لبنان في العناية الفائقة
غلاءٌ معيشيٌّ حارق، أعداد فيروس كورونا في تزايد، تهديد كلّ يوم برفع الدعم عن المنتجات الغذائيّة الأساسيّة والمحروقات، تتطاير سعر صرف الدولار بالنسبة للّيرة اللّبنانيّة، إنقطاع جميع مشتقّات المحروقات أو بيعها بالتقسيط، فقر وجوع وعوز: إنّه واقع لبنان اليوم.
الواقع المرير الّذي يعيشه كلّ لبنانيّ اليوم إثر تدهور الوضع الاقتصاديّ في البلد، والّذي ألغى بدوره وجود الطبقة الوسطى في المجتمع ونقل جميع عائلاتها إلى طبقة الفقراء حيث أنّها باتت تعجّ ب 55% من اللّبنانيين، بعد أن كانت نسبة المواطنين الموجودين تحت خطّ الفقر لا تتخطّى ال 28% في 2019. بالإضافة إلى ازدياد نسبة الّذين يعانون من الفقر المدقع بثلاثة أضعاف، أيّ من 8 إلى 23% خلال الفترة نفسها.
يتهافت كلّ يوم عشرات المواطنين في المحال التجارية (سوبرماركت) للحصول على غالون من الزيت المدعوم، أو كيسٍ من السكر. حتّى أن أصبح تأمين قوت الحياة مشّقة يوميّة، وبات تأمين كيسٍ من الحليب للأطفال طلب يتمناه كلّ أبّ من الله عزّ وجلّ قبل النوم. كلّ هذا للآباء الذين يملكون القليل من المال لتأمين حوائج أسرهم، أمّا الذين لا يعملون أو الذين صُرفوا من أعمالهم نتيجة الضائقة الإقتصاديّة، فلا أحد يسأل عنهم أو عن احتياجاتهم.
لقد مضى ثمانية أشهر وسبعة أيّام على استقالة رئيس الحكومة حسّان ذياب إثر إنفجار مرفأ بيروت الّذي هزّ العالم بأسره، وخلّف العديد من الأضرار البشريّة والماديّة، وترك مئات العائلات بدون أيّ سقف يأويهم، والعديد من الأسر مكسورين بسبب غياب أحد أقاربهم الشّهداء. أكثر من مئتي شهيد وأكثر من 6500 إصابة، جميعهم ينتظرون وعائلاتهم إنصاف القضاء لهم، ينتظرون العدالة بعد مرور العديد من الوقت على هذه الكارثة الوطنية الّتي دمّرت العاصمة بيروت، ينتظرون القبض على المجرمين الّذين ساهموا بهذا الإنفجار بتغاضيهم عن وجود هذه المواد المتفجرة، وبإهمالهم للمسؤوليّات الموكلة إليهم.
وبعد مناورات الرئيس المكلّف سعد الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لا تزال قضية التشكيل قضية مستعصيّة، على الرّغم من الضغوطات الخارجية وتهديد المجتمع الدولي بشكل عام وفرنسا بشكل خاص، بفرض عقوبات مالية كبيرة على معرقلي هذه العملية، ولكن دون جدوى.
أخيرًا، يبقى الإنتظار لتأليف حكومة تنقذ البلاد من الغرق أكثر في المياه الضحلة، وتعطيه الصدمة الكهربائية التي من شأنها إعادة إنعاشه، وإحياء الاقتصاد فيه. فهل تنجح الضغوطات الفرنسية بإزالة العوائق أمام تشكيل الحكومة؟ أم أنّنا سنبقى في حكومة تصريف أعمال إلى أن يفرجها الله؟
نسرين عسّاف