الأسيرة هبة اللّبدي تروي لـ”أحوال” رحلتها داخل سجون الاحتلال
حال السجينات: يفتَشن عاريات ويوضعن في براد صغير لأيام
يعتقل العدو سبع وثلاثين امرأة في السجون، هنّ مواطنات فلسطنيات من الداخل الفلسطيني ومن قطاع غزّة. تختلف التهم ولكن فحواها واحد: مقاومة العدو سياسيًا، اجتماعيًا وإعلاميًا.
ومن أجدر بأن يروي تفاصيل الاعتقال ومعاملة العدو للأسيرات إلّا صاحبة التجربة، إنّها الأسيرة الأردنية المحرّرة هبة اللّبدي، أيقونة النضال والحرية، هي التي سُجِنت بتهمة حبّها للمقاومة، دخلت زنزانة العدو وشعارها واحد “القتال حتى النفس الأخير”، لم يبدّله جبروت سجّانها بل ما ازدادت سوى تعنتًا، أضربت عن الطعام وقاتلت باللّحم الحي، وبعد 25 يوماً من الإضراب الكلّي نُقلت اللّبدي إلى المستشفى… وانتصرت.
تنحرم المعتقلة من أدنى حقوقها، تقول اللّبدي لـ “أحوال”، الكاميرات في المعتقل تنتهك أي خصوصية للفرد وبخاصّة أنّ بعض المعتقلات محجّبات، سجّانو المعتقل إناث وذكور يقومون بتفتيش المعتقلات وهنّ عاريات وهذا منتهى الذلّ، يجري التفتيش بشكل يومي عند الخامسة فجرًا ومن تحاول مقاومة التفتيش بأي فعلٍ جسدي أو لفظي تعاقب بالإنفرادي وهو عبارة عن “برّاد صغير” تتقوقع بداخله المعتقلة لتبرد أطفرافها “يعني كأنّنا في برّاد للموتى نموت على البطيء”.
تردف اللّبدي: “المعتقلة أمل طقاقة دخلت الإنفرادي اسبوعًا كاملًا تصلّب جسدها لأسابيع ولا يمكن تصوّر مقدار الألم الناتج عن هذا التصلّب”.
يتوجّه المحتل للمعتقلات باللّغة العبرية، ما يدفع بالمتعقلات لزامًا إلى تعلّم لغة العدو كي لا يكون الإنفرادي مصيرهنّ. مكان المعتقل هو اسطبل خيول قديم، وهو لا يصلح للعيش البشري، ينقسم إلى قسمين واحدٌ للمعتقلات النساء وآخر للأشبال أي للأطفال القاصرين المعتقلين.
يُسمح للمعتقلات بمشاهدة التلفاز ولكن قنوات عبيرية حصرًا وفقط قناة فلسطين المحليّة، أمّا الراديو فإذاعة واحدة هي بالمرصاد إذاعة صوت النور اللّبنانية وهنا تضحك اللبدي قائلةً: “آخر الليل نسمع نشيدًا مقاومًا في السرّ ما يجعلنا نقاوم أكثر وأكثر ما يعطينا دَفعًا نفسيًا وينسينا للحظة المعتقل والسجّان”.
وتكشف اللّبدي أنّ هناك ازدواجية في معايير الأحكام على المعتقلات بين أهل القدس وأهل غزّة، فالفلسطينية المقدسيّة تترواح عقوبتها من عشرة أعوام إلى ستّة عشر عامًا وتُحاكم بتهمة محاولة الطعن لمجرد حيازتها على سكين، أي أنّها تُحاكم وكأنّها فعلًا قامت بعملية الطعن، أمّا فلسطينية الضفة فالحكم الأقصى عليها هو سبع سنوات حتى لو أقدمت فعلًا على فعل الطعن المباشر.
لا شكّ أنّ الاعتقال هو ظلم وتجنٍّ تمامًا كالاحتلال ولكن الأشدّ ظلمًا هو اعتقال الطالبات الجامعيات الفلسطينيات وتهمتهن الوحيدة أنّهن في مجلس الطلاب الفلسطيني، فالمعتقلات ايلياء ابو حجلة وميس أبو غوش وربى عاصي لم يقمن بأيّ فعل استفزازي كالطعن أو المواجهة المباشرة وهو بالمناسبة فعل طبيعي لأي فلسطيني يواجه محتلًّا، إلّا أنّهنّ ورغم ذلك، يوضعن على لائحة الاتهام والاعتقال لممارستهن أبسط حقوقهن الطلابية في الجامعة، بحسب ما تروي الأسيرة.
وتبدو اللّبدي عاتبة شديد العتاب على الصليب الأحمر الدّولي، “الصليب الأحمر عبارة عن مرسال غرام ليس إلّا، لطالما سألوني إذا كنت أريد أن أنقل رسالة إلى أهلي وعندما طلبت منهم فرشاة أسنان لم ألقَ ردًّا لطلبّي لأنّ السجّان لم يسمح لأعضاء الصليب الأحمر بتأمينه لي”.
وتضيف: لا دور للصليب الأحمر، ما زارني أحدٌ من طرفهم إلّا عندما أرادوا منّي أن أفكّ الإضراب، قالوا لي “ستموتين”.
وعن شعورها ما بعد التحرير من المعتقل، تقول “أشعر بالتعاسه لأجل الناس الذين تركتهم يتعذبون هناك، لم أشعر بالحرية بتاتًا، فقط فرحت لأنّي انتصرت عليهم وكسرتُ إرادتهم، عندما غادرتُ الأسر رافقني صوت الأسيرات وعذاباتهنّ وبكائهنّ… الأسر قاسٍ جدًا والبؤس شديد والحياه ظالمة. التجربة عنيفه وصعبه ومرهقة للروح.
وترى اللبدي أنّ ذكر أسماء الأسيرات واجبٌ انسانيّ على المجتمع والإعلام وهنّ “ميس أبو غوش – النائب خالدة جرار – شروق دويات – أمل طقاقة – ليان كايد –إيلياء ابو حجلة – ملك سلمان – نورهان عواد – ياسمين جابر – ربى عاصي – أناس شواهنة – روان ابو زيادة – اية الخطيب – أزهار قاسم – شاتيلا ابو عيادة – مرح باكير – عائشة الأفغاني – شروق البدن – حلوة حمامرة – جهان حشيمة – نوال فتيحة – ايمان الأعور – فدوى حمادة – اسراء جعاييص – نسرين حسن كميل – سمر ضاهر – روان سمحان – ميسون موسى – رنوة شيناوي – رحمة الأسد – تسنيم الأسد – أماني حشيم – ماي مصاروة – ايات محفوظ – هدى حسين – عبير الرجبي- بلسم شرايعة.”
المعتقل يأكل الجسد والروح ويترك المعتقلات فُتات لتقتاتها ذكريات اللّيالي الطويلة الباردة ليكون مصيرهنّ سنين من الفراغ والعلاج من الصدمات النفسية، فالمعتقلة وإن تحرّرت تظلّ روحُها رهن الاعتقال.
ربى حداد