رقاقة الرأس نيورالينك وجه جديد للتّباعد الاجتماعي
شهد العصر الحاليّ تغيّرات كبيرة في حياة الإنسان على صعيد التّكنولوجيا، الّتي دخلت إلى حياة الجميع وغيّرتها إلى حدّ كبير، إلّا أنّ الأمر قد يكون مُختلفًا بالفعل من اليوم فصاعدًا. فبعد إعلان رجل الأعمال وصاحب شركة تسلا، إيلون ماسك عن شريحة نيورالينك Neuralink الّتي يتم زرعها في رأس الإنسان، بدأ الحديث عن إمكانيّة تغيير هذه الرّقاقة لصورة الإنسان وطبيعته.
إيجابيّات رقاقة نيورالينك
وعد ماسك عند إعلانه عن الرّقاقة، أنّها ستكون قادرة على معالجة مشاكل صحّيّة عديدة لم يعالجها الطبّ حتّى الآن، كالباركينسون، والشلل، والعمى، والحالات العصبية، والجلطات الدماغية، وحتّى الزهايمر. وستشارك هذه الرّقاقة في صناعة مستقبل التّكنولوجيا والإنسان، حيث أنّها تسمح لزارعيها وبخاصّةٍ أولئك الذين يعانون من حالات عصبية، التحكّم في الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر بأذهانهم عبر ربط عقلهم بأجهزة إلكترونيّة لا سلكيًّة.
هذا، ويتمّ وصل رقاقة “نيورالينك” بالمؤشّرات العصبيّة، وأماكن الشّعور والإحساس والتّحكم الخاصّة بالإنسان، بحيث تدعم الوظائف الدّماغيّة. ويسعى إيلون ماسك من خلال اختراعه، إلى تحسين نوعيّة حياة الأشخاص الّذين يعانون من صعوباتٍ في التّحرّك وحتى في التّواصل، الأمر الّذي قد يُغيّر فعلًا مستقبل الإنسان والبشريّة.
معالجة الكآبة وانفصام الشّخصيّة
يجد العديد من العلماء بـ”نيورالينك” وجهًا جديدًا للذّكاء الإصطناعيّ وطريقةً فعّالة في مساعدة الإنسان، ليس في المنحى الفيزيولوجيّ فقط، ولكن أيضًا على صعيد الّصّحّة النّفسيّة.
المتخصّص في الطّبّ النّفسي الدكتور دايفيد بيودر، يعتبر نيورالينك إحدى التّطوّرات التّكنولوجيّة الّتي قد تساعد في معالجة الكآبة، ويقول: “تتمتع نيورالينك بإمكانيات كبيرة كعلاج الإكتئاب المقاوم للعلاج. هذا النوع من الاكتئاب هو أكثر أشكال الاكتئاب شدّة، وغالبًا ما يتطلب قضاء المرضى أكثر من خمس سنوات مع طبيبهم النّفسيّ.
إلى ذلك، يمكن أن توفّر تقنيّة الاتصال العقليّ – الآليّ “BMI”، الأكثر تعقيدًا، الفرصة لمراقبة الشّبكات العصبيّة عن كثب، وضبط التّنظيم الدّقيق للمجموعات المختلّة من الخلايا العصبيّة، وتخصيص العلاجات الفرديّة”.
ويرى د. بيودر أنّ التّقنيّة قد تُحقّق تقدّمًا بارزًا في علاج الإنفصام في الشّخصيّة؛ مردفاً “يمكن أن يصبح التّعديل العصبي المباشر عبر أنظمة مثل نيورالينك أو التحفيز العميق للدماغ “DBS”، مفيدًا في علاج الفصام الحاد عندما لا تستجيب أعراض الشخص للعلاج بالكلوزابين”.
ووجدت دراسة أُجريت عام 2016 أنّ العلاج عبر تقنيّة الـ DBS الّتي تُزرع وتٌفعّل في الدّماغ قد يُسهم في تقليل أعراض الفصام.
السّلبيّات والتغيّرات في مفهوم الإنسانيّة
ما يقلق البعض بالفعل، هو أنّ الرّقاقة قادرة على تخزين أحلام الإنسان وذكرياته، عبر ملفّات يستطيع الشّخص استرجاعها ساعة يشاء، بالإضافة إلى أنّها ستساعد في تحكّم الإنسان بمشاعره كالحزن والغضب، عبر استرجاع لحظات جميلة، أو عبر موجات خارج التّردد والسّعة الطّبيعيّة، أو عبر موازنة مستويات هورمونات معيّنة في العقل، ممّا سيقلّل نسبة التّوتّر ويعالج الكآبة.
ويجد البعض في هذا الاختراع خطرًا على مستقبل الإنسان ومشاعره الإنسانية. فبالرغم من الجوانب الإيجابيّة العديدة الّتي يعد هذا الاختراع بتقديمها، بالإضافة إلى النّقلة النّوعيّة الّتي قد يشهدها المجال الطبيّ، إلّا أنّ الخوف يكمن في مقاربة الإنسان لمشاعره، ولكن ما هي التّداعيات العاطفيّة والنّفسيّة على الإنسان؟ وهل تتغيّر صورة المجتمعات والعلاقات الإنسانيّة؟
المتخصّصة في علم النّفس والمدرّبة على الحياة إليزا حاطوم، تقول لـ”أحوال” إنّ “مفهوم الإنسان والإنسانيّة سوف يتغيّر. نحن نتميّز بمشاعرنا ونتصرّف على أساسها، وفي حالة التّحكّم بهذه المشاعر سوف يكون الشّخص سعيدًا طوال الوقت. سنفقد بذلك التّعاطف مع الآخر، وبالتّالي سنفقد المشاعر الّتي تحثّنا على القيام بتصرّف إنسانيّ معيّن”.
البعد عن الواقع
تؤ كّد حاطوم على أهمّيّة الحزن والوجع في حياتنا، لدورهما الأساسيّ “في التّعلّم من أخطائنا كي نتطوّر. الحزن موجعٌ طبعًا لكنّه من الأساسيّات لنُكمل الحياة”.
حاطوم تؤكّد على أنّ استرجاع الذّكريات بتفاصيلها أمرٌ مؤذٍ وموجع، بحيث قد يعيش الإنسان التّعاسة عدّة مرّات. تتابع حاطوم بالإشارة إلى أنّ الأمر بالفعل قد يزيد من تعاسة الإنسان على عكس ما يعتقد البعض. وتضيف “ما يُميّز الإنسان أنّه يستطيع النّسيان. يتذّكّر بالطّبع لكنّه لا يستطيع الدّخول إلى ذكرياته وعيشها من جديد، حتّى وإن كانت ذكرى سعيدة إلّا أنّه سيعيش واقعًا ليس واقعه”.
وتعلّل حاطوم التّأثير الكبير الّذي تراه في المستقبل بأنّ معايشة التفاصيل الحياتيّة اليوميّة من أساسيّات الحياة النفسيّة الصحيّة.
وتختم بالقول ” التّأثير النّفسيّ أكيد، لأنّ الإنسان سيفقد تفاصيل الحزن والفرح؛ وبعد زرع شخصٌ ما هذه الرّقاقة، كيف سيتعايش في حالات الحزن الحياتيّة مع أشخاصٍ لم يزرعوها؟ من الصّعب أن يتأقلم مع أشخاصٍ تتصرّف بشكلٍ طبيعيّ وتلقائيّ، وهذا سيؤدّي إلى صراعٍ نفسيّ في المستقبل”.
يفتقد العالم مؤخّرًا للكثير من التعاطف بين النّاس في ظلّ الجوائح والضيقة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. فكيف سيكون العالم مع هذا التّطوّر التكنولوجيّ الّذي بات يهدّد بتغيير الطبيعة الإنسانيّة؟ قد يكون هذا المنعطف الجديد للتّكنولوجيا، رغم القفزة النّوعيّة الّتي قد يحملها في عالم الطّبّ، وجهًا جديدًا “للتّباعد الاجتماعيّ”.