تحضّروا للوباء القادم بعد فيروس كورونا
فاجأت جائحة كوفيد_19 الكثير من العالم، لكن ليس علماء الأوبئة. فقد حذّر هؤلاء وخبراء آخرون منذ سنوات من أنّنا نعد أنفسنا لمواجهة جائحة عالمية؛ إذ اعتراهم القلق من الأمراض الناجمة عن الحيوانات.
في الواقع، 75٪ من الأمراض الناشئة حديثًا هي حيوانية المصدر؛ ولم يكن كوفيد الذي يُعتقد أنه نشأ في البنغول الذي يُباع في الأسواق الرطبة في الصين_مختلفًا. ولكن مثل كوفيد_19، أصبحت الأمراض الحيوانية المنشأ أكثر خطورة بسبب أفعال البشر.
وكشف الباحثون عن عدة أمراض يُرجّح أن تكون التالية بعد فيروس كورونا، فيما يعملون على محاولة إيقافها:من الإبل الحاملة لفيروس كورونا في أفريقيا، إلى الخنازير المصابة بالإنفلونزا في أوروبا، وغيرها. فما هو الوباء القادم والمتوقع أن يلي فيروس كورونا؟ وكيف يؤثر الإنسان في تسبب تداعيات خطيرة للأوبئة؟
التعديّات والتداعيات البشرية
كشف علماء أنّ السبب في الأوبئة يعود إلى الإنسان؛ وقالوا، لقد ساعد تأثيرنا على المناخ والتعدّي على موائل الحياة البرية والسفر العالمي، على انتشار الأمراض التي تنقلها الحيوانات. وإلى جانب التوسع الحضري والاكتظاظ السكاني والتجارة العالمية، أعددنا سيناريو مثاليًا لمزيد من الأوبئة في المستقبل.
وفي كل عام، تقوم منظمة الصحة العالمية بمراجعة قائمة كبيرة من مسببات الأمراض التي يمكن أن تتسبب في حالة طوارئ صحية عامة، لتحديد أولويات أموال البحث والتطوير. وتركز المنظمة على الأوبئة التي تشكّل أكبر خطر على صحة الإنسان والتي لا يتوفّر لها لقاح، كما تركّز على الأماكن المضيفة.
في ما يلي الحيوانات والأمراض التي تحمل أكبر احتمالية للوباء:
الخفافيش في آسيا: فيروس نيباه
فيروس “نيباه” هو أحد أهم 10 أمراض ذات أولوية لمنظمة الصحة العالمية، ويُعتقد أنّه مرشح ليكون الجائحة التي تلي فيروس كورونا في المستقبل القريب.
وقد تسبب فيروس “نيباه” بعدد من الوفيات في آسيا؛ حيث وصل معدل الوفيات بهذا الفيروس إلى 75٪ ولا يوجد له لقاح. وفيما يركّز العالم على كوفيد_19، يعمل العلماء حالياً على دراسات وقائية للتخفيف من حدة خطورته.
الجدير ذكره أنّ لدى آسيا عدد كبير من الأمراض المعدية الناشئة؛ إذ تتمتع المناطق الاستوائية بمجموعة غنية من التنوّع البيولوجي، مّما يعني أنّها موطن لمجموعة كبيرة من مسببات الأمراض، وهذا يزيد من فرص ظهور فيروس جديد. كما أنّ تزايد عدد السكان، وكثافة الاتصال بين الناس والحيوانات البرية في هذه المناطق، يزيدان أيضًا من عامل الخطر.
واكتشف الباحثون العديد من الفيروسات الجديدة، عبر أخذ عينات من آلاف الخفافيش. لقد اكتشفوا في الغالب فيروسات كورونا، ولكن أيضًا أمراضاً مميتة أخرى يمكن أن تنتقل إلى البشر.
وتشمل هذه الفيروسات أيضاً نيباه، حيث مضيفها الطبيعي هو خفافيش الفاكهة؛ وهو مصدر قلق كبير لأنّه لا يوجد له علاج ولا لقاح. وقد سبّب معدل وفيات مرتفعاً، إذ يتراوح معدل الوفيات في نيباه من 40٪ إلى 75٪، اعتمادًا على مكان انتشار المرض.
البعوض في أميركا الشمالية
بعوضة Aedes vittatus مستوطنة في شبه القارة الهندية، ولم يتم رؤيتها في نصف الكرة الغربي حتى الآن. يمكن أن تحمل الحشرة _ التي تحتوي على بقع بيضاء مميّزة على بطنها_ مجموعة كاملة من الأمراض الضارة، بما في ذلك الشيكونغونيا وزيكا وحمى الضنك والحمى الصفراء. ويتتبع الباحثون انتشار هذه البعوضة في جميع أنحاء العالم لاكتشاف أين قد تظهر بعد ذلك.
الجمال في أفريقيا
قبل ظهور كوفيد_19، كان لدى العالم لمحة عن المخاطر التي تشكّلها عائلة الفيروسات التاجية من مسببات الأمراض. فيما معروف أنّ الجمال تنقل الفيروس فيما بينها، لكن المشكلة وحسب ما ظهرت مراراً أنّ الفيروس يمكن أن يقفز بين الأنواع لإصابة البشر؛ وهو أكثر فتكًا بعدة مرات من الفيروس المسبب للوباء الحالي. الآن في شمال كينيا، يعمل الباحثون على منع هذا الفيروس من الانتقال إلى البشر، لكن تغيّر المناخ يجعل عملهم أكثر صعوبة.
إنفلونزا الخنازير
من بين الفيروسات المعزولة من الخنازير في الصين بين عامي 2011 و 2018، تم تحديد ستة أنواع مختلفة. في عام 2011، كانت الفيروسات السائدة عبارة عن أنواع مختلفة من فيروس إنفلونزا الخنازير H1N1.
إلاّ أنّه تم اكتشاف نوع واحد، على وجه الخصوص، يُشار إليه باسم G4 لأول مرة في العينات المأخوذة في عام 2013. وبحلول عام 2018، أصبح النوع السائد والمعزول الوحيد. تزامن هذا مع زيادة واضحة في أمراض الجهاز التنفسي في الخنازير، مما أشار إلى أنّ فيروس G4 الأصلي قد أصبح متكيفًا بشكل خاص مع إصابة الخنازير، واستُبدل إلى حد كبير فيروسات أنفلونزا الخنازير الأخرى في الصين، ممّا أدى إلى ظهور سلسلة من فيروسات G4 الإشكالية المتداولة الآن.
تم بعد ذلك، اختبار عينات الدم من عمال مزرعة الخنازير (الذين لديهم اتصال وثيق ومنتظم بالخنازير) ومن السكان للتعرّف على فيروسات G4. والمثير للدهشة أن 10٪ من العينات المأخوذة من عمال المزارع، وحوالي 4٪ من العينات المأخوذة من عامة السكان، تحتوي على مثل هذه الأجسام المضادة. يشير هذا إلى أنّ فيروسات G4 قد أصابت البشر بالفعل؛ ولوحظ أن تواتر العينات الإيجابية، وبالتالي تواتر الإصابة، قد زاد في السنوات الأخيرة.
وأسفرت اختبارات احتمالية إصابة الإنسان بفيروسات G4 عن نتائج مقلقة، سيّما أنّ فيروسات الإنفلونزا تنتقل فيما بينها. وهذا يجعلها نموذجًا جيدًا لدراسة الآثار المحتملة لفيروس الإنفلونزا على البشر.
بينما تركّزت معظم خطط الاستجابة للوباء على الإنفلونزا، أظهر فيروس كورونا الحاجة إلى توسيع العمل لاحتوائه. لكن المطلوب حتى قبل التغلب على كوفيد_19، أن يبدأ العمل على الأوبئة القادمة، وهذا ما باشر به العلماء. فظهور الفيروسات أصبح يتفاقم في السنوات العشرين الأخيرة، نذكر منها سارس وميرس و H1N1 والآن كوفيد_19؛ مما يدّل على أنّ الفيروسات الوبائية تنشأ بانتظام ينذر بالخطر، ومن المرجّح أن تستمر في ذلك.
ترجمة عن وكالات: لطيفة الحسنية