“مطبوخ الأرمن” و”البواحير” يتوقّعان طقس لبنان: لا تنتظروا شتاءً استثنائياً
تطوّر العلم في كل المجالات، فدخلت التكنولوجيا إلى كل التفاصيل، وبات الوصول إلى المعلومة أسهل، ولكن في قديم الزمن لم تكن هذه التسهيلات متوفّرة، إنّما هذا لم يعنِ أن الشعوب عاجزة عن الوصول إلى المعلومة التي تُريدها. من هنا انطلق “الأرمن” في دراستهم لحالة الطقس، حتى توّصلوا إلى طريقة تجعلهم يتوقّعون شكل “الطقس” لعام مقبل، وأطلقوا عليها إسم “مطبوخ الأرمن”، ومثل الأرمن فعل الأجداد، إذ ابتكروا طريقة لتوقع الطقس وأسموها “البواحير”.
ما هو مطبوخ الأرمن؟
لأجل الزراعة اهتمّ الأرمن بتقلّبات الطقس وحركة الكواكب، وتوصّلوا بعد دراسات إلى إعداد روزنامة تتوقع تقلبات الطقس، ويشير مصطلح مطبوخ الأرمن، بحسب التعريف المتداول، الى التقويم الفلكي الذي يعده الرهبان المختاريون الأرمن في مدينة البندقية بشمال إيطاليا، وهو مقتبس عن مجموع المراصد التي تنبأت بالتغييرات الجوية التي ستحدث حول محيط البحر الأبيض المتوسط مع بعض الفروقات الفروق وذلك نظراً إلى التفاوت بين المواقع الجبلية والساحلية.
تعتمد الدراسة الأرمنية للطقس على الشهر القمري، فتقسّم الشهر إلى أربع مراحل، تمتد كل مرحلة إلى سبعة أو ثمانية أيام، بحيث تسمى المرحلة الأولى ولادة القمر، والثانية الربع الأول، والمرحلة الثالثة اكتمال القمر، والأخيرة تسمى الربع الأخير، وقد توصّل الأرمن بعد الدراسات إلى نتيجة تقول بأن دورة الطقس الواحدة مدّتها 33 عاماً، أي إن كل يوم يمرّ في السنة يشبه اليوم نفسه من 33 عاماً.
طبعاً لم يبق العالم على حاله منذ 33 عاماً، والتغيّرات التي طاولته تؤثر بشكل كبير على الطقس، إنّما هذا لا يمنع المؤمنين بمطبوخ الأرمن من تصديق ما ينشروه، على اعتبار أن نسبة صحّة التوقعات تصل إلى ما يزيد عن 80 بالمئة سنويّاً.
تُشير توقّعات الأرمن للعام 2020 (الصورة مرفقة بالنص) إلى أن فصل الشتاء المقبل سيحمل بعض الخير للبنان، من حيث الأمطار والثلوج، وستشهد الجبال اللبنانية “ثلوجاً” في الثلث الأخير من شهر نيسان.
البواحير
“البواحير” هي طريقة قديمة اعتمدها اللبنانيون حين كان نمط الإنتاج زراعياً، والهدف منها توقع الطقس، وهي تتلخص في مراقبة الطقس ابتداءً من 14 أيلول، ولمدة 12 يوماً تمثل أشهر السنة القادمة، وفق التقويم الغربي، ومن 27 أيلول ولمدة 12 يوماً مماثلة وفق التقويم الشرقي، من خلال مراقبة حركة الرياح وهبوبها وبرودتها وشدتها واتجاهها ورطوبتها، وكذلك مراقبة الغيوم ولونها وعلوها وكثافتها ومراقبة الرطوبة والصقيع والندى والحرارة، لتحديد كيف ستكون أحوال الطقس المقبل طيلة عام.
طريقة قياس الطقس الأكثر شيوعاً هي بواسطة الملح، من خلال وضعه على 12 ورقة توت أو تين تمثل أشهر السنة، وذلك ليلة عيد الصليب، وتتم مراقبة الأوراق قبل بزوغ فجر اليوم التالي، فإذا كان الملح جامداً يكون البرد قارساً، وإذا ذاب الملح فالشهر يخبئ الأمطار وإذا لم يتغيّر حال الملح فالطقس سيكون صافياً.
بحسب هذه الطريقة يتوقع أن يكون الشتاء عادياً بمعدلات أمطار طبيعية ودرجات حرارة لا تختلف أيضاً عن المعدلات.
خبراء الطقس .. يصدّقون العلم أكثر
“لا يوجد خلفيّة علميّة واضحة لكل هذه الطرق”، يقول رئيس مصلحة الأرصاد الجويّة في مطار بيروت الدولي مارك وهيبة، مشيراً في حديث لـ”أحوال” إلى أن هذه الوسائل تعتمد على “الملاحظة” لوقت طويل، وتسجيل الملاحظات والبناء عليها، والعلوم بدأت بالملاحظة، وبعد الملاحظة جرّبنا تركيب المعادلات العلمية لتفسير الظواهر، لذلك يمكن القول أن العلم والمراقبة على علاقة وثيقة، إنّما لا يمكن القول أن لهذه الوسائل خلفيّة علميّة كاملة، أو أنه يمكننا أن نربط بينها وبين العلم.
ويضيف وهيبة: “علميّا، يكون للتوقع لفترات طويلة هامش خطأ كبير، والتوقع في هذه الحالة يكون شاملاً، كأن نقول مثلاً، هذا الفصل يُتوقع أن يشهد نسبة أمطار 60 بالمئة أكثر من المعتاد، كما لا يمكن تحديد درجات حرارة معينة بل يُمكن القول أن درجات الحرارة قد تكون أعلى أو أدنى من المعدل العام”، مشدداً على أن التوقّع لثلاث أو أربع أيام عادة ما يكون دقيقاً.
يشير وهيبة إلى أنه حتى اليوم لا يوجد أي توقعات لفصل الشتاء المقبل، إذ أن هذه التوقعات تحصل من خلال لقاء يجمع خبراء الطقس في دول جنوب وشرق أوروبا ويشارك فيه لبنان، حيث يتم تبادل المعطيات والنماذج للتوصل إلى تصور مشترك، وهذا ما لم يحصل بعد.
ويؤكد أن “الحر” الذي نعيشه اليوم لا يؤشر إلى فصل الشتاء، ولا يعني أن شتاءنا ضعيف، ولا يُعتبر جديداً، فقد عايشناه قبل، مشيراً إلى أن “المطر” لن يهطل هذا الأسبوع.