الممثلون النجوم والكومبارس جميعاً تساووا عند “رصيف الغرباء”
“رصيف الغرباء” دراما تحمل في معالجتها كل فصول الحياة. صراع بين الغنى والفقر، بين الكرامة والسفالة، بين الحب والكره، وبين المكر والنبل.
رصيف يتّسع ليشمل طرق الناس كلهم في كل زمان ومكان، وكأن الدنيا لا تتبدل عبر الزمن لا بل تترسّخ وتنقشع حقيقتها أكثر. عمل من كتابة طوني شمعون وإخراج وإنتاج إيلي معلوف يعرض على محطة LBCI.
العمل يحكي عن حياة أناس عاشوا في أواسط القرن الماضي. حيث مشاهد القرى النائمة في العزلة والخضرة، والبيوت الحجرية البسيطة وأناس تستدل على مكانتهم من كفوف أيديهم العفرة بالتراب أو الناعمة بعز المال. تأخذنا الحلقات الاولى نحو ضيع الأجداد وعيشتهم البدائية كأننا في فيلم تذكاري يصوّر لنا الحنين وغابر الأيام في دروب شقتها الأرجل ورصفتها بالكثير من المعاناة.
جمالية المسلسل تشرق من تلك الأماكن العتيقة وتجسيدها كما هي بقناديل الكاز وثريات الشموع وحمل الحطب وموقدة النار وجاروشة القمح وبيادر المؤنة ومحراث التعب، وبقرة تنتشل جوع العائلة بضرعيها وفلاح يئن بالقلة ويكتفي برغيف وينام على حصير. وثري ينعم بالسطوة والدار الفسيح ويعامل الناس كخدم ويسطو على أتعابهم، ويعيش حياة الفسق والمجون وينتهك أعراض الناس ويذلهم.
“رصيف الغرباء” هو الحرب بين أصحاب المال والسطوة وبين أهل الفقر والعوز. هذه الحرب الأزلية التي لم تخبُ مع مرور الزمن وإن تغيّر شكلها وطريقتها. إنّها الحرب المستعرة حتى يومنا هذا وكأن أخلاق البشر لا تتبدّل ولا تتطوّر وإن تبدّلت الأمكنة وتغيّرت.
الدراما هي أن نتعاطف مع الحق وننتصر للمظلوم حتى لو لبس ثوب الخيانة أو الجريمة. وهذا ما توصلنا اليه أحداث المسلسل. ننتصر لحب الفقير الذي لا يقيم الغني اعتباراً لعاطفته أو كبريائه فقط يقيمه بماله. ننتصر لحب امرأة تعيش الظلم والقسوة مع زوجها وتجد ملاذها مع طبيبها المتعاطف معها. ننتصر للمختار نصير الفقراء حتى ولو كان أسلوبه ملتوياً أحياناً. ننتصر للرسام الذي لا يقدر فنه ولا يستطيع دفع إيجار بيته. ننتصر للخادمة المعنّفة التي قتلت مخدومها الظالم.
لا يوجد بطل واحد هنا ولا حكاية واحدة كل ممثل هو بطل بدوره. هذا يبخ سماً قاتلاً وذاك يقتل بدم بارد، وهناك من يصرف ماله على القمار والغواني. وأخر يحفر في الأرض ليعيش بكرامة، وشاب فقير يلهث خلف حلمه ولا يجده. هناك شخصيات هامشية لكن أفعالها كبيرة وهناك شخصيات أساسية لكن دورها ساكن. ونحن بانتظار أن يصبح هذا السكون هو الضجيج الذي سيغير مجرى الاحداث ليستكين “الرصيف”.
هل هي زلة أم ارتقاء أن يتساوى الجميع في رصيف الغرباء من ممثل صاحب تاريخ الى ممثل يحتاج تعريفاً. هذه الصدارة لم تغيّر من أهمية التشويق أو تقلّل من قيمة العمل لا بل العكس تماماً، أفرزت وجوهاً جديدة ورفعتها الى الواجهة وجعلت منها شأناً فنياً.
المشاهد دوماً يحب أن يختار بطله ليكون له مثالاً أعلى ويجعله من الصفوة، وهنا لا حيلة أمام المشاهد سوى أن يختار الدور الأكثر انسانية مثل دور فادي أبراهيم أو دور كارمن لبس أو حسين فنيش “نديم” أو بيار شمعون “المختار”. لكن هذا لا يقلل من شأن ممثل آخر أجمعنا على كرهه لكنه كان بارعاً كـ ألان الزغبي “أنور بيك” الذي لعب دوره المقيت بكل حرفية وأبداع وجعلنا نفرح لموته أو دور علي منيمنة “كمال” الذي ورث كل المكر عن أبيه ويقدم لوحات سوداويته فنوناً.
كمال طنوس