منوعات

توسّع “المردة” بين الموانع البديهية والحسابات السياسية

بدأ القلق يتسلل الى المجتمع المسيحي مع تعاظم نفوذ السلاح الفلسطيني في لبنان منذ منتصف ستينيات القرن الماضي حيث أرخى بظلاله على الحياة السياسية اللبنانية منتهكاً أبسط قواعد السيادة وكاسباً عطف القواعد المسلمة. فراح المسيحيون يتدرّبون على القتال من خلال الاحزاب القائمة او عبر خلق مجموعات تعود للزعامات الاقطاعية والمناطقية. في هذا الاطار، إنطلق عام 1968 “لواء المردة” جناحاً عسكرياً لآل فرنجية ومن يدور بفلكهم في زغرتا مثل “لواء تنورين” لآل حرب و “لواء المقدمين” لآل رحمة و “لواء عكار” و “لواء قاديشا” في بشري.

مع انتهاء الحرب عام 1990، بقي “المردة” متقوقعاً سياسياً في زغرتا والاقضية المجاورة التي تمدّد اليها عسكرياً في زمن الحرب كالكورة والبترون أو كعكار بحكم مصاهرة النائب الراحل عبدالله الراسي لآل فرنجية. لم يعبر المدفون نحو العمق المسيحي في جبل لبنان رغم ان المناخ كان مؤاتياً جراء الفراغ التنظيمي على الساحة المسيحية مع نفي الجنرال ميشال عون الى فرنسا حيث الرئيس امين الجميل والعميد ريمون اده سبقاه الى المنفى الباريسي ولو كان أحياناً إختيارياً ومع حلّ “القوات اللبنانية” وإعتقال الدكتور سمير جعجع وإضطهاد مناصريها. فلم يسعَ “المردة” كما “الوعد” مع الوزير الراحل ايلي حبيقة أو “القومي” او ميشال المر وغيرهم الى تأمين الحماية للملاحقين خارج منطقته او الخدمات من أجل ضمهم لصفوفه.

إنتظر “المردة” الى ما بعد العام 2005 ليأخذ قراراً بالانتشار معرباً عن دهشته من حجم الدعم الشعبي الذي يتلقّاه بدءا من كسروان وجبيل وبعدها المتن وبعبدا وصولاً الى زحلة. مصدر متابع منذ حقبة التسعينات يشير الى ان “عدم توسع “المردة” قبل هذا التاريخ يعود الى شخصية الوزير السابق سليمان فرنجية “المتراخي” تنظيماً والمكتفي بزعامته الزغرتاوية المتمددة الى الاقضية المجاورة، معتبراً انه كان غير مكترث بتعزيز الإنتشار بل يفضّل إستغلال الوقت الذي تتطلبه ورشة كهذه لممارسة هواياته”.

توسّع “المردة” انتهى في عزّه بمراكز لا تتخطى أصابع اليدين في الاقضية الخمسة، مراكز تضجّ بالصمت القاتل والغبار حيث لا عدد مناصرين يذكر وبعضها ما لبث أن سارع الى الاغلاق النهائي.

بداية التوسع كانت من كسروان، حيث استعان بالطبيب الزغرتاوي جو مخلوف وافتتح فرنجية شخصياً اول مكتب في ايلول 2007. لكن بعد فشل مخلوف السريع والمدوي، إستعان بشقيقة زوجته ريما قرقفي إبنة الغابات ريتا قرقفي، لتسلّم مكتبي المردة في كسروان وجبيل. فسارعت بتصاريحها لإعلان النجاحات والادعاء ببحر من الانتسابات. لكن الفشل تكرر وسط خلافات داخلية، ما استدعى إصدار فرنجية أمراً حزبياً في ايلول 2012 ليستعين بقرقفي مجدداً لاستنهاض حال “المردة” في كسروان وجبيل بعدما كانت تركت مسؤوليتها. كما ان محاولة الاعتماد ايضاً على إبن مشمش فراس سعد الذي عين مستشاراً في وزارة الاشغال خلال تولي “المردة” لها لم تسعف حضورهم شبه المعدوم. فالزفت الاسود الذي أغدق به البلدات الى جانب الخدمات في الوزارة لم يبيّض وجه “المردة”. كذلك لم يستطع فرنجية ان يستفيد من علاقاته الشخصية برئيس بلدية جبيل الراحل جينو كلاب لكسب المناصرين.

