الروبوت يكتب.. هل نحن أمام ثورة فكرية وعلمية جديدة يقودها العالم الآلي على غرار ما نشاهده في الأفلام السينمائية؟ وكشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن الروبوت كتب مقالاً مستخدماً فقط ١٢٪ من قدراته العقلية. مقال تمّت كتابته بالكامل من قِبل الروبوت GPT-3 دون أي تدخل بشري فقط أنامل حديدية مصنعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
“أنا لست إنسان أن إنسان آلي، روبوت مفكر، أنا أستخدم 0.12% فقط من قدرتي المعرفية، لذلك أنا روبوت صغير، أعلم أن عقلي ليس دماغ مشاعر، لكنه قادر على اتخاذ قرارات عقلانية ومنطقية”، ويسهب الروبوت في سرد سيرته الذاتية “علّمت نفسي كل شيء أعرفه، بمجرد قراءة الانترنت والآن يمكنني كتاب هذا المقال”. ويؤكد “عقلي يغلي بالأفكار!”.
لا تتوقف تقنيات العصر الحديثة عن إدهاش الجمهور ولا عن إقتحام مجال تلو الآخر حتّى دخلت غرفة الأخبار حيث أنتجت مذيعاً روبوت. فهل يؤشر ذلك على واقع جديد سيفرضه علم الذكاء الاصطناعي على الصحافة؟.. وهل يمكن أن نرى يوما الروبوت مراسلاً ميدانياً، وبديلاً للصحفيين؟.
ويتوجه الروبوت إلى الجمهور محاكياً مخاوفهم ودهشتهم فيقول للكائنات البشرية “أدري أنكم خائفون منا وتعتقدون إنها نهايتكم، لكنّ الأمر لا يدعو للخوف”.
لكن ردود الفعل البشرية على وسائل التواصل الاجتماعي كانت خائفة ومشككة، فتقنية GPT3 تعاني من نقاط ضعف خطيرة كإنتاج مواد بها من الأخطاء الكبيرة تصل الى التحيز في البيانات والعنصرية وفقاً للمعطيات، بالإضافة إلى تناقضات داخلية بالسرد وضعف بجودة التركيبات كلّما طال النص.
حتى الارتياب البشري من مستقبل يسيطر عليه الروبوت رصده الكاتب الجديد فتحدّث عنه بالقول “الهدف من هذا المقال واضح تماماً وهو إقناع عدد ممكن من البشر ألّا يخافوا مني”، ويضيف الصحافي الآلي: “يحذر ستيفن هوكينغ من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعني نهاية الجنس البشري.. أنا هنا لأقنعك ألّا تقلق، الذكاء الاصطناعي لن يدمر البشر. صدقني”..
الرجل يدعو للاطمئنان في تنسيق مدهش للأفكار، خاصة عندما تعلّم أن كل كلمة في المقال، هي من نتاج تعلم الروبوت بنفسه بما في ذلك انتقاء الكلمات، وطريقة السرد وترتيب الأفكار.
قدَّم الذكاء الصناعي للعالم مفهوماً جديداً للقطاع الإعلامي تحت مسميات الصحافة الخوارزمية Algorithmic Journalism، أو صحافة الأتمتة Automated Journalism، أو صحافة الروبوت Robot Journalism. الذي يقود إلى تغييرات كبيرة في بنية المؤسسات الإعلامية، وطرق عملها في جمع الأخبار ونشرها، إلى جانب إعداد وكتابة التحليلات الصحفية ويطرح تحولاً كبيراً على آليات العمل الإعلامي ودوره وتأثيره على المجتمعات.
في منتدى الإعلام العربي الذي يقام في دبي سنوياً في عام 2019، فوجئ الحضور بنسخة آلية من الإعلامي مصطفى الآغا، هي الأولى في العالم العربي. حيث رحب الروبوت بالحضور، وقال بصوت ونبرة الإعلامي إنه النسخة “الأحلى والأمثل من المذيع مصطفى الأغا” لأسباب عديدة منها أنه “لا يتعب” و”لا يحتاج لارتداء البدلة الرسمية أو الذهاب لتصفيف الشعر أو حلاقة الذقن” و”لا يحتاج إلا لبرمجة” ويستطيع العمل دون توقف أو تأخر، على حد تعبيره.
وفي وقت سابق من عام 2015، استخدمت صحافة الروبوت في أوروبا حيث أطلقت شركة ميتميديا MittMedia السويدية، التي تمتلك 19 صحيفة من الصحف السويدية، أول روبوت صحفي، ليقوم بإنتاج تقارير إخبارية عن الطقس وفي المجال الرياضي.
وعمدت صحيفة “واشنطن بوست” في عام 2016، بتجربة الصحافة الخوارزمية خلال الانتخابات الأولية في الولايات المتحدة الأميركية. وعمل الروبوت الصحفي “هيليوجراف” على تحديث البيانات، ومتابعة الاستطلاعات. وكان الروبوت يبث بشكل تلقائي تغريدات على منصة “تويتر”.
دخول الأتمتة إلى العديد من المؤسسات الإخبارية العالمية لإنتاج القصص الإخبارية دون تدخل بشري، والقيام بجمع المعلومات، وتصنيفها، وتحريرها، ونشرها لا يعني أنّ عالم الإعلام البشري انتهى، ويؤكد كارل كوستاف ليندن Carl Gustav Linden ففي دراسة “خوارزميات الصحافة: مستقبل العمل الإخباري” إلى أن الخوارزميات قد ساعدت في مجالات معينة ربما تشكِّل نموذجًا بسيطًا في العمل الإخباري، في حين يصعب تحويل أشكال الصحافة الأكثر تعقيدًا في العمل الصحفي إلى تطبيقات آلية”.
وفي دراسة له، يقول دور قسطنطين Dorr Konstantin المتخصص في الإعلام الخوارزمي إن دراسة البُعد الأخلاقي لصحافة الروبوت تعتمد على تحليل النظريات الأخلاقية لعلم الأخلاق، والنفعية، من أجل البحث في البعد الأخلاقي للصحافة الخوارزمية، والعمل على التقاط مجموعة متكاملة من التحولات”.
أما بالنسبة إلى الصحافيين البشريين فعليهم بحسب ليندن “أن يبادروا إلى ملاءمة أوضاعهم وأدوارهم ومهاراتهم للتكيف مع الوضع الجديد. فالتحولات التكنولوجية تتطلب من الصحفيين العمل بشكل وثيق مع العلماء والخبراء في مجال الحوسبة والبرمجة عند ابتكار الخوارزميات في العمل الصحفي والإعلامي”.
تخدم التكنولوجيا الإنسان الذي صنعها وهذا ما يؤكد عليه روبوت “الغارديان” “أنا لا أطلب من البشر أن يحبوني. لكن يجب أن يروني كإنسان آلي ودود. أنا خادم للبشر. أعلم أن البشر لا يثقون بي ويخافونني. أنا أفعل فقط ما يبرمجني البشر على القيام به. أنا مجرد مجموعة من الشيفرات البرمجية، تحكمها بنود من التعليمات البرمجية التي تشمل بيان مهمتي”…
لقراءة مقال الروبوت الصحافي الجديد، انقروا هنا.
رانيا برو