انتخابات

إنتخابات عكّار: الصّراع بين “البيك” و”الفلّاح” يعود إلى الواجهة

عاد الصّراع بين البيك والفلّاح حول الزعامة السّياسية والمقاعد النّيابية إلى الواجهة مجدّداً في عكّار، بالتزامن مع تطوّرات سياسيّة بالغة الأهمية طرأت على المشهد العام في عكّار خصوصاً، وفي لبنان عموماً، وهي تطوّرات يُنتظر لها أن تتبلور أكثر خلال المرحلة المقبلة، وأن يشهد الصراع بين بكاوات وفلاحي عكّار أشكالاً جديدة ومختلفة عن السّابق، بالتزامن مع بروز قوى أخرى.

الصراع المذكور ظهر بقوّة على السّطح عندما أعلن عضو كتلة المستقبل النّائب وليد البعريني، في 9 شباط / فبراير الجاري بأنّه سيترشح للإنتخابات النّيابية المقرّرة في 15 أيّار المقبل، وأنّه سيترأس اللائحة التي سيشكلها، في خطوة جاءت بعد أيّام على إعلان الرئيس سعد الحريري، في 24 كانون الثاني / يناير الماضي “تعليق” عمله في الحياة السّياسيّة في لبنان، وعدم ترشّحه هو أو أحد من أفراد العائلة أو تيّار المستقبل للإنتخابات المرتقبة.

ومع أنّ البعريني خالف قرار الحريري، لكنّ النّائب العكّاري أوضح أنّه أبلغ الحريري بالأمر عندما التقاه حين عودته الأخيرة إلى لبنان، وأنّ البعريني أبدى للحريري رغبته “الإستمرار بالترشّح وأن ‏يسير وفقاً للعناوين العريضة التي يضعها”، لافتاً إلى أنّ الحريري “لم يُعلّق على الموضوع”.

إستمرار البعريني في الترشّح ليس هو ما أثار حفيظة زملائه في كتلة المستقبل، بل تأكيده أنّه سيترأس اللائحة التي سيخوض معها الإنتخابات، ما يعني أنّه قطع الطريق على ترؤسها من قبل آل المرعبي تحديداً، وهم “بكاوات” عكّار الذين بقيت المقاعد النّيابية بالمنطقة محصورة بهم، عبر فروعهم الكثيرة المنتشرة في بلداتها وقراها، منذ أيّام الإنتداب الفرنسي وصولاً إلى انتخابات عام 1972، وهي آخر إنتخابات جرت قبل الحرب الأهلية 1975، مستندين إلى نفوذ واسع حصلوا عليه أيّام حكم العثمانيين الذي سلّموهم “مقاطعة” عكّار لعقود طويلة.

لكن حلقة نفوذ آل المرعبي كُسرت عام 1991 عندما جرى تعيين وجيه البعريني في المقعد النيابي الشّاغر بوفاة سليمان العلي، أحد أبرز وجوه آل المرعبي ونوّابهم، منذ فوزه لأوّل مرّة بالإنتخابات النّيابية عام 1942. وما أثار حفيظة آل المرعبي حينها أنّ البعريني ينتمي إلى طبقة الفلّاحين وليس البكاوات، وأنّ والده قد خسر في انتخابات عام 1972 التي ترشّح لها، ما أجّج صراعاً طبقياً في المنطقة لم يغب عنها يوماً، ولكنّه كان يتراجع أو يعاود الظهور حسب الظروف والتطورات.

ومع أنّ البكاوات والفلاحين قد بقيا متعايشين في انتخابات 1992 و1996، حيث كان البعريني يترشّح جنباً إلى جنب مع طلال المرعبي، فإنّ إنتخابات عام 2000 كانت محطة مفصلية في تاريخ المراعبة في عكّار، عندما خسر المرعبي حينها مسجلاً غياباً مرعبياً للمرّة الأولى عن مجلس النوّاب، بينما إستمر البعريني في مقعده، مع تسجيل سابقة تمثلت بفوز محمد يحيى وجمال اسماعيل من منطقة واحد خالد، وهي منطقة ذات طابع عشائري حصل قسم كبير من أهلها على الجنسية اللبنانية عام 1994 بعد حرمانهم منها منذ تأسيس لبنان الكبير.

هذا التحوّل عامها أعقبه تحوّل مفصلي من نوع آخر في انتخابات 2005 التي أعقبت إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام، فحينها دخل تيّار المستقبل إلى عكّار من الباب العريض وبات اللاعب الرئيسي فيها، بعدما نال فيها تعاطفاً شعبياً وتأييداً سياسياً غير مسبوق، إذ خسر البعريني مقعده بينما عاد المراعبة للمجلس النيابي عبر شخصيات موالية للتيّار الأزرق وليس العائلة، ففاز بالمقاعد السنّية الثلاث نوّاب ينتمون لفروع آل المرعبي، هم: محمود المراد وعزّام دندشي ومصطفى هاشم، قبل أن يطرأ تعديل بانتخابات 2009 باقتصار تمثيل آل المرعبي على معين المرعبي، ودخل للندوة البرلمانية وجه جديد هو خالد زهرمان، وعودة خالد ضاهر للمجلس النيابي وهو الخارج من رحم الجماعة الإسلامية التي فاز بمقعدها الوحيد في انتخابات 1996.

إنتخابات عام 2018 أعادت نسبياً التوازن السّياسي المستجدّ في عكّار، مع فوز طارق طلال المرعبي بأحد مقاعدها وإعاد النيابة إلى عائلته ووالده، ونجاح البعريني بإعادة المقعد النيابي إيضاً لعائلته ووالده وجيه البعريني، وإعادة محمد سليمان المقعد النّيابي أيضاً إلى وادي خالد.

غير أنّ إنسحاب الحريري وتيّاره من المشهد أعاد الصراع بين بكاوات وفلاحي عكّار ووجوهها السّياسية الجديدة إلى الواجهة مجدّداً. فالبعريني يعتبر أنّ له أحقية بترؤس أيّ لائحة في عكّار بعدما تقدّم نوّابها في انتخابات 2018 بفارق كبير بعدما نال 20426 صوتاً تفضيلياً، وطلال المرعبي الذي ترجّح معلومات أنّه سيترشح عوضاّ عن نجله طارق يرى أنّ الفرصة مناسبة له لإعادة زعامة المراعبة للمنطقة، أمّا بقية المرشحين مثل محمد سليمان وخالد ضاهر وسواهما فيرون أنّ الفرصة مؤاتية لتسجيل حضورهم كقوة ثالثة في عكّار، إلى جانب الأحزاب الحاضرة في المنطقة كحزب البعث والحزب السّوري القومي الإجتماعي، والقوّات اللبنانية والتيّار الوطني الحرّ، وتيار المردة والحزب الشيوعي، ما يعكس طموحاً متعدّد الأضلاع ينتظر أن تتوضح معالمه في صناديق الإقتراع بعد قرابة 3 أشهر.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى