مجتمع

اكثر قصور طرابلس عراقة يتداعى.. كيف سيتم إنقاذه؟

إعتصر الحزن قلوب جميع الشماليين ولاسيما منهم أبناء مدينة طرابلس الذين عاصروا أيام العز لقصر رشيد كرامي الثقافي (قصر نوفل سابقاً) وهم يشاهدون نهاية الأسبوع الماضي صوراً من داخل القصر وقد إنهار جزء من سقفه الأثري بسبب تغاضي بلدية طرابلس عن القيام بالصيانة اللازمة نتيجة الأوضاع المالية التي تقصم ظهر الإدارات والمؤسسات في لبنان.

فما هي حكاية هذا القصر الذي كان شاهداً على أهم الساحات في عاصمة لبنان الثانية منذ مطلع القرن العشرين؟

في كتاب حمل عنوان “قصر نوفل” يروي رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي صفوح منجد التالي:

في أواخر القرن التاسع عشر شهدت ساحة التل أو تل الرمل خارج المدينة القديمة المملوكية بداية التماذج العمراني بين الحضارتين العثمانية والأوروبية، وتجلّى ذلك في سلسلة من المباني السكنية والمنشآت ذات الطابع «السلطوي» كسرايا طرابلس والساعة التي تتوسط الساحة و»الكراكون» الذي تحول إلى مخفر للدرك مع بداية الانتداب الفرنسي. وأزيلت كلّها مطلع ستينات القرن المنصرم بمعزل عن رأي أبناء المدينة، باستثناء برج الساعة الذي بني في الذكرى الـ 25 لجلوس السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.

أما المباني السكنية فامتازت بطوابقها وارتفاعاتها في حين لم تكن المباني داخل المدينة القديمة تتجاوز الطبقتين أو الثلاث. ومن المباني التي لا تزال قائمة ومشرفة على ساحة التل ذلك «القصر» القابع بجلال ووقار عند الجهة الجنوبية الغربية كالحارس وحامل مفاتيح التل وساحته.هذا المعلم أطلّ على المدينة مطلع القرن العشرين بعدما أنجزه مالكه قيصر نوفل الذي لم يُعرف الكثير من تفاصيل حياته الدقيقة، ولكن بالعودة إلى «سالنامه ولايت بيروت» بين العامين 1893 و1908 يتبيَّن أنَّ قيصر نوفل كان من أبرز رجالات طرابلس فقد شغل مناصب عدة دفعةً واحدة في النظام العثماني.

ومنذ نشأته فرض «القصر» هيبته على ساحته وامتاز بقرميده الأحمر الشهير بقرميد مرسيليا القائم على سطح المبنى البالغة مساحته 864 متراً مربعاً. وكان الأكبر وليس الأوحد في التل أو في محيطه. ويكتسب قرميده لوناً جمالياً أخّاذاً مختلفاً عن أي سطح  آخر.

وجمالية القصر لم تقتصر على قرميده، بل انسحبت على مجمل تفاصيله من الخارج في تلك الزخارف والنقوش على الجدران والتي تزيّن الشرفات. ووضع نوفل عند مدخل قصره لوحة رخامية تحمل الحرفين الأولين من اسمه باللغة اللاتينية وتاريخ البناء (CN 1898) إضافة إلى رمز نباتي.

واحتل القصر الطبقة الأولى من البناء فوق قناطر وعقود ضخمة تمثّل الطبقة الأرضية. وللوصول إلى الطبقة العليا يتوجب ارتقاء أحد درجين رخاميين عند واجهة المبنى  ينطلقان من باحة مكشوفة تتوسطها بركة ماء صغيرة، ويلتقيان عند باب ضخم  يؤدي إلى رواق صغير وغرفتين، تقابلهما حمامات استحدثت في زمن لاحق، ومن ثم إلى رواق آخر ضخم يؤدي يميناً إلى المطابخ ويساراً إلى الشرفات الأمامية المطلة على شارع التل. ويمكن الصعود من تلك الفسحة إلى طبقة عليا قائمة تحت القرميد تم استخدامها في وقت لاحق لتكون مقراً لأعمال التوثيق الخاصة ببلدية طرابلس. وعلى امتداد هذا الرواق الكبير تقوم خمسة أبواب تؤدي إلى صالة كبرى ذات سقف بديع ونقوش ترمز إلى أزهار ونباتات ملونة تختلف عن مثيلاتها في سائر سقوف القصر، وتتدلّى من سقف الصالة ثريات كبيرة من الكريستال.

وقد حُوّلت الطبقة الأولى من قصر نوفل إلى «كازينو طرابلس» وزبائنه من النخبة الأجنبية والمحلية، وضم حلبة رقص وأوركسترا أجنبية وله حديقة صيفية مشهورة، ثم توسع ليضم صالتي سينما وبلياردو خاصتين باعتبار أن رواد الكازينو اعتبروا أعضاء في ناد شبه خاص خصوصاً أن من بينهم كبار الضباط العسكريين الفرنسيين والمحليين. وفي وقت لاحق تحول الكازينو إلى ناد مغلق لأبرز موظفي شركة نفط العراق وعائلاتهم الذين كانوا بأكثريتهم من البريطانيين وأصبح الكازينو بذلك أكثر خصوصية وانغلاقاً.

وتم تداول ملكية القصر في الخمسينات والستينات بين عدد من الملّاكين والتجار، ولاحقاً استملكته الدولة اللبنانية عبر وزارة المال (1968) وقدمت الطابق الأعلى هبة إلى بلدية طرابلس التي حوّلته إلى مركز ثقافي يضم مكتبة عامة، فيما حولت الطابق الأرضي إلى متاجر تعود عائداتها إلى وزارة المال.

بعد سنوات من استملاكه شاءت الظروف الأمنية والأحداث التي توالت على المدينة وما تخللها من اضطرابات إلى تأجيل افتتاح المركز الثقافي البلدي – قصر نوفل، إلى صيف العام 1978 حين استقرت الأوضاع عقب حرب السنتين (1975 – 1976). وفي الأول من حزيران 1987 اغتيل رئيس الوزراء رشيد كرامي بتفجير الطوافة العسكرية التي كانت تنقله من طرابلس إلى بيروت، وخلال اجتماع للمجلس البلدي اتخذ قرار بإطلاق اسمه على المركز الثقافي البلدي – قصر نوفل.(انتهى الاقتباس).

وطوال السنوات اللاحقة شهد القصر مختلف النشاطات الثقافية والتربوية والمؤتمرات الصحفية والندوات إلى جانب مكتبة كانت تستقبل زوارها بانتظام.

وجاء إحراق مبنى البلدية العام الماضي ليزيد إهمال باقي المباني العائدة لها ولاسيما الأثرية التي كانت بحاجة إلى صيانة دائمة الأمر الذي أدى إلى إنهيار جزء من إحدى السقوف (كما هو ظاهر في إحدى الصور)، وقد شوهد بعض عمال البلدية يقومون باصلاحات أولية ويبقى الخوف أن لا يتم التعاطي بما يكفي من إهتمام (بحجة انهيار سعر الليرة اللبنانية) لتطال الإنهيارات باقي الأقسام فتقضي على مبنى طالما تردد اسمه على شفاه ابناء المدينة لقرن وعقدين من الزمن.

مرسال الترس

مرسال الترس

اعلامي لبناني كتب في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى