طوني خليفة في “سؤال محرج”… لعبة الإحراج بلا فرقعات وتسميات طنّانة
لملم خبرة سنواته الطويلة وعاد إلى الحضن الأم محملاً بزاده الوفير. برنامجان أعطيا محطة LBCI الدفق والاندفاع، بعد أن كادت تدخل طور التقشّف بسبب الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة التي أرخت بمتاعبها على قطاع الإعلام عموماً.
طوني خليفة صاحب السيرة الإعلامية الطويلة يعود الى أدراجه الأولى، ويحجز لنفسه مكاناً صاخباً ليلة الخميس من خلال برنامج “طوني خليفة” و”سؤال محرج” الذي يبث مساء الأحد بالتزامن مع منصة بيروت انترناشونال.
العودة إلى LBCI ليست عودة الإبن الضال بل هي عودة الإبن البار. فهو الذي عمل مدة 15 سنة في استديوهاتها متنقلاً بين قسم الأخبار وبرامج المنوعات والألعاب والمسابقات، فتحت المحطة أذرعها لابن عمشيت الذي يبعد مسكنه ضربة حجر عن المحطّة التي شكّلت كل حضوره ونمّت فيه شخصية الإعلامي الذي عرفه كل الوطن العربي بعد ذلك.
لم يتّكأ خليفة على وهج محطة ليشكّل حضوره. فطالما كان صاحب أفكار لا تعد ولا تحصى في مجال الإعلام. ولم يتبع يوماً فورمات معينة مستوردة، فدوماً كان له بصمة الفكرة والإعداد في كل ما قدّمه خلال مسيرة تجاوزت الثلاثة عقود.
يبحث عن أفضليّة تشعره بالتجدّد ومصلحة يعرف هو مفادها. فبعد 13 عاماً في “الجديد” غادرها مطلع هذا العام حاملاً برامجه ومتجهاً نحو أفق جديد ليتربع في البيت الأول الذي احتضنه وقدم له أرضاً يزرع فيها بذوره التي أنبتت تجربة مدت أغصانها وحطت ثمرها في محطات عربية عدة بين الأردن ومصر ودبي.
طوني خليفة الذي ابتكر كثيراً في مجال برامج الالعاب والمسابقات وترك بصمة كبرى لدى المشاهدين لا سيما في بداية مشواره، وعاد وتسلّق البرامج المنوعة وشكّل حالة فهو المحاور الذي يدقّ بالممنوع دون أن يخدش ودون أن ينتهج الإسفاف ليجلب المشاهد الى صفه. هو اليوم يعيد ترتيب حديقته ويجمع شمل موهبته بين برنامج “طوني خليفة” الذي عرف فيه متطرقاً الى الأوضاع الاجتماعية والسياسية والحياتية، ومحارباً للفساد جامعاً حوله ضيوفاً خبراء يتحدّثون في مواضيع الساعة. فهو بات خبيراً في كشف مواضيع وقصص تتناول أخباراً عجيبة ومثيرة، فيها الجدي وفيها الغريب وفيها الخارج عن المألوف. هذا ملعبه الذي أتصف به متفوقاً على كثر من الاعلاميين الذين حاولوا أن يقاربوا نهجه لكنهم لم يكونوا طوني خليفة.
نجاح خليفة يكمن في أنه طبيعي وعفوي وتشعر بصدقه، ويعرف كيف يدوزن وتيرة كشفه عن الحقائق وكيف يضبط إيقاع الاستديو، فهو طليق اللسان لا يتّكل فقط على الإعداد لأنه أبن خبرة، وهذا يجعل منه حريفاً في مواجهة الكاميرا والمشاهد. يتمتع بطلاقة الإعلامي المحترف واضعاً لنفسه حدوداً في اختيار الكلمات وفي طريقة الحوار بالرغم من أن موضوعاته تكون شائكة أحيانا وغريبة وفاقعة لكنه يرفعها في معالجته الى مصافي الرقي.
برنامجه الجديد “سؤال محرج” الذي بدأ به عبر منصة صوت بيروت ثم نقله معه إلى LBCI يشكّل سابقة في مجال الحوار لضيف معروف في مجال السياسة أو الاعلام أو الدين.
يُشرّح أفكار ضيفه ويضعه في أتون مجمر من خلال صور أو سؤال محرج ويجبر الضيف على الإجابة. مستعملاً لعبة الصور ولعبة الخيارات. هذه السلاسة في الحوار وهذا التجديد كان حاداً وقوياً واستطاع خليفة أن يوصل أفكار ضيوفه إلى لجة الوضوح مخترقاً حجاب التَلطي أو الادعاء.
فخليفة كالجوكر في مكانه فهو الملم في شؤون السياسة والتاريخ ومعاصراً لحروب الوطن ومشاكله، تجعله قادراً على النّقاش وأخذ ضيفه في متاهات وعرة ليكشف عن حقيقة ما ويسلط الضوء على أمورٍ لا يمكن إخفاءها.
“سؤال محرج” هو بيدر خليفة الاستثنائي بعد كل هذه المسيرة الناجحة. فيه يذري قمح ضيفه وزوانه. ويخرج المشاهد بخلاصات واضحة دون أن يقحم المقدم الذكي نفسه في سجالات المرافعة والصوت العالي. يكفي أن يجلس الضيف أمام طوني ليكر الأول مسبحة أفكاره الحقيقية دون مواربة وتأتي الخلاصات النقية التي قد تكون صادمة ووقحة وواعدة.
إنه حوار يشتاق المشاهد الى مثله لما فيه من تجديد واقتضاب ووضوح وبعيداً عن المناكفات والتحدّي. حوار سلس ونقي والنتائج دوماً مذهلة بخلاصاتها سواء رضينا عنها أو لم نرض. لأنها تعطينا حقائق الأمور وتفضح شخصيات كنا نتنور بها أو نظن بها بما ليس فيها.
“سؤال محرج” هو الذي جعل من طوني خليفة وحش الشاشة ووضع العين بالعين دون أن يحتاج الى مسميات برامجه الطنانة السابقة التي كانت أسماً يريد أن ينثر من خلالها غبار السطوع. أسم الاحراج هنا فيه من اللطف والتواضع ما يكفي أن يجعل من المقدم متقدماً وساطعاً بلا فرقعات وتسميات وحشية.
كمال طنوس