لهذه الأسباب الحكومة حتمية… إلّا إذا
على الرغم مما يحيط الحكومة من مد وجزر، وعلى الرغم من أنّ البعض يبدو مقتنعًا بأنّها لن تبصر النور حتى نهاية العهد، إلّا أنّ هناك بين المواكبين لمخاضها العسير من يعتبر أنّ ولادتها حتمية في نهاية المطاف، وأنّ الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي لن يعتذر، خلافًا لما يرجحه المتشائمون.
ويستند المبشرون بإمكان تشكيل الحكومة إلى مجموعة اعتبارات تتعلق بالرئيس ميشال عون والرئيس نجيب ميقاتي، وتدفع في رأيهم إلى الاستنتاج بأنّ كلا منهما هو صاحب مصلحة مباشرة في إنجاز التشكيل، وإن كانت ضرورات التفاوض على حافة الهاوية توحي أحيانًا بأنّ تفاهمهما صعب.
ويؤكد هؤلاء أنّ عون، وبعكس بعض التقديرات الشائعة، مصرّ على تأليف الحكومة ولن يفرط بورقة ميقاتي للأسباب الآتية:
– شعوره بالضغط والاستنزاف جراء اضطراره إلى متابعة ملفات وتفاصيل تنفيذية هي في الأساس من اختصاص الحكومة، وبالتالي هو يحتاج إلى وجودها حتى تخفّف عنه أعباء إدارة الأزمات الحياتية والاجتماعية وتحلّ مكانه في تحمل المسؤولية الإجرائية أمام الناس، خصوصًا أنّ القصر الجمهوري أصبح أخيرًا في الخط الأمامي للمواجهة مع القضايا المعيشية والخدماتية بفعل قصور حكومة تصريف الأعمال. وفي حين يتهيّأ للبعض أنّ الاستحواذ على مركزية القرار عبر “غرفة عمليات” القصر يدغدغ مشاعر عون، غير أنّ آخرين يؤكدون أنّ الرجل لا يغرق في شبر ماء وأنّه يعلم أنّ معادلة التوازنات والصلاحيات لا تسمح له بالذهاب بعيدا في “العزف المنفرد”، وأنّ دور مجلس الوزراء الذي هو مركز القرار وفق الطائف، لا يمكن اختزاله عبر مجلس الدفاع الأعلى أو من خلال الاجتماعات الطارئة.
– معرفته، اي عون، بأنّ اعتذار ميقاتي سيؤدي هذه المرّة إلى مقاطعة الأكثرية السنية له وامتناعها عن ترشيح أو دعم أي بديل، الأمر الذي سيؤدي إلى اشتداد المأزق السياسي وتفاقم انعكاساته على الواقع الاقتصادي، وسيتسبّب في مشكلة كبيرة بين رئيس الجمهورية وأحد المكونات الأساسية، والأكيد أنّ العهد لا يحتاج إلى فتح جبهة جديدة بعدما بات شبه محاصر على الصعيدين الداخلي والخارجي.
– سعيه (عون) إلى تجنّب الظهور بمظهر المتخصص في “تهجير” الرؤساء المكلّفين وتعطيل الولادة الحكومية، ذلك أنّ اعتذار ميقاتي بعد السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري سيقود إلى مثل هذا الاستنتاج الذي قد يرتب تداعيات داخلية وخارجية، وربما يدفع في اتجاه فرض مزيد من العقوبات على الخط الرئاسي.
أما في ما خص ميقاتي، فهو أيضا سيفعل المستحيل لتشكيل الحكومة ولن يستسلم بسهولة للعقد، انطلاقًا من الحسابات الآتية:
– حرصه على عدم التفريط بفرصة العودة مجددًا إلى السراي الحكومي من الباب العريض، خصوصًا أنّه يعرف أنّ الظروف التي أفضت إلى تكليفه قد لا تتكرر بسهولة مستقبلًا إذا ضاعت فرصته الحالية، وبالتالي هو سيستثمر موهبته في تدوير الزوايا حتى أقصى الحدود الممكنة ليتوصل إلى اتفاق مقبول مع رئيس الجمهورية.
– لئن كانت عضوية نادي رؤساء الحكومات السابقين تجمع ميقاتي مع الحريري، إلّا أنّ ذلك لا يلغي المنافسة الضمنية الموجودة بينهما على السلطة والطائفة، ولذلك سيحاول ميقاتي أن يثبت تفوقه على الحريري سواء في إتمام مهمة تشكيل الحكومة أو في مجال تحقيق الإنجازات.
– هناك من يفترض أنّ الازمات المتراكمة وصلت في أغلبها إلى الحدود القصوى، الأمر الذي سيمنح ميقاتي مجالًا لبدء معالجات ولو موضعية لها وصولًا إلى التخفيف نسبيًا من وطأتها على الناس، ما يعني أنّ منصة رئاسة الحكومة ستسمح له بأن يستعد للانتخابات النيابية القريبة بشكل أفضل، وستعطيه أرجحية على منافسيه، وربما تمهد تجربته، إذا نجحت، لعودته مرة أخرى إلى ترؤس حكومة ما بعد الانتخابات. وبناء عليه، هو لن يتخلّى ببساطة عن عنصر القوة الذي اكتسبه بين ليلة وضحاها عندما جرت تسميته من قبل الأكثرية النيابية.
– إنّ ميقاتي يحظى بدعم دولي قوي، لاسيّما من باريس التي كانت محفزة له على قبول مهمة التكليف وهي ترفض حتى الآن خيار اعتذاره، علمًا أنّ الرئيس المكلّف أكّد قبل أيام أنّ الاعتذار ليس واردًا على مفكرته حاليًا.
هذه بعض من العوامل المنطقية التي يتسلح بها المتفائلون بنهاية سعيدة للمفاوضات الحكومية. ولكن، من قال أنّ المنطق محترم ومعتمد في هذا البلد، وأين هو من كلّ ما يجري في لبنان، ومتى كانت الغلبة له أساسًا، وماذا لو أصرّ السياسيون على معاداته كما فعلوا في استحقاقات عدّة؟
التجارب السابقة لا تبشر بالخير إلّا إذا حصل استثناء هذه المرة.