الثقافة والتغيير والمهمّات الراهنة
منذ فترة والحياة الثقافية في لبنان تعاني من ضعف وضمور في الإنتاج وصعوبات معنوية لدى المؤسسات الثقافية الرسمية، والمجالس الثقافية المناطقية، ومعظم الأندية والإتحادات.. في حياة الأحزاب المختلفة. وذلك يعود إلى أسباب ذاتية وموضوعية.. والعامل المؤثر في هذا المجال هو العقلية السياسية للتحالف الطبقي الطائفي الذي ينظر إلى الثقافة والمثقفين بمنظار التوظيف الآتي، الذي يكرّس مصالحهم كأفراد ومرجعيات ومصالح الورثة السياسيين من بعدهم. ولا ينظرون إلى الثقافة، كونها المعطى الذي يؤسّس لأوضاع مجتمعية أرقى، بل بالعكس يستعملها هذا التحالف لتأييد هيمنته السياسية بينما – وهذا رأينا – يجب أن تنطلق الثقافة من هم سياسي دون أن تنتهي إلى السياسة، وأن تبدع ثقافياً كي تتمكن من الحفاظ على دورها الطبيعي في عملية التغيير.
ومن الأهمية في هذا المجال معرفة المثقفين لمن ينتجون ثقافتهم المتعددة الوجوه، وهل إنتاجهم الثقافي ملكاً حصريّاً لهم؟ أم للجماهير التي تلعب الدور الحاسم في عمليّة التغيير.
هذا ويجب على المثقفين أن “يردموا” بثقافتهم الفجوة القائمة بينهم وبين أصحاب الشأن من الناس المنتجين في شتى حقول الإنتاج والذين هم بحاجة لهذه الثقافة.
وكي تساهم الثقافة في التغيير وتغدو ثقافة تغييرية يجب أن تتسم بالإبداع والحرية، فالحرية هي التي تمن للثقافة دورها الريادي، وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن الثقافة التغييرية تكتمل عناصرها وتتشكّل في سياق النضال الثوري للتغيير الإجتماعي.
وإن الثقافة التغييرية في هذا المجال ليست نقيضاً للسياسة أو على تناقض معها كون السياسة بمفهومها الأغنى – بما هي فن إدارة العملية الثورية – فعلاً ثقافياً وإن الثقافة الهادفة إلى التغيير هي فعل سياسي إذن لا تناقض بين الثقافة والسياسة وليس بالضرورة أن تكون الثقافة فقط من نتاج الأدباء والفنانين والباحثين وعلماء الإجتماع، مع ما لهؤلاء من موقع مهم وأساسي في عملية الإنتاج. وإذا كان الأمر ذلك وهو كذلك!! أين نضع النتاج في النظرية الثورية وفي الفكر السياسي للأعداد الكبيرة من القادة والمفكرين السياسيين؟! وفي أي خانةٍ نضع مثلاً نتاج لينين؟! وفي أي خانةٍ نضع نتاج شكسبير؟! في عمله النظري؟! وشكسبير المسرحي والشاعر سياسياً بإمتياز في إبداعه الفني وكمال جنبلاط الخلّاق في العمل السياسي مبدعاً أيضاً في الفكر والشعر والفلسفة… ؟! وبالتالي أو ليس الفصل ما بين السياسي والثقافي فعلاً مصطنعاً؟! أوليس المقصود من “تطهير” الثقافة من كونها فعلاً سياسياً.
ورغبة بذات الوقت في إبعاد السياسة عن ضرورة أن تكون فعلاً ثقافياً بإمتياز. وحتى تبقى هذه المعادلة في منأى عن هيمنة السياسي على الثقافي يجب تعزيز الممارسة الديمقراطية في شتّى المجالات، وعلى مختلف المستويات كي لا “يتلوّن” السياسي بالتفرّد بإتخاذ المواقف التاريخية للأحزاب والحركات الثورية ويصادر بالتالي دورها من خلال تغييب ثقافة المشاركة في قيادة عملية التغيير أو المساهمة الفعّالة في قيادتها.
وحتى يلعب المثقفون دوراً ريادياً في حركات التغيير يجب إشاعة وتطوير الديمقراطية في حياتها الداخلية وهذا لا يتم بمعزل عن النضال لإشاعة الديمقراطية في المجتمع. كما يجب إتاحة الفرصة للمثقفين كي يلعبوا دوراً في رسم سياسة هذه الحركات والمساهمة الفعّالة في صياغة قراراتها، وتوفير الأدوات، وإستحداث أجهزة لإستيعاب طاقات المثقفين المرتبطين بمشروع التغيير (مراكز أبحاث ودراسات، وحلقات ومنابر فكرية إلخ… ).
هذه مهمّات تتحقق من ضمن عملية التحرر العام للمجتمع اللبناني من التبعية الثقافية للخارج الرأسمالي وهذا يتطلب نضالات ديمقراطية عامة كي يكون التحرر الثقافي جزءاً لا يتجزّأ من التحرر العام ومن التبعية المتعددة الوجوه للخارج الإقليمي والدولي.
رجا سعد الدين