خروقات بالجملة تُعرّض نتائج الانتخابات للطعن.. تفلّت الإعلام والتمويل الخارجي و”الرشاوى”
الثغرات في قانون الانتخاب وحدود صلاحيات "هيئة الإشراف" يُشجعان المخالفات الانتخابية
عشية انطلاق المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية باقتراع اللبنانيين في الخارج، وعلى مسافة أسبوع من إجراء الاستحقاق الانتخابي في لبنان في 15 أيار، بلغت الحماوة الانتخابية أوجها، مع ارتفاع منسوب الخطاب السياسيّ والطائفي والمذهبي والتحريض بين المرشحين والقوى السياسية خلال الحملات والمهرجانات الانتخابية، وسط غياب تام للبرامج الانتخابية والحلول للأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، بالتوازي مع تسجيل سلسلة خروق لقانون الانتخاب من قبل مجموعة من المرشحين والأحزاب لجهة سقف الخطاب والإنفاق الانتخابيين وقوانين الإعلام والإعلان الانتخابي.
كل هذا يجري في ظل أجواء من التوتر الأمني رافقت جولات عدد من المرشحين إلى مناطق عدة، وسط صمت هيئة الإشراف على الانتخابات الذي بات دورها يقتصر على تدوين الخروق فقط.
خبراء في القانون ومطلعون على الملف الانتخابي والخروقات لقانون الانتخاب، يشيرون لـ”أحوال” إلى أن “من واجب هيئة الإشراف تسجيل وتوثيق المخالفات، سواء بأحكام الإعلام والإعلان الانتخابيين أو الإنفاق والتمويل الانتخابيين، وفق مندرجات قانون 44/2017 وتعديله الأخير في العام 2021، الذي يفرض على المرشح واللائحة الالتزام بالسقوف والآليات الانتخابية بما يتعلق بالإنفاق، وكذلك المساهمات المالية والتبرعات لدعم الحملة الانتخابية”.
ويوضح الخبراء أن “أي مخالفات بهذا الإطار على هيئة الإشراف توجيه تنبيه للوسيلة الإعلامية المخالفة لعدم تكرارها أو تقديم اعتذار للمرشح المتضرر أو حفظ رده، أو إحالة المؤسسة الإعلامية المخالفة الى محكمة المطبوعات التي قد تغرم المؤسسة بين 50 و100 مليون ليرة لبنانية، أو إقفال المؤسسة جزئياً لمدة ثلاثة أيام بما يتعلق بالبرامج والاخبار السياسية، وأما وقفها نهائياً عن البث، وهذه الإجراءات قابلة للطعن أمام محكمة التمييز”. ويبيّن الخبراء أن تخلف “الهيئة” عن تنفيذ هذه التدابير تكون مقصرة بالقيام بمسؤولياتها وصلاحياتها.
ويلفت الخبراء الى أن “سقف الإنفاق للمرشح الواحد هو 750 مليون ليرة، إضافة الى 50 ألف ليرة لبنانيّة تبعاً لعدد الناخبين أي عن كل ناخب عن الدائرة الكبرى التي ينتمي اليها المرشح، و750 مليون ليرة للائحة عن كل مرشح فيها، وعلى مدقق الحساب لكل لائحة أن يقدم شهرياً بياناً بالمصاريف والمداخيل للائحة موثق بالإيصالات والفواتير”.
وتُسجل خروق بالجملة لمبدأ التكافؤ الإعلامي والاعلاني بين المرشحين، لا سيما اللوحات الاعلانية والتغطية الإعلامية، حيث يستحوذ مرشحون ولوائح على مساحة هائلة دون غيرهم، ما يعرض النتائج للطعن أمام المجلس الدستوري. كما يحذرون من الحملات الإعلامية والقدح والذم بين المرشحين المخالفة للقانون، إضافة الى التحريض وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية لشد العصب الشعبي، فضلا عن منع مرشحين ورؤساء كتل نيابية وأحزاب من الدخول إلى منطقة معينة كزيارة انتخابية أو مهرجان انتخابي.
وبحسب الخبراء يمكن للمرشح المتضرر من التحريض والقدح والذم أن يلجأ للقضاء، لكن المخالفة عادة ما تأتي من الطرفين وتفرض توازناً قضائياً، ما يحول دون لجوء أي من الأطراف المتضررة الى القضاء، ويمكن لهيئة الإشراف أن تتحرك من تلقاء نفسها بحالة انتهاك مندرجات الفصلين الاعلام والاعلان الانتخابي والتمويل والدعم الانتخابي، ويمكن للنيابة العامة أن تتحرك بناء على شكوى المتضرر.
وبحسب الخبراء لا يحق للوسيلة الإعلامية استقبال مرشح من دون أجر ولا رفض مرشح آخر أبدى استعداده لتسديد الأجر المطلوب منه، لأي جهة انتمى، ولا يحق للمؤسسة الإعلامية العامة أو الخاصة أن تنحاز لأحد المرشحين ولا التحريض الطائفي والقدح والذم والتحقير.
أما الجديد في هذه الانتخابات، فهو النشاطات الإعلامية والاعلانية التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى منصات سياسية وانتخابية.. فأين تُصنف هذه المواقع؟
بحسب الخبراء فإن وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة والالكترونية، تخضع جميعها لمراقبة هيئة الاشراف، أما مواقع ومنصات التواصل فلا تخضع. ويلفت الخبراء الى أن صلاحيات هيئة الاشراف رقابية وغير زجرية وتنفيذية وإكراهية ولا سلطة فعلية لها لا بإدارة العملية الانتخابية ولا لقمع المخالفات بل دور الناظر لا المدير.
ويسلط الخبراء الضوء على الثغرات الموجودة في القانون، مشيرين إلى أن السرية المصرفية ترفع فقط عن حساب الحملة الانتخابية للمرشح، بينما تبقى لحسابات المرشح الشخصية الغير مشموله بالسرية، وبالتالي كل الانفاق من غير حساب الحملة، غير خاضع للرقابة، بل محصن بالسرية المصرفية ما يمنع هيئة الاشراف والقضاء من معرفة حجم الانفاق.
وأما عن دعوة النائب جبران باسيل على حزب “القوات اللبنانية” بجرم تخطي سقف التمويل الخارجي، فيشدد الخبراء على أن “على المرشح أو اللائحة تقديم كشف حساب كل شهر يتضمن النفقات والمداخيل خلال الشهر مرفق بالوسائل والأدلة والبيانات والشيكات التي توثق المصاريف، اضافة الى حساب نهائي شامل يقدم خلال 30 يوماً من انتهاء الانتخابات يتضمن كل عمليات الانفاق والتبرعات والمساهمات في العمل الانتخابية، لكن هذا لا يُلغي الحساب الشهري وما قام به باسيل في محله ولا يجوز الانتظار لإنجاز الحساب الشامل كما دعت “القوات”.
ومن الخروقات البارزة هو الرشاوى الانتخابية وعملية شراء الأصوات الذي انتشر بكثرة في دوائر مختلفة، حيث قبض أحد المرشحين المعارضين بشدة للعهد بحسب معلومات “أحوال” مليون دولار في أحد الدوائر الانتخابية، كما وصل ثمن الصوت في دوائر بيروت الى 500 دولار.
يضيف الخبراء أن “القانون يمنع المساعدات العينية إلا اذا كانت توزع منذ 3 سنوات أو أكثر، أما إذا حصلت أثناء الانتخابات فهي رشوة، وهنا القانون يترك منافذ للرشاوى الانتخابية، لا سيما وأن أغلب المرشحين هم من القوى السياسية، أما الجدد فيبدؤون بتوزيع المساعدات قبل سنوات، وكأن القانون يقول “من يعتاد على الرشوة فليكمل بها، أما الرشوة الجديدة فغير مسموحة!”.
والأخطر هو الدعم السياسي والمالي الخارجي الذي يتلقاه مرشحون دون غيرهم، لا سيما من السفير السعودي في لبنان، يضيف الخبراء: “لا يجوز على المرشحين قبول المساعدات والتبرعات من أجانب لحملات انتخابية أكانوا دولاً وشركات ومنظمات وأفراداً عاديين، ويُحصر التبرع بالأشخاص اللبنانيين وضمن السقف المسموح به بالحملة الانتخابية، وأن لا تتبرع جهة واحدة بخمسين في المئة من نفقات الحملة الانتخابية للائحة ما”.
ويكشف مرجع وزاري وقانوني وأمني سابق لـ”أحوال” أن معظم اللوحات الاعلانية على الطرقات غير مرخصة، متسائلا: أين البلديات التي سمحت بذلك خاصة أنها لم تطالب بالمردود المالي الذي يحق لها إلا إذا كانت تخضع للسمسرات بين أصحاب هذه اللوحات والبلديات، ما يفرض على وزارة الداخلية إجراء تدقيق بمصير هذه الأموال. والقانون يفرض التنسيق بين السلطات المحلية والمركزية بين رئيس البلدية والقائمقام والمحافظ والشركات الاعلانية، لتخصيص أماكن لتعليق اللوحات الاعلانية مع مراعاة مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وحفظ المردود المالي”.
محمد حمية