المحكمة الدولية تصدم اللبنانيين و”المستقبل” يعتبر القرار براءة ذمة
أعوام الإنتظار لم تكن كافية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان لكي تُنشىء ملفّا محكما وكاملا بما يخص جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فقرار المحكمة لم يحمل أي جديد يُذكر، سوى إعلانه براءة حزب الله، كتنظيم، وسوريا كدولة من عملية الإغتيال، وبراءة ثلاثة من المتهمين الخمسة.
كانت أسماء المتهمين معروفة منذ سنوات، وهم 5، مصطفى بدر الدين، أسد صبرا، حسن مرعي، حسين عنيسي، وسليم عيّاش، ولكن ما حملته قرارات المحكمة جاء مفاجئا لكل اللبنانيين، سواء المؤيدين للمحكمة أو المعارضين لها، ما جعل قرارها والأدلة التي استندت إليها، خاضعة لألف تأويل وتأويل.
قررت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة، أن المتّهم “سليم جميل عياش مذنب بصفته شريكاً في المؤامرة وارتكاب عمل ارهابي باستعمال ادوات متفجرة وتهمة قتل رفيق الحريري عمداً وقتل 21 شخصاً إضافة لرفيق الحريري، وتهمة محاولة قتل 126 شخصاً إضافة لقتل رفيق الحريري عمداً باستخدام مواد متفجرة”.
كما قررت بأن حسن مرعي وحسين عنيسي وأسد حسن صبرا غير مذنبين في جميع التهم المسندة إليهم، وتحديدا فيما يخص أبو عدس، مع الإشارة الى أن المتهم مصطفى بدر الدين قد سقطت عنه المحاكمة بعد مقتله في سوريا، ولكن لا بد للإشارة الى أن بدر الدين كان حتى صباح اليوم “متهما بأنه العقل المدبّر للعملية”، الأمر الذي نفته المحكمة.
بدأت الجلسة الصباحية بعرض المشهد السياسي الذي كان سائدا في وقت تنفيذ عملية الاغتيال عام 2005، فشعر اللبنانيون أنهم أمام برنامج تلفزيوني سياسي صباحي، ضيفه أحد أركان فريق 14 آذار، اذ تبنى رئيس غرفة الدرجة الأولى القاضي دافيد راي، رواية هذا الفريق، فاعتبر أن حزب الله وسوريا استفادا من عملية الإغتيال، دون أن تجد المحكمة أدلة كافية لناحية تورطهما في الجريمة، الأمر الذي تراه مصادر سياسية لبنانية، مثيرا للتعجّب، مشيرة الى أن الجاهل بالسياسة يدرك أن حزب الله وسوريا كانا أبرز الخاسرين جرّاء الإغتيال، مع العلم أن الوقائع السياسية خاضعة لكثير من وجهات النظر، والتصور الذي رسمته المحكمة لكيفية اتخاذ القرار باغتيال الحريري، لم يفسّر ولم يتطرّق للقاءات الثنائية التي كانت تُعقد بين الحريري الراحل والسيد حسن نصر الله.
وتسأل المصادر: “كيف يكون حزب الله قد استفاد من الاغتيال، ويكون بنفس الوقت على علاقة جيدة برفيق الحريري تاريخ الاغتيال، الأمر الذي أعلنه راي بنفسه؟”.
اعتمدت المحكمة على “داتا الإتصالات” لتجريم سليم عيّاش، وفي هذا السياق لا تريد المصادر العودة مجددا الى الماضي، يوم ثبُت للعالم كيف يمكن تركيب داتا الاتصالات، مشيرة الى أن أدلة داتا الاتصالات يمكن اعتمادها لتوجيه الإتهام للأشخاص، ولكنها لا تعتبر أدلة كافية لإصدار أحكام الإدانة، الأمر الذي لم تتقيّد به المحكمة، اذ لا يوجد أي دليل حسي ملموس سوى داتا الإتصالات.
وترى المصادر أن اعتماد المحكمة على أدلة الاتصالات فقط شكّل صدمة سلبية لكل المعولّين عليها لاتهام حزب الله، كونهم كانوا ينتظرون ادلة أدق، أو على الأقل لم يكونوا متوقعين بأن تقول المحكمة صراحة أن لا ادلة تشير لتورط حزب الله أو سوريا، لذلك شكّلت المحكمة خيبة أمل لمن انتظرها لسنوات واستثمرها، كذلك شكّل القرار مفاجأة لمعارضيها الذين توقعوا أن تُصدر قرارا موجّها، مسيّسا، متّهما حزب الله أو أفراد منه بشكل صريح بتنفيذ عملية الإغتيال.
من جهتها تعبّر مصادر في تيار “المستقبل” عن فخرها بكونها ثابرت لحين حصول رفيق الحريري على القليل من حقوقه على لبنان واللبنانيين، مشيرة الى أن القرار لم يكن مفاجئا لتيار المستقبل، إنما لكل الذين خوّنوا المحكمة منذ إنطلاق عملها حتى الأمس القريب، فهم قالوا أن المحكمة مسيّسة، ونحن قلنا لننتظر، فما هي قد برّأت ثلاثة من أصل 4 متهمين أحياء، ونحن قبلنا بالقرار.
وتضيف المصادر في المستقبل: “حزب الله معنيّ بتسليم المتهم، وبنفس الوقت نحن ملتزمون بالحفاظ على استقرار لبنان، ومنع تحويل رفيق الحريري الى نقطة خلاف، فهو كان مركز جمع للبنانيين وسيبقى”، داعية جمهور رفيق الحريري الى الصلاة عن روحه، والبقاء على دربه، والإيمان بأن لبنان رفيق الحريري سينتصر في النهاية.
اتخذت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قرارها بإجماع القضاة الخمسة، وختمت سنوات التحقيق، ولكن قرارها فتح الباب أمام أسئلة كبيرة، فهل جاء القرار لقلب صفحة وفتح أخرى جديدة قائمة على التسويات؟، وهل هذا القرار المسيس الذي لطالما حذر منه معارضو المحكمة، وهل هذا القرار الذي كان ينتظره البعض لإشعال الشارع في لبنان؟
محمد علوش