“طوابير الذل”… حلول مناطقية ناجعة للحد من الأزمة
بعد أن دخل لبنان موسوعة غينيس على خلفية أزمة النفايات التي تكدّست في الشوارع والطرقات العامة، دخل لبنان مجددًا هذه الموسوعة لكن هذه المرة من باب أزمة المحروقات، حيث باتت الطوابير الممتدة على امتداد مساحة لبنان من الشمال إلى الجنوب مرورًا بالعاصمة بيروت إلى الجبل والبقاع وباقي الجغرافيا اللّبنانية، التي باتت محكومة بمشهد الطوابير التي نراها تمتد على “مد عينك والنظر”.
في بلد ولاّد للأزمات كلبنان لا يبدو اي مشهد غريبا او خارجا عن المألوف، حيث سرعان ما يتأقلم المواطن اللبناني مع الظاهرة الجديدة، وبات الانتظار في طابور البنزين من أولويات أي شخص يريد ان يحصل على المادة بالسعر المحدد من قبل وزارة الطاقة اي بسعر 128 الف ليرة للتنكة الواحدة، في وقت باتت السوق السوداء ملجأ بعض المحتاجين من الميسورين الذين يشترون ولا يسألون عن سعر الصفيحة، التي تتراوح بين الـ 500 والـ 600 الف ليرة مع ارتفاعها في بعض الأحيان، وهذا بالطبع يعتمد على “وضع” الزبون ومدى حاجته للمادة وقدرته المادية.
لكن وعلى الرغم من الذل الذي يتعرض له المواطن اللبناني لجهة الانتظار لساعات إلّا أنّ الطامة الكبرى تقع عندما ينتظر البعض لساعات من أجل الوصول إلى خرطوم البنزين، واذ بصاحب المحطة يخرج معلنا نفاذ الكمية الموجود لديه او انقطاع الكهرباء بأحسن الاحوال، او يقع الخلاف بين المنتظرين ما يدفع بأصحاب بعض المحطات إلى اقفالها حفاظا على السلامة العامة، وفي المحصلة يدفع المواطن المذلول الثمن وتصيبه صدمة كبرى، كيف لا وبعض الاشخاص يمضون ساعات وساعات تحت أشعة الشمس بعضهم يخرج ليلا من منزله او قبل بزوغ الفجر لحجز دور لهم في “الطابور”، إلّا أنّ الواقع المرير في بلد كلبنان يضعنا دائما امام كل السيناريوهات، والتي تأتي دائما على حساب كرامة المواطن الذي ضاق ذرعا بما وصلت اليه احوال البلد.
إزاء هذا الواقع المؤلم وجدت بعض البلديات نفسها أمام مسؤولية الحفاظ على كرامة أبنائها التي تهدر امام المحطات وعلى الطرقات، أو الذين يقعون ضحية التجار والمحتكرين الذين لا دين لهم ولا أخلاق، حيث يستغلون حاجات الناس ووجعهم لتعبئة جيوبهم بـ”المال الحرام”، ومن اجل الحد من هذه الظواهر اللاأخلاقية عمدت بعض البلديات إلى تنظيم عملية تعبئة المحروقات، من خلال إصدار بطاقات لابناء البلدة والمقيمين فيها، ويتم بموجب البطاقة تحديد وقت معين يوميا يحصل المواطن خلاله على البنزين عبر احدى المحطات الموجودة في البلدة، وسجلت بلدية شارون – قضاء عاليه نجاحا لافتا في هذا الخصوص، حيث قام رئيس بلديتها مهنا البنا بتنظيم عملية إصدار البطاقات والتي لاقت تجاوبا كبيرا من أبناء البلدة، وتجاوز عدد الحاصلين على البطاقة عدد 1400 شخصًا والعدد يتزايد بعد النجاح الميداني في تنفيذ الخطة، حيث ان تعبئة بين 100 و 200 سيارة يوميا بموجب بطاقة بقيمة 120 الف ليرة لبنانية يدفعها المواطن تحتاج إلى ساعة ونصف كحد أقصى ودون اي اشكالات او فوضى.
بينما لجأت بلديات اخرى في قضاء المتن إلى اعتماد مبدأ المفرد والمجوز للحد من الازدحام، كما تم اللجوء ايضا إلى خيار تحديد بعض المحطات وفقا لتوزيع المناطق الجغرافية مع تحديد ايام فتح المحطات، ما يساهم ايضا في التقليل من تكدس السيارات امام المحطات التي يقصدها بعض المواطنين من مناطق بعيدة نسبيا ما يفاقم الازمة امام تلك المحطات وعلى الطرقات المحيطة بها.
اذا وفي ظل ازمة البنزين خصوصا والمحروقات عموما بات المواطن امام خيار الانتظار او الانتظام، من اجل الحصول على حاجته من البنزين بأقل تعب وإذلال ممكن، خصوصا في ظل عجز الدولة وأجهزتها وإداراتها عن إيجاد الحلول الناجعة، للحد من طوابير الذل على المحطات التي باتت محجة المواطن اليومية، ومن يرى هذا المشهد السوريالي لا يمكن ان يصدق انه يحصل في بلد يعيش أبناؤه في القرن الحادي والعشرين.
يوسف الصايغ