في المتن، الوضع لم يكن أفضل اذ أقدم على إفتتاح مكتب في الجديدة شارع الحكمة برئاسة شاب زغرتاوي ولم يتردّد عليه إلا “المردة” الزغرتاويين وما لبث ان اقفل حفاظاً على ماء الوجه كونه اشبه بمركز لـ “الاشباح”.

عام 2011، كان الموعد مع زحلة حيث “الطنة والرنّة” التي قام بها “المردة” والحديث عن مئات طلبات الانتساب انتهت بانتسابات محدودة خصوصاً بعدما استقال العونيون الذين انضموا الى “المردة” وعادوا الى قواعدهم سالمين وبعدما قطعت “الكتلة الشعبية” الطريق على سحب “التيار الفستقي” لمناصريها. والانجاز في قضاء زحلة تمثل بتعيين المكلف من بنشعي بمتابعة الملف التنظيمي للتيار في البقاع الأستاذ الجامعي إلياس لبس سفيراً للبنان في فنزويلا. اليوم، “المردة” في زحلة ليس أكثر من “تلوينة” سياسية باهتة ولا حضور جدي له.

فقط في قضاء بعبدا، نجح “المردة” بالعثور على وجّه ناشط يطل من خلاله هو رئيس بلدية بزبدين بيار بعقليني “المتحوّل” حزبياً. ففتى “كتائب” كريم بقرادوني في زمن النظام الامني اللبناني – السوري، بقي حين عادت “الكتائب” الى قواعدها مع النائب الشهيد بيار الجميل. لكنه ترك “الحزب” حين دخل النائب السابق سامي الجميل الى الصيفي لأن الأخير نكث


باتفاق المصالحة الذي كان يرعاه شقيقه.

كما مع سعد في جبيل كذلك مع بعقليني في بعبدا حيث عيّن أيضاً مستشاراً في وزارة الاشغال. نجح بعقليني بخبرته الحزبية “العتيقة” بخلق شبكة علاقات “زفت” وخدمات مع بعض رؤساء البلديات ومع بعض الافراد. لكنه لم يتخط حجم أي مفتاح انتخابي اي ثلاث مئة او اربعمئة صوت يمون عليهم في صناديق الاقتراع لا في حمل بطاقات “المردة”.

في البدء كان الوزير فرنجية يقول إن “المردة” “تُكمل” التيار الوطني الحر ولا تنافسه ومع التدهور التدريجي للعلاقة بين التيارين الفستقي والبرتقالي، أصبح فرنجية يتهم الجنرال عون عام 2013 بـأنه “يعاملنا كأتباع، ونحن في حياتنا لم نكن أتباعاً لأحد، وهذه هي المشكلة”. 8 سنوات مضت على ذلك، ومقولة “ما خلونا” التي كانت قد تجوز نظرياً لتبرير أخفاق “المردة” بالتوسع سقطت، فلماذا لم ينجح بتمدّده؟!

رؤيتان للتوسّع تتجاذبان قيادة “بنشعي”:
أ‌- التوسع من فوق أي عبر نسج التحالفات مع زعامات مناطقية أو ظواهر نيابية، وهذا الميل يمثله الوزير فرنجية. إنه طرح اسهل من طرح التوسع الشعبي وأقل كلفة مالية وأخف مخاطر فشل. قبل عام 2018، كان هناك النائب السابق اميل رحمة الذي أهداه “حزب الله” الى بنشعي لتأمين كتلة من 4 نواب والمشاركة في طاولة الحوار يوم كانت جزءاً من تكتل “التغيير والاصلاح”. عند الجد بين “المردة” و”العونيين” إختار رحمة التموضع في الرابية وعندما جدّ الجد بين “الحزب” والعونيين عشية الانتخابات النيابية عام 2018 كانت الاولوية لحاضنة “الحزب”. بعد هذا الاستحقاق، سعى فرنجية الى تشكيل كتلة مع اصدقاء “المردة”، فتواصل مع النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد ويقال انه سعى مع عين التينة ان ينضم ابراهيم عازار إلى كتلته النيابية ولم تفض جهوده إلا الى ضم النائب فريد هيكل الخازن.

