ليلى عبد اللطيف منجّمة التوقّعات الخائبة نجمة الشاشات
لا يمكن مقاربة الواقع في لبنان من دون مقاربة الوضع الإعلامي، في ظل تبدّلات كبيرة في مفاهيم وأدوات هذه المهنة بعيداً من الإستناد الى المعايير الإعلاميّة الأكاديميّة والمهنيّة.
وعلى هامش الإنقسام السياسيّ الحاصل، وتموضع وسائل الاعلام في خنادق سياسيّة وإقتصاديّة، يطفو الى السّطح مصطلح “الخواء الإعلامي”.
قد تعجز عن معرفة السبب الذي يتحوّل فيه مطرب لمع نجم أغنيته يوماً الى نجم اسبوعي للشاشات، ليناقش مواضيع مستجدة، بعيداً من الإرتكاز الى أي نهج علميّ، أو قيمة معرفيّة، فيتنمّر ويتهكّم، محاولاً تضمين مروره الأسبوعي بكمّ من “الطرافة” التي يتكلّفها فلا تطاوعه، ويعجزعن التسلّل إلى قلوب المتابعين، في وقت يواصل صرف ما راكمه من رصيده المتواضع يوما.
لو نجحت في إيجاد جواب على هذا السؤال، فحتماً سيقف المتابع عاجزاً، عن الذي قد يجعل المنجّمين أبطالاً للشاشات.
في الحقبات السّابقة، كان نافذو السلطة يحتاجون الى دعائم لتركيز حكمهم وسطوتهم، فبرزت طفرة شعراء البلاط، الذين كان يناط بهم، تلميع صورة الحاكم، ليشكّلوا الدرع الأول في وجه سهام النقد.
اليوم اندثرت هذه الظاهرة، لكن بطبيعة الحال لم يتنازل الحاكم عن أدوات حكمه، إنّما استبدلها، بما يتوافق مع المتغيّرات الحياتيّة، وبما يمكن أن يدغدغ عقول الجمهور بسلاسة.
في ظل فقدان المواطن القدرة على التغيير في الواقع الذي يعيشه، ولا سيّما عندما يعتريه القلق والسواد، إكتشف البعض أنه لا مفرّ من أن تشكّل الماورائيات، عامل جذب واهتمام، ومن هنا كان للمنجمين عصرهم الذهبي في لبنان.
يدرك الساسة في لبنان وبعض الأجهزة، أهمية امتلاك وسيلة إعلامية، تصدح بأفكارهم، وتمسخ الأفكار المتناقضة، بقوالب متعددة، تختلف وفقا لقدرات القنوات المادّية وحتى الإبداعيّة، آخرون كانوا أكثر فطنة من غيرهم، إرتكزوا على المنجّمين لترويج أفكارهم، وآرائهم، في كل مناسبة متاحة.
كانت الأحداث متسارعة في لبنان، وكان فيض من التوقعات الواسعة كفيلاً بأن يحقّق لمطلقه شهرة لا بأس بها، لا سيّما عندما يتم بناؤها إستنادا الى تقارير متابعة ومخطّة بأقلام إعلاميّة، فيصبح التوقع جزءا من التحليل الذي قد يصيب أو قد يخطئ، مع التشديد على ذاكرة اللبنانيين القصيرة في المحسابة والمساءلة، والقدرة التلميعية لوسائل الإعلام، في زمن “الماركيتينغ الإعلامي”.
أكثر الوجوه شرهاً وهوسا بالشهرة، كانت ليلى عبد اللطيف، الى جانب إبداعاتها وبدعها في عالم التوقّعات، غنّت ورقصت، ولم توفّر فرصة متنقّلة بين المحطات، مغدقة الشاشات بتوقعاتها، وتحديّاتها، التي تعكس ثقة كبيرة بالنفس، كما لو أنها تستند الى معادلات علمية لا تحتمل الخطأ.
تكره عبد اللطيف الإعلام الذي لا يحابيها، ولا يصفّق لها، في آخر لقاء تلفزيوني، شاء القدر أن تُقتطع عملية الـ”zapping” عند برنامج كان ضيفته.
كان المحاور يعرض مقطعا مصوراً وهي تؤكد نيّتها إعتزالها الشاشات في حال أخطأت في توقّعها. كانت تجيب بغضب “أنا لم أخطئ، لقد مات الراحل جان عبيد فخامة الرئيس في نظري”، ثم أجابت على سؤال آخر حول إخفاقها في توقّعها عن “أجمل صيفية في لبنان”، فسمّت له احدى المناطق التي حصلت فيها “إحتفالية صغيرة، لتؤكد أنها لم تخطئ”.
فعلا هي لم تخطئ، وليس المطلوب منها أن تصيب، ففي الأساس، لطالما كانت المساحات المخصصة للمنجمين، الصفحات الأخيرة في مجلات التسلية، لكن أمام هذا الخواء الكبير، بتنا امام السباق الأكبر بين الرايتينغ، وباتت وسائل الإعلام تمتلك القدرة على تقديم مواد معلّبة للجمهور، فتركّب العنوان الجاذب الصادم، وترفع صغيرا، وتقزّم كبيرا، لتعيد إحياء الإشكالية الأكبر:
الجمهور عاوز كدة؟ ام أن وسائل الإعلام هي من تفرض على الجمهور ما يريده، وعلى الصحافة أن تكتب عما، لم يكن ليرتقي يوما الى آخر درجة في سلّم أولوياتها.