ساندرا سليمان.. باحثة طموحة عن الفطر البرّي وتطمع بالمزيد
أربع سنوات أمضتها ساندرا سليمان، إبنة بلدة القنطرة في عكّار، وهي تبحث وتنقّب في عالم الفطريات، التي أنجزت خلالها بحث تخرّجها لنيل شهادة الماجستير في الجامعة اللبنانية ـ الفرع الأول، ضمن كلية العلوم (قسم علوم الحياة والأرض). وقبل أن ينال هذا الجهد الإستثنائي الذي بذلته، نشر موقع Mycotaxon العالمي المتخصّص بالفطريات مقالة عن بحثها الجامعي، محقّقة بذلك إنجازاً شخصياً ولبنانياً فريداً، خصوصاً أنّ بحثها الأكاديمي الذي تناولت فيه عالم الفطريات يُعتبر الثالث من نوعه في لبنان، منذ قرابة 7 عقود من الزمن.
هذا الإنجاز دفع مجلس البيئة في القبيات، الذي تنشط سليمان فيه، إلى مباركته وتقديم التهاني لها وللمجلس في الوقت نفسه، والذي اعتبر رئيسه أنطوان ضاهر أنّه “توّج 4 سنوات من العمل الدؤوب الذي قمتِ به في جبال عكّار، تفتّشين عن الفطر تحت أشجار الشوح والعزر، وتدرسينه بإشراف الدكتور الصديق جان ستيفان، وبشراكة مع مجلس البيئة الذي من ضمنه تعملين”، مضيفًا: “وها أنتِ تضعين لبنان على خارطة المواقع المهمة عالمياً في مجال الفطريات”.
وفي حديث لـ”أحوال”، تلفت سليمان إلى أنّ “أهمية البحث العلمي الذي أجرته في عالم الفطريات يعود إلى أنّني اكتشفت 62 نوعاً من الفطر البرّي لم يأتِ أحد قبلي على ذكرها في لبنان، و8 أنواع جديدة على صعيد العالم وهي جديرة بالدراسة، و4 أنواع نادرة قليلاً ما يحكى عنها”.
أهمية البحث الذي أجرته سليمان لا يتوقّف عند هذا الحدّ، بل يُعتبر، حسب قولها، “ثالث دراسة تجرى في لبنان حول عالم الفطريات؛ فالأولى أُنجزت عام 1957 وجرى نشرها، والثانية عام 2000 ولم تُنشر، والثالثة التي أنجزتها بنفسي عام 2018 وجرى نشرها مؤخّراً”.
لكن لماذا اختارت سليمان التوجّه لإنجاز بحث علمي أكاديمي نادر؟ تجيب على هذا السؤال بإشارتها إلى حادثتَين أثّرتا فيها: الأولى قبل سنوات عندما توفيت عائلة لبنانية بكامل أفرادها بعدما تناولوا الفطر البرّي، والثانية حصلت خلال فترة إنجازها بحثها، وشكّل دافعاً إضافياً لها لإكماله، وهي وفاة امرأة من النّازحين السوريين في بلدة القبيات بعدما تناولت الفطر البرّي، ظنّاً منها أنه ليس ساماً.
أما عن البدايات، فتقول سليمان: “هناك دوافع أخرى وراء بحثي في دراسة عالم الفطريات، كالحشرية وحبّ الفضول. وقد لقيتُ تشجيعاً من عائلتي للخوض في هذا المجال، برغم أنّ آخرين إستغربوا الفكرة وأثارت إستهزاءهم”، مضيفة: “لقد واجهت صعوبات عدّة منذ البداية؛ فلا يوجد أيّ أستاذ أو خبير أستعين به في بحثي، ولم أدرس أيّ شيء عن الفطر في الجامعة، كما كانت أغلب المراجع العلمية عن الفطر باللغة الفرنسية بينما أنا ثقافتي إنكليزية، فاضطررت إلى الترجمة، ما جعلني أبدو لوهلة طالبة وأستاذ في وقت واحد”.
صعوبات أخرى واجهتها سليمان لاحقاً وأعاقت سعيها وراء إنجاز بحثها العلمي، من إندلاع شرارة الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول عام 2019، إلى تفشّي فيروس كورونا والأزمة الإقتصادية، فضلاً عن وضع صحّي خاص عانت منه، ما جعلها بالكاد تستطيع الصعود إلى جبال عكّار والتجوّل فيها أكثر من مرّة واحدة في الشّهر.
ولكن، ماذا اكتشفت سليمان في عالم الفطر البرّي؟ تُجيب عن ذلك بقولها: “الفطر ليس نباتاً ولا حيواناً، هو عالم قائم بذاته يمكن أن نطلق عليه إسم مملكة الفطريات”، وتضيف: “ما قمتُ به خلال بحثي عن الفطر البرّي الموجود في كلّ مكان تقريباً، إقتصر على ذلك الفطر الموجود تحت أشجار السنديان والشوح والعزر، وحصري لهذه الأنواع من الأشجار فقط أفضل من الناحية العلمية”.
سليمان التي تشير إلى أن “النتيجة التي خرجت بها كانت رائعة”، تقول إنّ “هدفي إكمال دراستي في هذا المجال الذي يندر وجود مهتمين فيه، ودراسة أنواع أخرى من الفطر البرّي، وأتمنى دخول طلاب جدد إليه لأن مجاله واسع، وأهدفُ مستقبلاً لأن أنشر كتيّباً عن الفطر البرّي في لبنان، لأنّه بتنا نعيش في عصر علينا معرفة كلّ شيء، خصوصاً أنّ الفطر البرّي أنواع كثيرة، منه المفيد والصحّي، ومنه الذي يقتلنا خلال ساعتين من أكله إذا لم ننتبه له. عالم الفطريات عالم كبير، ويمكنني القول إنّه عالم مظلوم لأنّ الإنسان عدو ما يجهل”.
عبد الكافي الصمد