سياسة

حل الدولتين والاتفاق النووي في صلب مهام وزير الخارجية الأميركي الجديد

لبنان وسوريا وإسرائيل في عقل أنطوني بلينكن

ينتظر الشرق الأوسط بخاصةً الدول العربية ترسيم اتجاهات السياسة الأميركية في المنطقة مع الإدارة الجديدة. وفي حين أن الثوابت الأميركية لا تتبدّل في رؤية هذه المساحة الجغرافية المضطربة منذ تاريخها وحاضرها ومستقبلها، فإن النظرة الأميركية تندرج تحت عنوانين فقط هما: إسرائيل وأمنها واستقرارها والنفط والغاز الكامن في بلاد العرب. أمّا المتغيّر في آداء الإدارة فهو في شخصية الرئيس وسلوكه وفريقه في إدارة الملفات، وبعد الأسلوب الفظ الذي شاهده العالم من الرئيس دونالد ترامب يدخل الرئيس المنتخب جو بايدن البيت الأبيض بحلّة أكثر لطافة وكياسة في التعامل. وتحت صفة “التهذيب” و”اللباقة” يدخل وزير الخارجية المعين أنطوني بلينكن المشهد الدبلوماسي العالمي، فهو سليل عائلة دبلوماسية ويملك خبرة واسعة في السياسة الخارجية بدأت رحلته فيها منذ تسعينات القرن الماضي في عهد الرئيس بيل كلينتون وتدرّج في مناصب عديدة راكم خلالها الخبرات سواء في عهد كلينتون أم أوباما ووطّدَ العلاقات في عاصمة القرار الأميركي “واشنطن” وفي دول العالم.

وفي جولة في عقل الدبلوماسي الأميركي وأفكاره عبر مواقفه المعلنة فيما يتعلق بلبنان، صدر عن بلينكين موقفًا في تموز الفائت حيث قال “إن إدارة بايدن ستقدم المساعدة للتعافي المالي للنظام المصرفي المنهار في البلاد بالإضافة إلى تعزيز الدعم للجيش اللبناني”. وفيما يشكل اللبنانيون الأميركيون غالبية من الجالية العربية في الولايات المتحدة. كان بايدن تعهّد خلال لقائه أبناء الجالية بدعم لبنان للنهوض من أزماته. وقال بلينكين إن “بايدن سيلتزم بنشاط إشراك العرب الأميركيين في إدارته في كل من أدوار المشاركة المجتمعية ومواقف صنع السياسات”.

 

دعم المؤسسات الأمنية اللبنانية

في العام 2015 زار بلينكين لبنان بصفته نائب وزير الخارجية آنذاك جون كيري، والتقى حينها كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام وقائد الجيش جان قهوجي ووزير الخارجية جبران باسيل والنائب وليد جنبلاط. وفي حين أن ملف اللاجئين السوريين في لبنان كان الملف الأساسي لزيارته يومها فإنه أطلق مواقف كرر فيها دعم أميركا للبنان وأمنه واستقراره وتشارك الولايات المتحدة مع لبنان قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان واحترام المعتقدات وتعزيز التعليم والأسواق الحرّة. وشدّد على وقوف واشنطن إلى جانب القوى الأمنية اللبنانية على رأسها الجيش اللبناني بالعتاد والسلاح اللازمين لبسط سلطته على كافة الأراضي اللبنانية.

وفيما اعتبر أن لبنان ركيزة في استقرار المنطقة وأمنها واستقرارها، دعا بلينكن إلى تعزيز استقرار البلد من خلال تفعيل دور المؤسسات الدستورية والأمنية لتخفيف وطأة تأثير التعقيدات في دول الجوار التي تعرّضه بشكل دائم للخطر. وفي معرض حديثه عن الصراع في سوريا انتقد بلينكن تدخل حزب الله ودفاعه عن نظام الرئيس بشار الأسد معتبرًا أن هذا التدخل أطال أمد الحرب في سوريا وأجج “تفريخ” الجماعات الإرهابية!. وضمن هذا السياق أثنى بلينكن على جهود لبنان في مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة وانضمام لبنان إلى استراتيجيات المواجهة العالمية لدحر التطرف.

 

الوزير القوي مناصر للتحالفات العالمية

كتب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، على “تويتر” أن “بلينكين سيكون وزير خارجية قويًا”. ويضيف “”إلى جانب المعرفة الدقيقة بالسياسة الخارجية، يتمتع بلينكين بعلاقة مع رئيسه تسمح له بالتحدث بصراحة والتحدث باسم رئيسه”.

“ببساطة، المشاكل الكبيرة التي نواجهها كدولة وكوكب، سواء كان تغير المناخ، سواء كان وباءً، سواء كان انتشار الأسلحة السيئة – لنقول ما هو واضح، لا يوجد أي حل من هذه الحلول أحادية الجانب”، قال وزير الخارجية الأميركي المكلّف في منتدى في معهد هدسون في شهر تموز الفائت. وأردف “حتى دولة قوية مثل الولايات المتحدة لا تستطيع التعامل معها بمفردها”. وأضاف أن واشنطن بحاجة أيضًا إلى العمل مع الدول الأخرى للتعامل مع التحديات التي تفرضها الصين، وهي الدولة التي وصفها بأنها منافسة للولايات المتحدة. ومع ذلك، قال إن إدارة بايدن ستنخرط وتعمل مع الصين في مجالات المصالح المتداخلة، مثل معالجة تغير المناخ والأوبئة العالمية.

كما دعا بلينكين إلى تغيير نهج الولايات المتحدة تجاه إيران. وهو شارك عن كثب في إبرام إدارة أوباما اتفاقًا نوويًا تاريخيًا في عام 2015 مع طهران وانتقد بشدة انسحاب ترامب من الاتفاق، مشيرًا إلى أن إيران عززت منذ ذلك الحين برنامجها النووي وكثّفت من دعمها لوكلائها الإقليميين، حتى مع تلقي اقتصادها ضربة من العقوبات الأميركية.

 

الصقر الديموقراطي وجذوره اليهودية

وبلينكن يُعد من صقور الحزب الديمقراطي لديه أفكار معادية للعرب أيّد ضرب العراق وغزو ليبيا، ولا يُمانع تسليح الجماعات المعارضة في سوريا ضد النظام. وبشأن سوريا قال مرة “على إدارة (أوباما) أن تعترف بأننا فشلنا… لقد فشلنا في منع خسارة مروعة في الأرواح … هذه سترافقني لبقية أيامي”.

الجذور اليهودية لوزير الخارجية الأميركي الجديد كوّنت نظرته للعالم، وتأثر بشكل عميق بزوج أمه صموئيل بيسار، الذي نجا من معسكرات “أوشفيتز” و”داشاو” لإبادة اليهود، فهو قال عام 2013 “عندما أضطر اليوم إلى القلق بشأن الغازات السامة في سوريا، فأنا أفكر حتمًا في الغاز الذي تم التخلص من عائلتي بأكملها”. وفي حين أنه من الداعمين بطبيعة الحال لإسرائيل إلّا أنه ليس “جاريد كوشنير” كما تقول الصحافة الإسرائيلية الذي وجدت تمايزًا بين الرجلين فكوشنير صاحب “العين الزجاجية” و”القلب الجليدي” لا يفكر سوى بنفسه في صلب القضايا التي تهم إسرائيل دون درس العواقب أما بلينكن فلديه “عقل وقلب”.

وفي لقاءات إعلامية عديدة أكد مساعد بايدن أن حل الدولتين للصراع الإسرائيلي سيكون “الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وأيضًا لتحقيق حق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم”. وبدلًا من ذلك، توقع أن تتخذ إدارة بايدن موقفًا “لا ضرر ولا ضرار” من خلال ضمان “عدم اتخاذ أي من الطرفين خطوات أحادية إضافية تجعل احتمال وجود دولتين أكثر بعدًا أو إغلاقها بالكامل”. وكان أدلى بايدن بتصريحات في الأشهر الأخيرة كرر فيها معارضته طويلة الأمد للمستوطنات وأشاد بقرار نتنياهو تعليق خطط ضم الضفة الغربية.

ويبقى أمن إسرائيل هو الهاجس الأكبر للإدارة الأميركي جمهورية كانت أم ديموقراطية وهذا ما يؤكد عليه بلينكن بقوله في حوار تلفزيوني “قال بلينكين “أحد الأشياء التي شكلت حقًا دعم بايدن لإسرائيل وأمنها طوال حياته المهنية هو درس الهولوكوست. إنه يؤمن بشدة أن وطنًا آمنًا لليهود في إسرائيل هو أفضل ضمان وحيد لضمان عدم تعرض الشعب اليهودي للتهديد أبدًا مرة أخرى. هذا سبب عميق لعدم تخليه عن أمن إسرائيل، حتى في الأوقات التي قد يختلف فيها مع بعض سياساتها”.

وفي موقف مخالف لإدارة ترامب حيال حملة مقاطعة إسرائيل BDS التي أدرجت على لائحة العقوبات دافع بلينكن عن حق حرية التعبير بما فيها حرية المقاطعة قائلًا إن “الدستور الأميركي يكفل حرية الرأي والتعبير ولكل فرد حقّه في مقاطعة أو أخذ ما يريد”. ودافع يومها عن دعم عضو الكونغرس إلهان عمر التي دعمت حملة المقاطعة.

عارض بلينكن معظم قرارات الرئيس دونالد ترامب وفي مقالة رأي نشرها في صحيفة “نيويورك تايمز” رأى بلينكن أن التحالف العربي للرئيس ترامب مجرد “سراب” لا يقوم على أسس وطيدة لتعزيز استقرار المنطقة. معتبرًا أن تشكيل جبهة “سنية” من دول المنطقة ضد إيران لا يمكن أن يجلب للمنطقة سوى مواجهة طائفية سنية شيعية ونشوء المزيد من الجماعات المتطرفة بحسب قوله.

تصفه الصحافة الأميركية بأنه “المدافع عن التحالفات العالمية” ومن المتوقع أن يحاول ضم شركاء دوليين في منافسة جديدة مع الصين. من بين أولوياته، وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، إعادة تأسيس الولايات المتحدة كحليف موثوق به ومستعد للانضمام إلى الاتفاقيات والمؤسسات العالمية التي تخلى عنها الرئيس دونالد ترامب، بما في ذلك اتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني ومنظمة الصحة العالمية.

ويتحدّر أنتوني بلينكن البالغ من العمر 58 عامًا، من عائلة لها تاريخ طويل مع السياسة الخارجية الأميركية، إذ عمل والده وعمه كسفيرين. شغل بلينكن منصب نائب مستشار الأمن القومي بين عامي 2013 و2015، في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. وبين عامي 2015 و2017، تولى الدبلوماسي الخبير وخريج جامعة “هارفرد” منصب نائب وزير خارجية الولايات المتحدة.

يتحدث بلينكن الفرنسية بطلاقة، إذ التحق خلال طفولته بمدرسة في باريس، قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة ويلتحق بجامعة “هارفارد”. وعمل كاتبًا لصحيفة “ذي نيو ريببلك”، ونال درجة الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، ومارس القانون في مدينتي نيويورك وباريس.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى