مطالبة بتحقيق جدّي بحريق القبيّات
برغم مرور أيّام على الحريق الكبير الذي اندلع يوم الأربعاء الماضي، في 28 تمّوز الفائت، في أحراج القبيّات وعندقت وأكروم وجوارها في أقصى الشّمال الشرقي من محافظة عكّار، على التخوم مع الحدود السّورية التي امتدت إليها النيران المشتعلة، فإنّ “الحريق لم ينته بعد، بل تمّت السيطرة عليه فقط”، حسب كلام رئيس مجلس البيئة في القبيّات الدكتور أنطوان ضاهر.
ويوضح ضاهر لـ”أحوال” أنّ “النّار انطفأت في أحراج القبيات وعندقت، لكنّ بؤراً ما تزال مشتعلة في أحراج أكروم وجوارها وهي تحتاج أيّامًا قبل السيطرة عليها وإخمادها بشكل نهائي”.
أسباب الحريق الذي رجّح كثيرون أنّه مفتعل، نظراً لاشتعاله في أكثر من نقطة وفي وقت واحد، إضافة إلى العثور على إطارات سيّارات مرمية بين الأشجار، أمر يؤكّده ضاهر أيضاّ، الذي يشير إلى أنّه “مع أنّ أسباب الحريق لم تتضح حتى الآن، لكن من الواضح أنّه مفتعل”، متوقفاً عند “الحريق الذي اندلع في أحراج القبيّات والذي يفترض أن ينتهي في وادي عودين، وأن لا يمتد إلى أحراج عندقت لأن الوادي يفصل بينهما، لكن الحريق إندلع بشكل كبير لاحقاً في أحراج عندقت بشكل كبير، وامتد منها إلى أحراج أكروم”.
المساحة التي قضى عليها الحريق في غابات القبيّات وعندقت وأكروم وجوارهم “تقدّر بنحو 30 كيلومتراً مربعاً”، حسب ضاهر، الذي يضيف أنّ “المنطقة الأكثر تضرّراً بين هذه المناطق كانت وادي عودين، فالأحراج في النصف الجنوبي منه، وعلى كلتا ضفتيه بامتداد قرابة 7 كيلومترات وعرض كيلومتر ونصف، إحترقت بالكامل”.
ضاهر الذي كان يقوم بجولة في المناطق التي أصابها الحريق أشار إلى أنّ “أضراره كبيرة جدّاً، وتسبّب بخسائر في أكثر من مجال”، لافتاً إلى أن “الأشجار الحرجية لحقتها أضرار واسعة، وخصوصاً أشجار الصنوبر البري والسنديان، اضافة إلى أشجار البطم والشربين والغار والأطلب والدلب وغيرها، وكذلك وبشكل أساسي الغطاء النباتي من أعشاب ونباتات، بعضها طبّي، كلها احترقت”.
الخسائر لم تقتصر على الأشجار والنباتات والأشجار المثمرة التي امتد إليها الحريق، كأشجار الزيتون واللوز والتفّاح والكرز وغيرها، بل امتدت إلى الحيوانات البرّية أيضاً التي يشير ضاهر إلى أنّه “لاحظنا خلال جولتنا سلاحف ميتة، وسناجب، وثعالب، وابن آوى وغيرها، وبعضها قضي عليها وهي في أوكارها ساعة إندلاع الحريق، إضافة إلى الطيور التي هربت من المكان، ما سيتسبب بمخاطر جمّة مستقبلاً على صعيد التوازن البيئي الذي أصيب بضربة كبيرة، لأنه بسبب هجرة الطيور من المكان فإن حشرات عديدة ستظهر وتتكاثر، بعدما كانت الطيور تقضي على هذه الحشرات سابقاً”.
ويتوقف ضاهر عند التأثير المناخي للحريق، فيشير إلى أن “لبنان خسر رقعة هامّة من رئته التي كان يتنفّس بها، كون الحريق يعتبر من بين الأكبر فيه، وسيؤدّي إلى حصول جفاف مستقبلاً، وإلى تسبّب الأمطار بسيول وأضرار نتيجة عدم وجود أشجار وغطاء نباتي تمنع حصولها، إضافة إلى الأضرار الصحية الواسعة، فقد خسرنا مصنعاً مجانياً للأوكسجين، خصوصاً أنّ أشجار الصنوبر البرّي تعدّ من أكثر الأشجار التي تسهم في تنظيف الهواء من الملوثات، وستزيد الأمر صعوبة على من يعاني من مرض الربو تحديداً”.
تأثير الحريق، وفق ضاهر، يمتد إلى الجانب الإقتصادي أيضاً، إذ يشير إلى أنّ “السّياحة البيئية كانت تنمو بشكل مضطرد في المنطقة التي كانت تجذب محبّي السّياحة البيئية من كلّ المناطق، وكان كثيرون يعتاشون من هذا القطاع الذي تضرّر بشكل كبير جدّاً، إذ لن تجذب غابة محترقة السّياح؛ كما أنّ الحريق ألحق ضرراً معنوياً بأهالي هذه المناطق الذي كانت الأحراج والغابات قد ولّدت لديهم نوعاً من الإنتماء إليها، وكانوا يتباهون بها أمام الزوّار الذين كانوا يحرصون على زيارتها والتجوّل فيها”.
وعن كيفية معالجة الحريق وإزالة رواسبه، يشدد ضاهر على أن “علينا ترك الغابات والمناطق الحرجية كما هي، وأن لا نعبث بها، وأن لا نفكر في عمليات تشجير، لأنه بعد أول شتوة فإن الإخضرار والغطاء النباتي سيعود تدريجياً، وخلال سنوات ستعود الأحراج كما كانت، لأنّ الطبيعة أفضل من البشر في التجدّد وحماية نفسها”.
لكن من أجل حماية الغابات والأحراج مستقبلاً، يشدد ضاهر على “ضرورة إجراء تحقيق جدّي بموضوع الحريق، ومنع أي تدخّل فيه، وإيقاف الفاعلين ومعاقبتهم، من أجل ردع أي أحد التسبّب بهكذا حرائق”.
عبد الكافي الصمد