضحية فور تبلّغها الشكوى، كما تؤمّن منظمة “أبعاد” بيوتًا آمنة أو مراكز إيواء سرّية مؤقتة للسيدات اللواتي يعشن في خطر حقيقي على حياتهن.

وفي الختام، مهما تعدّدت الأسباب لتعنيف المرأة، بين ضغوطات اقتصادية واجتماعية وتربية خاطئة أو حتى فكر ذكوري أبوي أو غير ذلك، إلا أن لا شيء يبرّر هذا العنف على اختلاف اشكاله، لذا فالمطلوب اليوم توعية المجتمع وبناء أجيال جديدة على قيم ومبادئ تضمن تحقيق العدالة لكلا الجنسين، بما يضمن المحافظة على حقوق الطرفين، فالمرأة هي شريكة الرجل وليست ملكيته، هي كيان مستقل بذاته ولها فكرها وطموحها وحقوقها التي يجب صونها والدفاع عنها.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى