شُوهِد في منطقة المنصورة في البقاع، شرق لبنان، عصفور “دوري” أبيض اللون، تندُر رؤيته في الطبيعة، ويُعرف بـ”الألبينو الجزئي” أو Leucistic، لاحتمال وجود تلاوين في عينيه.
والتقط خبير الطيور في جمعية حماية الطبيعة في لبنان ماهر أسطة، صورًا للعصفور المميز رفقة مجموعة من فصيلته، وكان هو الوحيد الملون بالأبيض الناصع.
وقال اسطة، في حديث لـ “أحوال”: “تفاجأت بمشاهدة هذا الدوري الأبيض يوم أمس ضمن سرب من طيور الدوري ذات الألوان المتباينة بين الرمادي والبني، وكان فرحي لا يوصف، وكأني ربحت الجائزة الكبرى في اللوتو، لذا عدت اليوم وتمكنت من التقاط صور له”.
ويجذب “الدوري” الأبيض انتباه محبي الحيوانات والتصوير في أحضان الطبيعة، فاختلافه عن زوجه وبقية أفراد فصيلته يبعث على الاستغراب والحيرة لدى كثيرين.
طائر نادر
غالباً ما تُدهشنا الطبيعة، وفي الدهشةِ سحرٌ وجمال، ما يفضي دائماً إلى أسئلة حيالَ ما نواجهُ من تحديات وأخطار: هل نستحق الطبيعة؟ وهل نحن على قدرِ الأمانة؟ وتالياً، ما هي مسؤولياتنا، أفرادا ومؤسسات وجهات رسمية وأهلية؟
وثمة أسئلة أيضاً، خصوصاً وأننا نمعنُ في قتل لكائناتها وتخريب معالمها، من الصيد البري إلى الحرائق المفتعلة والتوسع العمراني، وما بينهما من ممارسات طاولت ثالوث الطبيعة المقدس: الماء والتربة والهواء، وبدلا من أن “نمتشقَ” كاميرا لتوثيق الجمال، نؤثر حمل البنادق لقتل أصغر الكائنات وأضعفها، أي الطيور العابرة والمقيمة، وهذا ما نشهده اليوم مع الصيد الجائر في ظل قانون لا يمتثل له إلا عدد قليل من المؤمنين بالاستدامة وحاملي لواء الصيد المسؤول.
في الجانب النقيض، وفيما نستيقظ مع إطلالة كل فجر على صوت بنادق الصيد وآلات تقليد أصوات الطيور، نرى أن ثمة من يعيد إلينا بعضاً من أمل، ويساهم في ردم الهوة الواسعة بين العبث والتخريب من جهة، والإستدمة بكل موجباتها وعناصرها من جهة ثانية، وشتان بين من يقتل وبين من يحمي ويصون، وهذا ما تجلى بالأمس في صورتين متناقضتين، مئات الطيور العابرة مقتولة ومتدلية من سيارات، أو معروضة على صفحات التواصل الإجتماعي، وطائر نادر رصدته “عين” كاميرا خبيرة، وثقت الجمال بدفء المحبة.
ولا نستغرب أن يدفعنا الفضول للتعرف على ما تجود به الطبيعة من مشاهدات لكائناتها المختلفة ولا سيما النادرة منها، لترضي شغف العالم وفضول المواطن العادي، وهذا الأمر تحقق بالفعل للخبير في مجال الطيور في جمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL ماهر أسطة، بعد أن تمكن من توثيق طائر دوري أبيض نادر للمرة الأولى في لبنان.
وهي ليست المشاهدة الأولى في الشرق الأوسط لطائر دوري أبيض، إذ تم رصد حالة سابقة في تركيا في العام 2018، كما هناك حالات متفرقة حول العالم، ومنها على سبيل المثال في أستراليا عام 2017، وبريطانيا عام 2010.
أسطة: استقطاب للتنوع البيولوجي
وقال أسطة لـ “أحوال” أن “المنطقة التي تم فيها توثيق مشاهدة هذا الدوري النادر، في أرض في منطقة المنصورة نعمل فيها ضمن مشروع منذ حوالي سنة، وكانت عبارة عن صحراء بيولوجية Biological Desert، وبدأنا باعتماد أساليب الزراعة العضوية، ومنها عملية التسبيخ، لنشهد بداية استقطاب للتنوع البيولوجي، إذ وثقنا فيها خلال سنة أربعة أنواع من البرمائيات Amphibians، وستة أنواع من الزواحف Reptiles، وأنواع مختلفة من ديدان الأرض Annelids، وأنواع عدة من الحشرات، بالإضافة إلى أنواع من الطيور وأكثر من ألف طائر من طيور الدوري التي وجدت فيها غذاء متنوعا، من بذور النباتات والحشائش البرية بالإضافة إلى الحشرات”، لافتاً إلى أن “طائر الدوري يعرف بالدوري الشائع أو دوري المنازل House sparrow واسمه العلمي Passer domesticus”.
الحد من الصيد الجائر
وتابع أسطة: “بالعادة فهذا الطائر ذو اللون الأبيض لا يعيش كثيرا، كونه غير مموّه Camouflaged مثل طيور الدوري الأخرى، لذا من السهل على المفترس أن يشاهده ويصطاده، ولكن كون المنطقة محاطة بالبيوت ولا وجود لهذا الخطر أي المفترس الطبيعي Natural Predator، فنتوقع أن يعيش ويتكاثر، ونأمل أن يكون لديه بعض الفراخ التي تشبهه”.
وأردف” “كون الكاميرا التي أستخدمها ليست متخصصة ودقيقة تماما، لم أتمكن من تحديد إن كان هذا الطائر أمهق تماماً Albino أي أنه أبيض، فيما عيناه حمراوان لعدم وجود الصباغ الخاص الموجود بطائر الدوري العادي، أو Leucistic، أي أن معظم ريشه أبيض ولكن عينيه سوداوين مع وجود بعض الريش الملون في جسمه، وإن كنت أرجح أن يكون Albino، وإن ثبت هذا الأمر، فإن هذا الإكتشاف نادر للغاية، ويقدر بأنه يشاهد مرة في المليون، والأول من نوعه في لبنان والشرق الأوسط”.
وأمُل أسطة أن “يساهم هذا الإكتشاف في توعية المواطنين للحد من الصيد الجائر، وتوازيا تشجيع الدورة الإقتصادية المستدامة عبر السياحة البيئية بتنظيم رحلات لتصوير الحياة البرية ولا سيما هذا الطائر النادر وغيره”.
سوزان أبو سعيد ضو