مع التأكيد ان “الشيخ” فريد يصر على علاقة ندية مع سليمان “بيك” وهو نجح بتذكية توزير السيدة لميا الدويهي يمين في “العمل” ولكن لا يمكن ان ينضمّ الى “المردة” خوفاً من الذوبان فيما كان يسعى لوضع يده على “الاحرار” حيث أصول العائلة الحزبية. كما انه لا يستطيع ان يمون على ناخبيه للانتساب الى “المردة” اذ يدرك جيداً ان الهوى السياسي للسواد الاعظم منهم هو أقرب الى “القوات”.

الخلاصة ان التوسع من فوق ليس سهلاً لأنه قائم على حسابات أطرافه وطموحها خصوصاً ان “المردة” لا يقدم إنتخابياً اي قيمة مضافة لهم والقيمة المضافة خدماتياً أصبحت محدودة.

ب‌- التوسع من تحت أي عبر فتح المراكز على مساحة الوطن وضم المنتسبين. النائب طوني فرنجية يدعم هذا التوجه وهو اعلن مراراً في الاعلان انهم أخطأوا حين تلهوا بـ”التيار وطني الحر” ووقفوا على خاطره يوم كانا في شهر العسل وانه يجب الانتقال من مرحلة فتح المكاتب الى وجود مرشحين “مردة” وليس فقط اصدقاء.

لكن ثمة موانع بديهية ادت الى فشل التوسع رغم المحاولات المتكررة منذ العام 2006، يفنّدها المصدر المتابع كالآتي:

1 – عدم تقديم نموذج حزبي جديد بل نموذج إقطاعي بإمتياز يجاهر بوراثة الزعامة. فالوجه الشبابي للنائب طوني فرنجية هو في الحقيقة وجه طوني ابن سلميان ابن طوني ابن سليمان فرنجية سليل البيت السياسي. كما ان من يريد السير خلف زعيم إقطاعي يفضّل بشكل بديهي السير مع الاقطاعي في منطقته.

2- العلاقة التاريخية بين آل فرنجية وآل الاسد ونظرتهم للعروبة وللعلاقة مع سوريا التي تعود الى حقبة فرار سليمان فرنجية الجد اليها عقب تورطه بمجزرة مزيارة عام 1957 قبل أن يعود الى لبنان بعفو، كلها أمور لا أرض خصبة لها في البيئة المسيحية لهذه الاقضية في الاساس. اما الانعطافة التي نجح بها الجنرال عون بشارعه من “بدي كسر راس حافظ الاسد” عام 1989 الى زيارة دمشق عام 2008، فلا يملك فرنجية المقدرة ولو الجزئية للانعطاف بقسم من هذه الارض الى خيارات تناقض مسارهم التاريخي.

3- الترغيب الخدماتي الذي قد يقدمه “المردة” عبر وزارة يمتلكها لا يقارن بما قد يقدمه “التيار العوني” بإمتلاكه وزارات بلغت في بعض الحكومات عتبة العشر.

يتابع المصدر: “بغض النظر عن مدى إقرار “المردة” بهذه الموانع، ثمة حسابات سياسية قد تدفعه على مسافة سنة من استحقاق رئاسة الجمهورية الذي يشكل فرنجية احد مرشحيه الى تأجيل التوسع ليس فقط جراء الانهيار الذي يعيشه البلاد والغضب الشعبي العارم من الاحزاب التي شاركت بالحكم وتداعيات جائحة كورونا بل لأن فرنجية يدرك ان لا حجم التكتل النيابي ولا مدى الانتشار الحزبي هما من “عدّة الشغل” للوصول الى قصر بعبدا بل من “عدةّ التبرّج”.

يختم المصدر: “في حسابات فرنجية السياسية انه في حال وصوله الى بعبدا سيستفيد من الدفع الذي يعطيه اي عهد عند إنطلاقته ويوفر المجهود. وهو في الاساس بدأ يتلمس دفعاً بمجرد إرتفاع اسهمه للرئاسة كالمرشح الاقوى في صفوف “8 آذار” اذ إن مسيحيي “8 آذار” الذين هم على خلاف مع التيار العوني سعوا الى تشكيل جبهة وإعلان دعمهم وصول فرنجية الى بعبدا، لكن عدم إعطاء “حزب الله” الضوء الاخضر دفع بهم الى تجميد هذه الخطوة حاليا”.

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى