صحة

تأخّر النطق عند الأطفال قد يكون مؤشراً لمشاكل خطيرة

أخصائية النطق ريم زين الدين لـ"أحوال": نحن أمام ظاهرة التأتأة عند الأطفال نتيجة أزماتنا المريرة

نحن لسنا بخير. الأزمات التي نعيشها ترخي بظلالها على الجميع. كبار يعيشون على أدوية الأعصاب، وصغار يتلعثمون ويتأتؤون.

نظن أن الاطفال لا يدركون الصعاب لكن الحقيقة غير ذلك. فهؤلاء هم الظاهرة الخفيّة التي تحمل الوجع بصمت ودون تبرّم أو تأفّف، متروكون لبراءتهم التي ستكبر على تشوّه.

وأوّل مظاهر هذا الوجع هو عدم النطق السليم والتأتأة والتوحّد. أخصّائيّة النطق  ريم زين الدين تتحدّث في مقابلة مع “أحوال” عن هذه الظاهرة التي تنتشر عند جيل الأطفال في لبنان.

إقفال المدراس أفقد الأطفال مهارة التكلم والتواصل

تقول ريم “بعد أن بدأت “ثورة 17 تشرين” وما رافقها من شغب وقطع طرقات اضطرت المدراس أن تقفل أبوابها ومعظم الطلاب بقيوا في البيوت، فخسروا الى جانب دراستهم النظام والانضباط الذي كانوا قد اعتادوا عليه في المدرسة.

أما الأطفال الصغار في الصفوف الدراسية الأولى فهؤلاء فقدوا بسبب عدم ذهابهم الى المدرسة  التواصل مع الأطفال الآخرين، وبالتالي فقدوا مهارة التواصل والكلام”.

أما الوجع الأكبر والمشكلة الأكبر فيكمن عند الأطفال ذوي الإعاقة فهؤلاء أصبحوا بلا مدرسة وبلا علاج وهذا فاقم من حالتهم وأخّر في تقدّمهم.

وتضيف ريم “وبعد ذلك بخمسة أشهر أتت جائحة كورونا لتمنع الجميع من الخروج، وبات صعباً على الأهل السيطرة على نظام الحياة الجديد والأطفال ملَوا من المكوث في البيت ولم يعد أمامهم سوى I pad أو tablet ليتسلوا، دون وعي بأن هذه الألعاب تساهم في وحدة الأطفال وفي قدرتهم على التواصل مع الآخرين، وباتوا مجرّد متلقّين ومشوّشين ولا يدركون كيف سيوظفون هذه المعلومات بشكل صحيح. ودخلوا في عزلة وغربة عن مجتمعهم وعن أهلهم”.

 

التأخر الذهني سمة لدى الأطفال في زمن كورونا

وتضيف ريم بأن سمة التأخر باتت ظاهرة عند الأطفال سواء في قدراتهم وفي تواصلهم وفي تعبيرهم. والأهل هنا يحاولون أن يعلموا أطفالهم من المنزل لكن كثر منهم حكمهم اليأس وضاقت بهم السبل ما ساهم في تأخّر دراسي وتأخّر عام عند العديد من الأطفال.

المتضرر الأكبر من كل هذه الظروف التي ترافقت مع كورونا ومع الغلاء والانهيار الاقتصادي كان الأطفال الذين يتلقّون العلاج.

تقول ريم :” الكثير من الأطفال الذين لديهم جلسات فزيائية أو نفسية أو نطق توقفت جلساتهم بسبب عدم قدرة الأهل على ذلك بعد أن خسروا وظائفهم وتراجعت حالة هؤلاء الأطفال من عدة نواحٍ”.

تتابع “كما وأن العديد من الأهل نقلوا أطفالهم من مدراس خاصة الى مدراس رسمية لأن أوضاعهم المادية لم تعد تسمح مادياً وهذا أثر على الأطفال سلباً، لأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان والاستقرار النفسي والمعنوي في البيئة الجديدة، وباتوا يشعرون بالغربة والضياع، خاصّة أولئك الذين عندهم تأخّر بالنطق أو يعانون من صعوبات تعليمية وباتوا يواجهون مشاكل جديدة مضافة الى مشاكلهم الأساسية وهي التنمر والاستهزاء بهم”.

وتضيف “نحن نعلم أن في المدراس الرسمية لا يوجد معلمة مساعدة أو ما يعرف بـ shadow teacher هذه المعلمة التي مهمتها مساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تراقبهم وتهتم بهم حتى يكونوا قادرين على مواكبة رفاقهم في الصف. وهنا كان الضياع أكبر”.

 

الحجر المنزلي أفقد التواصل الجيّد بين الأهل والطفل

ومؤخراً ومع فترة الإقفال العام للبلد ومنع التجوّل والحجر المنزلي، انزوى الاطفال في المنازل أسوة بالكبار ما تسبّب بضغط ٍ نفسي على الأهل والأطفال معاً ، ونشأت تصادمات وصراعات فيما بينهم وباتت لغة الحوار فيما بينهم هي الصراخ في معظم الأحيان. وفقد الاطفال لغة التواصل الجيدة التي تنمي أذهانهم وتحثهم على الأفضل.

 

أطفال يعانون التأتأة

أما الكارثة الكبرى التي تركت أثرها على جزء كبير من أطفال العاصمة كان انفجار 4أب الذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير على حد تعبير ريم. أذ هُجّرت الكثير من العائلات والكثير من الأطفال باتوا يحكون لك قصة تهجيرهم ويعيدون القصة مرات عدة، وبأنهم صاروا بلا مأوى وبلا ألعاب وهؤلاء الأهل في غالبيتهم لم يعد قادرين على معالجة أطفالهم أو عرضهم على اخصائيين لمساعدتهم، وبدون مبالغة أغلبية أطفال المنطقة المتضررة من بيروت جراء الانفجار باتوا يعانون من التأتأة ومن الخوف والقلق والتبوّل لا أرادي وبات أهاليهم يعتبرون عرض علاج أطفالهم ترف في خضم واقع مادّي صعب.

عندما يتأخّر الطفل في الكلام او يلفظ الأحرف بشكل خاطئ هل يجب أن نتساهل ونقول  غداً يكبر ويتعلم. تقول أخصائية النطق ريم زين الدين:”هذه المشكلة قد تكون كبيرة ويجب حلها سريعا قبل أن تتفاقم. ويصبح النطق عند الأطفال صعباً أو مستحيلاً.

فنحن نعمل عموماً مع الأطفال من عمر 10 أشهر وما فوق . الحالات التي نتعامل معها هي حالات تعاني من تأخّر لغوي أو أطفال يلدغون بالأحرف أو لديهم تأتأة. بالإضافة الى كل الاطفال الذين عندهم احتياجات خاصة down syndrome او لديهم توحد او شلل دماغي أو تعرضوا لحادثة معينة أثرت على دماغهم وصار عندهم تأخر في بالنطق أو توقف عن الكلام.”

وتضيف ريم :”هناك أشخاص كبار أو صغار قد يتوقفون عن الكلام فجأة نتيجة إصابتهم بفالج ويصبح عندهم مشكلة في النطق ونحن مهمتنا إعادة النطق عندهم. وكلّما كان الضرر في الدماغ كبيراً والمنطقة المسؤولة عن النطق واللغة  متضرّرة  كلما كانت مهمتنا صعبة . ودوماً مساعدة شخص صغير فقد النطق أسهل من شخص كبير لأن التفاعل يكون أسرع وفعّالاً”.

 

راقبوا أطفالكم من عمر 10 أشهر

وتشرح ريم بأنه “يجب عدم التهاون بأنّ طفل عمره عشرة أشهر قد يكون عرضة لمشاكل في النطق، فهناك من يستغرب أنّ لدينا أطفال بهذا العمر يخضعون للعلاج. نحن نعتبر أنّ الكلام والمفردات لا تبدأ سريعاً عند الطفل الصغير. فهو يبدأ بسماع أصوات ثم يخرج أصواتاً ومقاطع صوتية ومن بعدها تدريجياً يبدأ بالكلام . الطفل السليم يبدأ بعمر التسعة أشهر بإخراج اصوات مثل ماما او بابا وهي تخرج منه بسهولة دون جهد لأنها لا تشمل اللسان أو الأسنان هو في هذا العمر يستعمل فقط الشفاه.

وفي حال ظهر للطبيب  أثناء التشخيص أن الطفل يعاني من شلل دماغي هنا علينا ان نبدأ مباشرة بمساعدته ليس فقط من أجل النطق، بل من أجل ازالة التشنج أيضاً، وكلما كان العلاج مبكراً كلما كانت النتيجة أسرع وأفضل. وإلا سيصبح هذا الطفل أبكمً”.

وتتابع “في حال كان هناك طفل سمعه جيداً وسليماً ولا يوجد أية مشكلة في أعضاء النطق التي هي اللسان والخدود والأسنان والشفاه ولا يوجد أي تأخر عقلي، هنا يكون عملنا بسيطاً جداً وهي تعليم الطفل تقنية اللفظ لاستعمال أعضاء النطق عنده حتى يستطيع إصدار الاصوات ويلفظ بشكل صحيح”.

وعن الأهل تقول إنّهم ينبغي ألا يغضّوا النظر عن طفلهم في حال كان يلفظ بشكل  خاطىء أو يجد صعوبة في ذلك، وهناك من يعتبر أن هذا أمراً طارئاً أو ظريفاً لكن هذا الطفل حينها سيكبر وهو يلفظ بشكل خاطئ.

وتحكي ريم عن علاقة مشاكل النطق بالمشاكل النفسية التي  تأتي نتيجة مشاكل عائلية وبيئية أو خلافات داخل البيت أو نتيجة تعنيف، وهنا المشكلة قد تتخطى مجرد لفظ الأحرف وممكن أن يصاب الطفل بالتوحّد، ويقرّر فجأة التوقف عن الكلام.

وعن الوقت الذي يحتاجه الطفل حتى يسترجع قدرته على النطق والتعبير تقول ريم: “لا يمكن أن نعطي وقتاً معيّناً حسب كيف يتجاوب الطفل ومدى استعداده. هناك طفل يتجاوب من أوّل جلستين وآخر قد يستغرب ويخجل ويحتاج وقتاً أطول . فبعد الجلسات الأولى يمكن أن نحدّد الوقت بشكل أدق ونقول قد يحتاج أربعة أشهر أو أكثر وهنا حسب عدد الأحرف التي يجب العمل عليها في تصحيح نطقها”.

فهناك أطفال ليس لديهم مشاكل في النطق فحسب، بل أيضاً لديهم صعوبات تعليمية وعلى الأخصائي هنا أن يعمل على الاتجاهين معا في اللفظ والقراءة والكتابة.

وعن طول الجلسة تقول ريم:”اذا كان الطفل صغير جداً يكفي أن تكون الجلسة نصف ساعة وإذا كان فوق 12 سنة ويعاني من صعوبات في النطق والـتأتأة وأسباب نفسية تمتد الجلسة الى 45 دقيقة . دوماً حسب طاقات كل طفل وتحمّله وقدراته على الاستيعاب والتركيز. كل حالة  ندرسها على حدا فهناك السهل وهناك الصعب. عموماً الأسهل هو التعامل مع طفل عنده مشاكل فقط في لفظ الأحرف ولا يعاني من تأخر عقلي، والأصعب هي الحالات النفسية أو إذا  كان الطفل  يعاني من التوحد . فهنا الطفل لا يوجد عنده تواصل بصري أو تواصل لغوي . هنا علينا الغوص في داخله لنعرف كيف نتواصل معه .” .

 

كيف تعرف أن طفلك لديه مشكلة في النطق ؟

أما كيف  يعرف الأهل أن طفلهم عنده مشكلة في النطق  تقول ريم :

“على الأهل أن يراقبوا جيداً مسألة تطور النطق عند الطفل، ففي عمر السنة يجب الطفل أن يقول بعض الكلمات وفي عمر السنة والنصف يجب أن يعبر بشكل أفضل ويقول أريد أن أشرب أو أكل وفي عمر 3 سنوات يجب أن يقول جملة طويلة . وفي عمر 4 سنوات يجب أن يتكلم بشكل صحيح . ودوماً يجب كشف الأمور بشكل مبكر لأنه كلما تأخر الوقت كلما كانت النتيجة والعمل أصعب”.

وتعطي ريم نصيحة للأهل الذين  يتكلمون باللغة الأجنبية مع أطفالهم ولا يستعملون العربية، وعندما يذهب هذا الطفل الى المدرسة يتفاجأ الطفل أن هناك شيء أسمه اللغة العربية ويجد صعوبة في تعلمها ولفظ الأحرف بها وتخرج الكلمات مشوهة من فمه . فنحن هنا دوماً نقول للأهل إننا في بلد عربي ولغتنا هي العربية وهي الأساس الذي يجب أن يبدأ الطفل بتعلّمه ثم نبدأ معه باللغة الأخرى الإنكليزية أو الفرنسية . خاصة وأن في لغتنا  أصوات صعبة مثل “ض” أو “خ” أو “غ” وأصوات متشابهة مثل “ص و س” أو “ذ و ز”.

كمال طنوس

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى