مجتمع

التنمر الالكتروني رصاصة في رأس المنتحرين

مواطن يعترف لـ "احوال": كنت أشفي جروحي بالتنمر

منّ منّا لم يتلعثم بكلمةٍ  يوماً ما؟ منّ منّا لم يُخطئ بقراءةٍ ما؟ منّ منّا لم يكسب أو يفقد وزنًا وتغيّر جسمه بشكلٍ ملحوظ؟ إذن، القليل منّا لم يتعرّض للتنمرّ الآيل إلى التزايد مؤخرًا مع تطوّر تكنولوجيا الإنترنت.

وتشير الأبحاث الأخيرة في هذا الشأن، إلى أنّ ما يصل إلى 7 من كل 10 شباب قد تعرّضوا  للإساءة عبر الإنترنت في مرحلة ما، بحسب ما ذكرت دراسة عن الموضوع نُشرت على موقع الأمم المتحدة الإلكتروني.

كان التنمّر سابقًا يعرف حدودًا جغرافية وزمنيةً معيّنةً؛ أمّا في أيامنا هذه، أصبح التنمّر تلك الرصاصة العابرة للقارات غير آبهة لا بالزمان ولا بالمكان ولا بالأشخاص ولا حتى بالجمعيات المختصة.

وفقا للدراسة عينها، واحد من كل ثلاث ضحايا للتنمّر قد تعرّض لأذى ذاتي من جراء ذلك، وأقدم 1 من كل 10 على محاولة الانتحار.

التنمّر لا يستثني ظاهرة

أضحت شبكات التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية في أكثر الأحيان منصّات للتّهكم والتنمّر عن بُعد، بحريٌة مطلقة وبفوضى مشرّعة.

تفيد الدراسة التي نُشرت على موقع الأمم المتحدة الالكتروني،  بأنه”على مدى فترة استغرقت أربع سنوات، وبعد تحليل 19 مليون تغريدة، وجد تقرير “Ditch the Label and Brandwatch” أنّ هناك ما يقارب 5 ملايين حالة من حالات كراهية النساء على موقع “تويتر” وحده. فيما نسبة 52% من إساءات كره النساء المسجلة كانت قد كُتبت بواسطة نساء، وغالباً ما استهدفت المظهر والذكاء والتفضيلات الجنسية للنساء الأخريات. ووجد التقرير أنّ هناك 7,7 ملايين حالة من حالات العنصرية، و390,296 حالة من رهاب المثلية، و19,348 رسالة تتعلق برهاب المتحولين جنسياً قد تم إرسالها على تويتر.

التنمّر الإلكتروني ما هو إلا كرة نار يرشقها المتنمّر بإتجاه المتنمّر عليه، فتحرق مكانها مخلّفةً أضرارًا جسديّةً ونفسيّةً، سوف نطلّع عليها من جانب “الجلاد” و”الضحية” والناحية النفسية.

فراس: طفولتي البشعة جعلتني أتنمر

استطاع موقع “أحوال” كسب ثقة شخص كان يمارس التنمّر الإلكتروني بإستمرار، ويقول فراس: “طفولتي دفعتني للتنمّر”؛ قصر قامتي كان محطة تهكّم في الحيّ وفي المدرسة، وصولا إلى أيام الجامعة؛ “كنت ذاك القزم” بأعين الجميع! ما دفعني  للإنتقام من وراء الشاشة وخلق حسابٍ وهميٍّ للتنمّر على أي شخصٍ يقع تحت نظري.

يتابع فراس: ” وفي كل مرة كنت أجرح شخصًا بتنمري كلما شفيت جروحي. كنت أسعى جاهدًا أن أذوّق من أتنمرّ عليه ما تذوّقته في صغري…”، علماً انني خجولٌ في المجتمع وأظهر لبقًا، لكن فور عودتي إلى شاشة هاتفي، أطلق العَنان لتهكمي وتنمري لأشعر بتلك السلطة التي مورست عليّ حين كنت صغيرًا.

ويكشف: “بقيت على هذه الحال لغاية عمر الـ 28 سنة حين أيقنت أن التنمّر يعزّز شعور الكراهية لدي، بعدما يرجعني إلى ذكريات طفولتي الأليمة، خصوصًا أنّ من أتهكّم عليهم ليسوا لهم أي علاقة بماضيّ البشع، فقررت التوقف عن ممارسة التنمّر الإلكتروني، خصوصًا أنني أدرك العذاب النفسي الناتج عن هذه الآفة.”

جاد: يتنمرون لأني “بحب أرقص”

على الضّفة الأخرى للتنمّر الإلكتروني، يقف المتنمّر عليه الذي يتلقى السخريّة والإهانات ما يخلق لديه مشاكل وعقد نفسية.

“أحوال” إستمع إلى “جاد”، شاب في العشرين من عمره يهوى الرقص الشرقي، ولديه إدمان على مواقع التواصل الإجتماعي تحديدًا تطبيق “تيك توك”. “مع كل فيديو لمشهدٍ لي وأنا أرقص، تمطر عليّ الإهانات والتعليقات اللأخلاقية”.

يضيف كاشفًا: “مش من زمان زرت طبيبًا نفسيًا” أخبرته بكلّ ما أشعر به عندما أقرأ عبارات التنمّر بعد نشري لفيديوهات رقصي… بعد عدّة جلسات نصحني بأن أتجنبّ نشر فيديوهاتي على الإنترنت وأن أتواجد في أماكن مع ناسٍ تقدّر موهبتي.”

يختم “جاد” مبتسمًا تلك الإبتسامة الخجولة: “الحمدلله بفضل علاجي إستطعت أن أتصالح مع نفسي، ولكن للأسف بقي ذلك الجدار مبنياً عند بعض فئات المجتمع التي ترفض تقدير فنّ الرقص عند الشباب، وتتنمّر بمجرّد طرح الفكرة”.

أسباب التنمّر النفسية

وعن الأسباب النفسية لهذه الآفة التي تفتك بالمجتمع، تحدثنا مع الأستاذة الجامعية ومحلّلة السلوك البشري لورنس عجاقة التي عزت السبب الأول للتنمّر كون العديد من المتنمرين ضحايا للتنمّر مما جعلهم يشعرون بعدم القيمة والغضب، وبالتالي يبدأون بالتنمّر على الآخرين. لافتة إلى أنّه  بالإضافة إلى الشعور بالوحدة وعدم الأهمية، يلجأ الفرد إلى التنمّر من أجل اكتساب الإهتمام والشعور بالقوة.

وتشير عجاقة إلى سببٍ أساسيّ وهو معاناة المتنمرين من اضطرابات في منازلهم، مثل الإساءة اللفظية والجسدية والجنسية والعاطفية وغيرها، مما يؤدي بهم إلى مضايقة الآخرين لتجنب غضبهم االمكبوت، مشددة على أنّ المتنمر هو ضحية أيضًا.

من آثار التنمر: تعاطي المخدرات والانتحار

أما عن آثار وعواقب التنمّر، فتوضح محلّلة السلوك البشري أنّ التنمّر يؤثر على الضحية والمتنمّر والجمهور، وتأثيرات التنمّر كثيرة، بما في ذلك العقلية والنفسية والعاطفية، لدرجة تعاطي المخدرات والانتحار.

من ناحية التأثير على الضحية، تشرح عجاقة: “غالبًا ما يعاني الأولاد الذين يتعرضون للتنمّر من الإحباط والقلق والحزن الشديد والوحدة واضطرابات النوم والأكل، كذلك من عدم الرغبة بمزاولة النشاطات، ومن مشاكل صحية، وتراجع في الدراسة. وقد يتغيبون عن المدرسة أو يرفضون الذهاب اليها، مع العلم أنّ واحدًا من كل عشرة يتركون المدارس بسبب التنمر.” وتلفت إلى أنّ التنمّر الانتحاري هو ثالث سبب رئيسي للوفاة بين المراهقين.”

وتتابع عن التأثيرات على المتنمّر قائلةً: غالبًا ما يعاني الأطفال المتنمرون من ما يلي: تعاطي الكحول، والتدخين والمخدرات، والاشتراك في شجار، وترك المدرسة، والأنشطة الجنسية المبكرة، وقد يكون لديهم علاقات مسيئة مع أشخاص مقربين (الأطفال، الأهل)، كما وقد يرتكبون جنايات عديدة.

نصائح لمواجهة التنمّر

وبشأن كيفية التعامل مع التنمّر تنصح عجاقة بالتالي:

لا تردّ على التنمّر مثل المحادثات أو أي شيء آخر.

لا تدع المتنمر يشعر بأنه تمكن من إيذائك.

إعلم أنك قوي وكل ما عليك فعله هو إظهار هذه القوة.

تجنّب المتنمرين وحاول أن تكون مع أصدقائك.

تعزيز عوامل الثقة بالنفس والفخر وقوة الشخصية لدى الأطفال.

بناء علاقة صداقة مع الأطفال منذ الصغر والتواصل معهم في كل وقت.

تدريب الأطفال على رياضات الدفاع عن النفس لتحسين قوتهم الجسدية والنفسية.

عرض المتنمّر أو الضحية على طبيب نفساني.

 

الكوّن يعجّ بمليارات البشر، فإن لم يعجبك واحدًا أو مئةً أو ألفًا من الاشخاص، استدر نحو من يعجبك ودع من لم يعجبك وشأنه لربّما تؤمّن راحتك وتضمن إحترامه عبر صون حريته وأسلوب عيشه الخاص.

ونستشهد بالقول المأثور للرئيس التنفيذي ومؤسس مؤسسة “Ditch the Label”، الخيرية للمساواة ومكافحة التنمّر: “… إن العالم المترابط يتطلب وجود معايير إتصال يلتزم بها الجميع. ومع وضع هذا الهدف بعين الاعتبار، فلا تزال أمامنا رحلة طويلة.”

فادي سلامة

 

 

 

 

 

 

فادي سلامة

صحافي ومتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي. حائز على شهادة ماجستير في الصحافة وعلم التواصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى