وقائع التسلّم والتسليم الهادئ: المحاور العقلاني شيخًا للعقل
ببساطة مطلقة حضر الى دار الطائفة الدرزية في بيروت شيخ العقل المنتخب الدكتور سامي ابي المنى وكان باستقباله سلفه المنتهية ولايته الشيخ نعيم حسن، بضع كلمات عاطفية من الحضور ومن صاحبي المناسبة وبهدوءٍ تام جرت عملية التسلم والتسليم النهائي بين الشيخين، لتسجل هذه العملية عدة سوابق أولها أنها الأكثر هدوءاً في تاريخ انتقال المشيخة، فما قصة هذا الهدوء ومن المتسبب به وما هي دوافعه؟.
الرواية الكاملة
الهدوء له أسبابه العامة والخاصة، اذ بعد تزكية اسم الشيخ سامي ابو المنى في الـ 30 من ايلول الماضي برزت عدة معطيات ووقائع ساهمت في ترسيم حدود الأزمة وحصرها في أضيق إطار ويمكن تلخيصها بعنوانين رئيسيين:
– الوساطات النشطة من أهل السياسة ورجال دين
– شخصية الدكتور ابو المنى الحوارية
بناءً على لقاء خلدة الثلاثي في حزيران الماضي، نشطت القوى السياسية في تبريد الملفات الساخنة على ساحة الجبل وداخل طائفة الموحدين، وهي وان لم توفق بعد في اغلاق جروح حوادث قبرشمون والشويفات الأليمة، أو الاتفاق على لم شمل مشيخة العقل، لكنها هدأت من روع الشارع الى حدٍ كبير وخفضت منسوب التوتر في ظل عواصف الإقليم العاتية.
الدور الأكبر كان لسعاة الخير، من مراجع دينية وزمنية وفاعليات أكدت على وجوب تجاوز الاستحقاق وكان لمسعى رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب حصة الاسد من الدور التوحيدي مع عدد من المراجع الدينية والزمنية.
بالاضافة لخطابي ودور التهدئة الداخلي عند رئيسي التقدمي والديمقراطي وليد جنبلاط وطلال أرسلان، شكلت مروحة جولات الوزير السابق وئام وهاب، والتي فاقت الـ20 زيارة، سابقة في طرق أبواب جميع المراجع الدينية وفرض وقائع جديدة على الارض تراعي حدود اللياقات والأدوار و”جبر الخواطر” المعنوية، ما ساهم في خلق جوٍ عام من الايجابية والشعور بالمسؤولية في ترتيب البيت الداخلي بأقل الخسائر الممكنة.
المسألة الثانية تتعلق بشخصية الدكتور سامي ابو المنى ومنهجه الحواري البنّاء في علاقته مع الجميع، وهو المعروف بدماثة وسلاسة عالية جداً، ساهمت في ترطيب الأجواء وفتح قنوات الحوار والتواصل مع الجميع.
العقلاني المحاور
في بلدة شانيه الجبلية الهادئة يغص منزل سماحة الشيخ بالزوار، وهو كما عادته قبل التكليف لا يتوقف عن البحث والحوار والإصغاء بانتباه شديد، وبيده دفتر التدوين وتسجيل الملاحظات واسماء وصفات الحاضرين بالتفصيل.
وعلى الزاوية المقابلة لصالون الاستقبال تصطف الكتب المتنوعة تنوع الأفكار والرؤى، من كتاب القرآن والمراجع الفقهية والدينية الى كتب التاريخ والقانون ومباحث الحضارات المتنوعة، وبجانبهم طبعاً بعض مؤلفات صاحب المنزل وأبرزها:
– الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان – رؤية الموحدين الدروز
– المظاهر الثقافية عند الموحدين الدروز – الخصوصية والإندماج
– الموحّدون والإسلام والعروبة
وكما هي هوايته المفضلة في مقاربة القضايا، الكبرى والصغرى، من منظور ثقافي، لا يتوقف “المربي” المثابر أبو المنى عن الحديث الثقافي، ولا يمرر فقرة من حديثه دون ترداد عبارات “الحوار” و”تقبل الآخر” و”فهم هواجس الجميع”، كي نحصل النتائج المرجوة من أي أمر. والحضور من الزوار، على مختلف مشاربهم ومهنهم، لا يتوقفون عن طرح هواجسهم، فتراه يجيب بعقلانية المسؤول وحرص الأب ورؤية المثقف.
لا يتردد بالاجابة عن سؤال “العدد والأقليات” بالتأكيد على أهمية “الدور” والمشروع، ويستفيض في الشرح أن “طائفة الموحدين مثل غيرها من المكونات عليها أن تكون جسر تواصل بين المكونات الأخرى في لبنان والمنطقة، كما يفترض الواجب أن نكون نحن كرجال دين جسر تواصل بين القوى السياسية والثقافية في بيتنا الداخلي” ويشير ممازحاً الى “تنوع الحاضرين في الصالون بين العائلات والمناطق والانتماءات السياسية”.
لا يخفي الدكتور ابو المنى هاجسه من كيفية تعزيز المؤسسات، خاصةً التعليمية، وتطويرها بما يتلائم مع روح العصر، ويؤكد أن “التمويل مهم جداً ونحن بحاجة له ولكنه يبقى تفصيلاً أمام وضوح الرؤية ونضوج الأفكار المتقدمة، فاذا وجد المال دون الرؤية لا قيمة له، ولكن هذا لن يتم الا بتضافر جهود الجميع سويةً”، وينطلق منها نحو طرح مشروع اخراجي يتمثل “بوضع خطة مرحلية تعيد لملمة التشتت في القوى ضمن المؤسسات الموجودة الآن واذا كان من اعتراض او هواجس في مكان فلننطلق نحو التعديل والتطوير، ولكن لا يمكننا وضع تغيير القوانين الآن بل يجب أن نتجاوز الشكليات من أجل الخدمة العامة لأبناءنا في مختلف المناطق”.
وعن مشاريع المستقبل القريب يؤكد الشيخ على “أهمية دراسات جدوى اقتصادية لإستثمار الموارد الموجودة بأكبر قدر ممكن وتطويرها، من الأوقاف والمقامات والمؤسسات والأبنية والعقارات وغيرها، وتسييل هذا المردود في الخدمة العامة، واذا كان من انتقادٍ أو تساؤل على ملفٍ ما فإن الباب مفتوح للبحث والتدقيق والدرس دون تجنٍ او اعتداء”.
وتستمر جلسات الحوار بتنوع وتعدد الزوار، ولكن الملفت جداً في تبوؤ الشيخ سامي ابو المنى لأعلى منصب اداري ديني عند طائفة الموحدين، أنه من القلائل من يجمع بين لغة القديم التقليدي الذي يعتبر سيّر السلف الصالح هي خارطة الطريق، وبين رجل الحوار والمُحاضر في أرقى الجامعات في لبنان والعالم ورائد الحوار العقلاني مع الجميع، هو من يرى في تنوع المكوّنات مصدر قوة وغنى وليس مصدراً للعصبية الضيقة، هو من يرى في مصطلحات وكلمات ولغة المجتمع المحلي مصدر إلهام للأفكار الفلسفية والعلمية الكبرى، وهو من يرى في تعددية المذاهب الدينية في هذا الوطن مصدر وحي لإنتاج منظومة ثقافية منفتحة تقرأ في اللوحة مجموعة ألوان مبهجة.
إذن، وفي كل ما سبق، هل سيكون للشيخ أبو المنى القدرة والإمكانية على فعل التغيير في مجتمعه الصغير والكبير؟ وهل سيحول العصبية الضيقة الى طاقة ايجابية تصب في مصلحة الوطن والمواطن؟
ننتظر لنرى… وللحديث صلة
عامر ملاعب