منوعات

ترسيم الحدود ملف ساخن مفتوح في لبنان 2021

ضغوط أميركية وتهديدات إسرائيلية واجتماعات لبنانية لتأكيد التمسك بكل نقطة ماء

سنة جديدة مصيرية صعبة وقاسية قادمة على لبنان، تتطلّب صبرًا نفذ من اللبنانيين وبصيرةً مفقودة في العقل السياسي. تحولات المنطقة ووقوع لبنان في فخ الأزمات الداخلية المتشعبة يجعل من العام 2021 قدرًا ثقيلًا بملفات وتحدّيات شائكة، وحاسمًا لوجود لبنان الدولة والكيان المتقهقر. لا حكومة، أزمة اقتصادية ومالية مستفحلة ووحش وباء يفتك بصحة الناس كل هذا يمثل جزءًا من الصورة البانورامية للمعضلة المعقدة فيما الجزء الأكثر حساسية هو ملف ترسيم الحدود البحرية الذي يُفاقم الضغوط الأميركية والإسرائيلية على لبنان ويهدّد سياسييه بالعقوبات.

مع إطلالة العام الجديد، كل الجبهات السياسية المفتوحة بين الطبقة الحاكمة في كفّة والضجيج المغلّف بلغة دبلوماسية على الحدود البريّة والبحرية مع فلسطين المُحتلة في كفةٍ أخرى. فثغر الحدود ليس أكثر هدوءًا من ثغور الداخل المفتوحة على العبث والفوضى والمزيد من التقهقر، ويتوقع أن يشهد هذا الملف سخونة ترفع من وتيرة التشدّد والشروط المفروضة على لبنان في العام الجديد.

بعد أن تعطلت الجلسة الخامسة تحت بند “التأجيل” تبقى جلسات مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل مفتوحة على العدم وربما إلى ما بعد تسلّم الادارة الاميركية الجديدة وتشكيل عناصره الجديدة التي تتولى رعاية المفاوضات. وحتى تنجلي الصورة أميركيًا انشغلت الأروقة الداخلية اللبنانية بسلسلة اجتماعات بين الوفد اللبناني للمفاوضات برئاسة العميد بسام ياسين وكل من رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية في الحكومة المستقيلة شربل وهبة لبحث الخطوات المقبلة في ضوء تمسك لبنان بحقّه كاملًا في حدوده البحرية، وضغوط أميركية للتراجع عن بعض النقاط بعد اتهامات اسرائيلية للبنان بتغيير موقفه وتهديدات عبر الإعلام العبري بمنع لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية.

الموقف اللبناني المنفتح على إنهاء هذا الملف دون المسّ بالمكتسبات الوطنية عبّر عنه رئيس الجمهورية مؤخرًا بقوله “من الممكن تذليل الصعوبات التي ظهرت بالجولة الأخيرة من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل”. جاء ذلك خلال لقائه في بيروت رئيس الوفد الأميركي الوسيط في المفاوضات جون ديروشيه وأوضح عون “من الممكن تذليل الصعوبات التي برزت في الجولة الأخيرة للتفاوض (غير المباشر) مع إسرائيل، من خلال بحث معمّق يرتكز على الحقوق الدولية ومواد قانون البحار”. وأضاف “لبنان متمسك بسيادته على أرضه ومياهه، ويريد أن تنجح مفاوضات الترسيم البحرية، لأن ذلك يعزز الاستقرار في الجنوب وسيمكّن من استثمار الموارد الطبيعية من غاز ونفط”. كما شدد عون على ضرورة استمرار هذه المفاوضات لتحقيق الغاية من إجرائها، قائلًا “إذا تعثر ذلك لأي سبب يمكن دراسة بدائل أخرى”.

بخلاف الاتفاق على مبدأ التفاوض، فإن تقييم جلسات التفاوض الأربع “صفر” إيجابية مع انعدام التوافق على أي نقطة من النقاط. المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية في ظل الادارة الاميركية الحالية لن تصل إلى أي مكان” قال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في حواره الأخير مشيدًا بأداء الدولة اللبنانية في إدارة الملف. هذا الكلام يوحي بأن مسار التفاوض لا يزال طويلًا ومعقدًا لا يبدو، مع العلم أنه يمكن الجزم أنَّ المفاوضات الجدّية لم تنطلق بعد أن استحكمت التعقيدات حول نقاط أساسية خلال الجلسات الأربع في رأس الناقورة.

