الحريري العنيد يسابق الوقت لولادة حكومية ميسرة
إذا كانت النيّات صافية، كما يشيع أهل السياسة المشاركين في الحكم والحائمين على فرص القبض على حصص جديدة في فتات الدولة، فإنّ الانتهاء من تشكيل الحكومة سيكون قريباً خلال نهاية الأسبوع أو الأسبوع المقبل على أبعد تقدير لأنّ حال البلد لا يحتمل أعباء الكباش السياسي حول التأليف. هذه الخلاصة هي حصيلة ما يرشح عن الاتصالات المواكبة لعملية صياغة الحكومة الجديدة، في ظل جدران الصمت التي تحيط بالمقار الرسمية التي تصر على نفي كل التسريبات عن الأجواء الحكومية.
الغوص في شكل الحكومة ولونها وعدد مقاعدها معلومات غير أكيدة وسط إصرار كل الأطراف على كتمها. وما هو ثابت في المعادلة الحكومية، هو أن الرئيس المكلف سعد الحريري صابر على عناده في تجاوز العقبات والمضي في ولادة حكومية ميسرة كانت أم متعثرة، المهم أن يخرج خلال فترة وجيزة وبأسرع وقت بتشكيلة وزارية من اختصاصيين أصحاب خبرة، ليضع العمل الحكومي على سكة الانطلاق نحو تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار ولو مستخدماً مسببات هذا الانزلاق الذي تراكم خلال مشاركته شخصياً في الحكم.
الحريري “العنيد” يستولد حكومته الرابعة، مصطحباً معه مباركة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مايسترو التفاؤل، ودعمه الراسخ لعودة الحريري الحكومية وتسهيل كبير من ثاني ثنائي بري أي حزب الله، الذي سلّم رئيس المجلس مفاتيح الحلول لتجاوز كل العقبات. بري، الذي يشيع مناخ الإيجابية لزواره والمتصلين به، يحبط أي سؤال عن تأجيل تشكيل الحكومة حتى ترسيم الخرائط السياسية الجديدة للمنطقة بعد الانتخابات الأميركية، مرتكزاً على أولوية الاهتمام بترتيب البيت الداخلي وتوفير شبكة أمان داخلية يتمكن البلد من خلالها مواجهة المتغيرات والرهانات الخطرة، بحسب ما تفيد مصادر مطّلعة لـ”أحوال”، كما يرفض رئيس البرلمان الخضوع لسلبية العُقَد الحكومية ويتفاءل بقرب تذليلها برضى الجميع.
ثلاثي التوافق، المستقبل، حركة أمل وحزب الله، الذي نال أيضاً مشاركة إيجابية على خط الاتصالات كل من النائبين السابقين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية ومن خلفهما الحزب التقدمي الاشتراكي والمردة وعدد كبير من حلفائهم إذاً يعملون بعيداً عن المناورات والتسريبات التي تعبر حقيقة عما يجري خلف الأبواب المغلقة المحاطة بالكتمان. ويرفض الفرقاء الدخول في مهاترات تأزم الأوضاع وتخلخل حصانة المبادرة الفرنسية وتغيّب الاهتمام الدولي بلبنان.
بموازاة التسهيل والتبريك تبقى عقدة التمثيل المسيحي هي العائق الوحيد أمام ولادة الحكومة السريعة كما بات معروفاً، ويجري العمل على تذليلها في أروقة الاتصالات المكتومة تفاصيلها حتى الآن. فيما تبتعد القوات اللبنانية عن المشاركة بموقف ثابت رافض لهذه التركيبة، من المؤكد أن رئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل، سيشارك في هذا التمثيل ولن يجلس على مقاعد معارضة حكومة الحريري لأنها ستكون فعلياً معارضة لعهد رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي فإن باسيل سيكون الآن أو لاحقاً جزئاً من التسوية الحكومية، بحسب المصادر المطلعة التي توقعت أن يقدم الحريري تشكيلة أو مسودة لها في عطلة الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل على أبعد تقدير.
الجميع يريد السير بالتسوية الفرنسية القائمة على تأليف حكومة مهمة تتولى في خلال ستة أشهر للملمة الانهيار الحاصل وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة تُخرج العهد من دوامة التعطيل ويخرج عبرها الرئيس سعد الحريري بصفته منقذاً للوضع الاقتصادي والمالي عبر المؤتمرات الدولية المزمع عقدها في فرنسا وتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي.
في الحسابات الإقليمية والدولية يرى الجميع أن الفرصة مؤاتية لتشكيل الحكومة بعد انضمام روسيا إلى الولايات المتحدة وفرنسا، في دعم حكومة “المهمّة المحدّدة” برئاسة الحريري، وذلك عبر تواصل مكثف من الديبلوماسي الروسي المكلّف بشؤون الشرق الأدنى ميخائيل بوغدانوف الذي أكّد دعم بلاده في اتصالات مع شخصيات لبنانية.
لكن هذا الدعم الدولي لا يغطّي “مرارة” غياب الدعم العربي والخليجي خاصة بالنسبة للحريري الذي ينتظر بخفي حنين التبريك السعودي والإماراتي ويأمل أن تتبين إشاراته مع انطلاق العمل الحكومي ليشارك العرب في خطة التعافي اللّبناني.
أمّا اللّبنانيون القابضون على جمر الصعوبات المعيشية ورصد صعود وهبوط الدولار وأسعار المواد الاستهلاكية والدواء المفقود وكورونا المتغلغلة بينهم في ظل ثورة ميّتة سريرياً، فلا يهمهم حجم المقاعد الحكومية ولا التقسيمات الوزارية ولا التسويات المحلية الدولية بل ينتظرون حكومة تخرجهم من جلجلة آلام الانهيار البنيوي لمرتكزات الوطن.
رانيا برو