وسط إصرار أميركي لإنجاز على الساحة اللبنانية ربطًا بمصلحة إسرائيلية، بدأـت جلسات التفاوض في 14 تشرين الأول الماضي، في رأس الناقورة، بحضور مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، وانتهت بإعلان أميركي أيضًا لتعليق الجلسات بعد الجلسة الرابعة التي لم ترض الجانب الإسرائيلي. وشهدت الجلسة الرابعة مفاوضات شاقة وصعبة عرض خلالها الوفد اللبناني مستندات ووثائق وخرائط تثبت حق لبنان في حدود مياهه البحرية، وفقًا لقانون البحار المعترف به، وفي مساحته البحرية البالغة 1430 كيلومترًا مربعًا. الأمر الذي أثار حفيظة الإسرائيليين ودفع وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس لدعوة الرئيس عون في تغريدة عبر “تويتر” للقاء في احدى الدول الأوروبية سرًا أو علنًا لحل هذا الخلاف بين الطرفين”!.

وفي وقت يدفع الاسرائيلي والأميركي للتراجع عن الخطوط التي طرحها المفاوض اللبناني في جلسة المفاوضات الأخيرة لترسيم الحدود، عندما طالبَ باسترداد مساحة تتخطى 2190 كلم مربعًا في البحر، بدلًا من مساحة 863 كلم مربعًا. تبلّغ لبنان في الفترة السابقة طلبات مكررة من الوسيط الأميركي للعودة إلى الخطوط الأولى، والالتزام بالتفاوض على المنطقة المتنازع عليها، أي الـ 863 كيلومترًا مربعًا، فيما الموقف اللبناني ثابت وقد أبلغ الموفدين أن لبنان لن يتراجع عن السقف التفاوضي الذي وضعه، وهو يملك وثائق وخرائط تؤكّد حقه في 1430 كيلومترًا مربعًا إضافية.

فعليًا ومنذ الجلسة الأولى، الخلاف بدأ حول المرجعية التي يجب اعتمادها لانطلاق المفاوضات ففي حين طالب لبنان بمرجعية اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار رفضت إسرائيل الاتفاقية التي لم توقع عليها. وفي حين أن الانطلاق من نقطة برية للترسيم بحسب اتفاق الإطار الذي أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أبدى الوفد الإسرائيلي استحالة الترسيم البري كما رفض اعتماد تحديد نقطة الحدود في رأس الناقورة في الجزء المحتل من الأراضي الفلسطينية. وهذه النقطة المحورية التي يرفض الوفد اللبناني التراجع عنها. وصخرة “تيخليت” التي تحوّلت إلى “جزيرة” لدى الوفد الإسرائيلي، أضافت إلى التباين حول المفاوضات نقطة خلاف جديدة بابتداع اسرائيلي.

محاولة تليين المواقف تمهيدًا لاستكمال المفاوضات في الأسبوع الأخير من العام 2020 عنوننها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مبديًا استعداد بلاده لمواصلة “العمل مع إسرائيل ولبنان على مفاوضات الحدود البحرية.. ومستعدة للوساطة في نقاش بنّاء، وحث الطرفين على التفاوض استنادًا إلى المطالبات التي سبق أن رفعها كل منهما إلى الأمم المتحدة”. في وقت دفعت ممثلة الدبلوماسية الأميركية في لبنان السفيرة دوروثي شيا خلال لقاءاتها إلى تراجع لبنان عن السقوف التي رفعها ولم يتم التجاوب مع مطلبها من قبل كل من رئيس الجمهورية ولا قيادة الجيش ولا رئيس الوفد المفاوض. وأمَّا تسريبات الإعلام الإسرائيلي فأجمعت على فشل المفاوضات وتحميل لبنان مسؤولية فشل حل الخلاف الحدودي وترسيم الحدود البحرية بين الطرفين.

لبنان لن يفرط ولو بمقدار كوب ماء من حقه في مياهه الإقليمية، هذا بديهي، في وقت تتصاعد التهديدات بالعقوباتُ من قبل الادارة الاميركية برئاسة دونالد ترامب والتي يُتوقع أن تُصدر لوائح جديدة في مطلع شهر كانون الثاني، قبل أن تطوى صفحتها ويبدأ عهد إدارة جو بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكن. وفي لبنان فإنَّ العمل على إيجاد مناخات ملائمة لتجاوز هذه التحديات في 2021 ضرورة ملحّة لخوض الصراع على السيادة.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى